تقدم وزير التموين المصري خالد الحنفي بطلب استقالته لرئيس مجلس الوزراء شريف اسماعيل، بجملة قالها على التلفزيون الرسمي” أعلن عن تركي موقعي لكي تختار الدولة من يتحمل ويكمل مسيرة العطاء والإصلاح”.
وبهذا يكون من صرح قبل يومين أنه “لن استقيل وندرس طرح كسر الأرز للمواطنين”، ومن ظهرت في عهده أكبر فساد في منظومة القمح في البلاد فضلًا عن أزمة الأرز والسكر والدقيق، استقال من يسكن في فندق خمسة نجوم وسط البلد بعد تعيينه وزيرًا في العام 2014 مقابل 150 ألف جنيه شهريًا مع تأكيده أن يسدد فاتورة الإقامة من ماله الخاص.
كيف ولماذا استقال الحنفي في هذا التوقيت بالذات؟ هل تخلت عنه عناية السيسي والحكومة ليُخرج من عباءة النظام؟ أسئلة تثار في الشارع المصري دون إيجاد إجابة لها سوى النفي وإبعاد التهمة فحسب.
استقالة وزير التموين تأتي بعد قرار مجلس النواب تحديد يوم الاثنين المقبل لعرض التقرير النهائي للجنة تقصي الحقائق حول فساد القمح. حيث سبق وأن سلمت اللجنة التقرير النهائي إلى رئيس مجلس النواب في 17 الشهر الجاري، ويتألف التقرير من 63 ورقة ويستند على 33 ألف مستند رصدت حجم الفساد الذي اكتشفته اللجنة في تسع زيارات ميدانية لمواقع تخزين القمح. ويضم أيضًا مجموعة مخالفات تسببت في إهدار أكثر من مليار جنيه من أموال الدعم المخصصة لتوريد القمح في الموازنة العامة، وسيتم مناقشة التقرير في جلسات البرلمان الأسبوع المقبل.
وزبدة التقرير والتي تكون سببًا في إعلام الوزير استقالته؛ تحميل وزير التموين المسؤولية السياسية عن إهدار المال العام وتقديم الدعم المباشر للفلاحين بعيدًا عن أصحاب الشون والصوامع فضلا عن محاسبة كافة المسؤولين بالصوامع التي زارتها اللجنة.
أن يكون حجم الفساد في أحد الوزارات المصرية قليل، ويُظهر الوزير اجتهادًا في ضبط العمل في الوزارة ويشدد الرقابة ويطرح حلول للمشاكل والأزمات التي تواجه موارد الوزارة، فإن الحكومة واالسلطة الحاكمة سيصفح عن الوزير ولن يحمله حجم ذلك النسر القليل من الفساد الذي كشفوه عليه، فهو على الأقل يوفر الاستقرار النسبي للعمل وموارد الوزارة في الوقت الذي تعاني فيها الحكومة برمتها من فساد وقلة حيلة في إيجاد حلول للأزمات المتتالية التي تقع فيها.
وأما أن يبلغ فساد الوزارة الشيء الكثير ويصبح حديث الشارع والمواطن دون إيجاد حلول لها، فإن رئيس الوزارء والسلطة الحاكمة سيحملان الوزير مسئولية التقصير لتظهر السلطة أمام الرأي العام أنها تحارب الفساد وتنصاع لرأي الشارع في تحقيق مطالبه. إلا في حال كان الوزير من رجالات الدولة المؤثرين ومن القريبين للرئيس، فإن تغاضي النظر عن التقصير سيكون هو ديدن السلطة بعد كل موجة فساد تظهر على الوزير.
ولعل هذا التحليل يتوافق مع ما ذهبت به جهات رقابية مصرية في أن يواجه وزير التموين حنفي السجن بتهم الفساد ومن بين التهم التي ممكن أن توجه له، إهدار المال العام من خلال فساد منظومة القمح من خلال التعاقد مع كيانات وهمية وصوامع تبين أنها لا تحمل سجل تجاري والقيام بