أوضح تقرير لموقع وكالة بلومبرج للأخبار أنه لولا الإنجازات الاقتصادية التي نفذها حزب الرئيس التركي أردوغان (العدالة والتنمية) منذ توليه الحكم في تركيا، وما فعلوه من ازدهار اقتصادي لكان من الممكن أن ينجح الانقلاب العسكري مستغلا سخط الاتراك، كما حدث في دول اخري لم تجن مكاسب اقتصادية بعد التغيير مثل مصر.
وقال التقرير الذي نشرته بلومبرج أن المشاريع الاقتصادية الناجحة التي تمت برعاية أردوغان تساعد علي تفسير لماذا نجح أردوغان وحده تقريبا في منطقة الشرق الأوسط في قيادة حكومة إسلامية الجذور إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع والاحتفاظ بها، بينما تساقط الآخرون في منتصف الطريق: الإخوان المسلمون في مصر أطاح بهم الجيش، وأقصوا في تونس وليبيا، ويظل الحزب الحاكم في المغرب الذي يشترك في الاسم مع حزب أردوغان خاضعا للملك.
التقرير ضرب مثالا بحالة إسطنبول فور ان تولي رئاسة بلديتها رجب طيب اردوغان، مشيرا لأن جبل القمامة في إسطنبول كان منظرا قبيحا يؤذي العين، وخطرا على الصحة، ويؤدي إلى الموت في النهاية.
فقد حدث انفجار في إسطنبول عام 1993 نجم عن تراكم غاز الميثان بسبب القمامة، خلف عشرات القتلى، وبعد ذلك بعام حكم السياسيون الإسلاميون المدينة، عندما انتخب رجب طيب أردوغان رئيسا لبلدية إسطنبول، فظفوا تركيا واستفادوا من قمامتها.
كما اشار تقرير بلومبرج لأبراج مشاريع الإسكان البلدية التي تحمل شعار “سوني، وتوتال، وبنك البركة” كرمز لموجة رؤوس الأموال العالمية التي غيرت المدينة، ومناطق أخرى كثيرة في تركيا منذ وصل أردوغان إلى سدة الحكم في عام 2002. وقال: “أقيمت خلال السنوات الماضية مراكز تجارية كثيرة بداخلها نساء يرتدين النقاب عانين في الماضي من سوء المعاملة عندما كانت تركيا أكثر علمانية، حيث يتسوقن إلى جانب نساء علمانيات يفضلن الأسلوب الغربي”.
وينقل عن “غانم نسيبة” مؤسس شركة الاستشارات “كورنرستون جلوبال” ومقرها في لندن قوله: “تم انتخاب أردوغان وحلفاؤه في الانتخابات العامة لأنهم كانوا الأفضل في البلديات، وقد منحهم الفوز في الانتخابات المحلية الفرصة لإثبات أنفسهم والعمل على إدارة المدينة”.
ارتفاع شعبية اردوغان
أظهر استطلاع جديد أجرته شركة (متروبول) ارتفاع نسبة تأييد أردوغان من 46.9% في شهر حزيران/ يونيو إلى 67.6% بعد محاولة الانقلاب الفاشل وهو أعلى مستوى وصل إليه خلال توليه الرئاسة، ومنذ انتخابه رئيسا في عام 2014 لم يحصل أردوغان في أي استطلاع على نسبة تفوق 50%.
ولذلك عندما واجه حكم أردوغان تهديدا ملموسا في محاولة الانقلاب الشهر الماضي، ملأ مؤيدوه شوارع مدينة إسطنبول وفي منطقة “عمرانية” التي كانت تمتلي سابقا بالقمامة ونظفها اردوغان، وفي جميع أنحاء البلاد للدفاع عنه.
وأحبطت هذه الجماهير محاولة الانقلاب، وقتل قرابة 300 شخص، وأعلن حسن جان رئيس بلدية عمرانية أن الساحة الرئيسة في الحي ستسمى ساحة شهداء 15 تموز/ يوليو، ونحرت الماعز تكريما لمقاومة الانقلاب.
وقبل عقد من الزمن تقريبا من وصولهم إلى السلطة، حكم الإسلاميون الأتراك أكبر مدينتين في البلاد هما إسطنبول وأنقرة، وكانت القوة الحقيقية في ذلك الوقت في يد الجيش التركي.
وقد حرس الجنرالات النظام العلماني الذي وضعه مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية، ومنذ ذلك الحين بدأ أردوغان يسحب من هذه القوة للعلمانيين، فألغى القيود على ارتداء الحجاب، وأدخل العلوم الدينية إلى المدارس، وفرض الرقباء الذين وضعهم في وسائل الإعلام غرامات على محطات التلفاز التي تبث مشاهد غير لائقة.
وفاز أردوغان وحزبه تسع مرات متتالية في الانتخابات، وحصل على الدعم الأكبر من الأتراك المتدينين والأتراك الأكثر فقرا.
ويقول شادي حميد الباحث في معهد بروكينغز ومؤلف كتاب (الاستثنائية الإسلامية: كيف يعيد الصراع على الإسلام تشكيل العالم): “إن أردوغان دعم المجموعات التي كانت خارج السياسة، وأدخلهم في العملية السياسية وإلى مجال الأعمال أيضا، ومكنهم اقتصاديا”.
وأضاف حميد: “في هذا المجال حقق أردوغان نجاحا كبيرا، بينما أخفقت جماعات سياسية إسلامية أخرى”.
مدير جيد ومسلم جيد
ولا يشير الدستور التركي إلى الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسا للتشريع، لكن حتى قبل الانقلاب عمل مسؤولون على تعديلات دستورية تنص على إلغاء المواد الدستورية التي تلزم الموظفين بالالتزام بفكر أتاتورك.
وتقول “أولكو دريورت” ربة منزل في الـ 35 من عمرها إن بإمكانها أن تشعر بالتغيير، فعندما كانت تشتري الثياب لها ولأبنائها من متجر ثياب في حي “عمرانية”، كانت هي وشقيقتاها يرتدين ثيابا إسلامية سوداء لا تكشف سوى عن وجوههن، دون أن تخشي شيئا.
وتضيف دريورت” أنها في الماضي وقبل وصول أردوغان إلى الحكم كانت تخشى الخروج هكذا من البيت، وتقول: “في كل مرة كنت أدخل المتاجر كانوا يتجاهلونني، أما اليوم فإن النساء المتبرجات العاملات في المتاجر يبتسمن في وجه المحجبات ويرحبن بهن”.
وتقول إن المكاسب الاجتماعية تسير جنبا إلى جنب مع صعود الاقتصاد التركي، فقبل 15 عاما كانت كثير من الطرق المحلية غير معبدة، وكان انقطاع المياه أمرا عاديا، وكان ذلك أمرًا مروعا، أما أختها “سلطان” فترى في أردوغان “مديرا جيدا ومسلما جيدا أيضا”.
لماذا نجح اردوغان وفشل مرسي؟
وتشير أرقام البنك الدولي إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي في تركيا للشخص الواحد إلى 10.800 دولار في عام 2013 مقابل 3571 في عام 2002. وتراجع التضخم من 30% إلى رقم على أصابع اليد الواحدة.
ويقود التقدم الاقتصادي الذي حققته تركيا تحت قيادة حكومة إسلامية للحديث عن النموذج التركي في منطقة الشرق الأوسط، ولاسيما بعد انتفاضات الربيع العربي عام 2011.
لكن حزب العدالة والتنمية وصل إلى السلطة في وقت أكثر ملائمة بكثير، وتزامنت فترة ولايته الأولى مع تدفق السيولة العالمية وبحث المستثمرين عن أماكن للاستثمار.
حيث تدفقت رؤوس الأموال إلى تركيا وغيرها من الأسواق الناشئة، وهكذا تغير وجه أماكن كثيرة ومن بينها حي عمرانية، ومنحت أردوغان هالة النجاح الاقتصادي.
وعلى النقيض من ذلك، عندما وصل محمد مرسي من الإخوان المسلمين إلى السلطة في عام 2012 كان الاقتصاد العالمي عارقا في ركود ما بعد الأزمة الاقتصادية العالمية، وكان الشرق الاوسط مصدوما بالثورات والحروب الأهلية.
أيضا على حين كان حزب اردوغان يحكم المدن الكبرى منذ وقت طويل، كان الإخوان يعملون إلى حد كبير بوصفهم شبكة تحت الأرض في الريف المصري، غبر تقديم المساعدات وليس تشغيل أعمال.
وعندما فاز مرسي في الانتخابات سرعان ما صارت حكومته مرادفا لعدم الفعالية حتى بين المتعاطفين معهم.
ولا يزال أردوغان الداعم الأكثر جرأة لمرسي الذي أطاح به الجيش في عام 2013، وزج بأعضاء حكومته في السجن.
وقد بدأت تركيا أردوغان تعاني من بعض الضرر الاقتصادي حتى قبل محاولة الانقلاب العسكري،وذلك بعد تعرضها لسلسلة من الهجمات التي تشنها المنظمات الكردية والإسلامية المتطرفة، كما تباطأ النمو الاقتصادي منذ عام 2013 بعد عشر سنوات سجلت خلالها معدل نمو وصل إلى 5%.
ومنذ محاولة الانقلاب الفاشل، وصلت حملة التطهير التي يقودها أردوغان إلى القضاء والمدارس والجيش والشرطة.
ويقول أوزجور أونلوهيسار جيكلي رئيس صندوق مارشال الألماني التابع للولايات المتحدة في أنقرة “إن بمقدور تركيا أن تكون ملهما لدول أخرى إذا نجحت من الناحية الديمقراطية والاقتصادية”.
المصدر: بلومبرغ – تقرير: إيوان 24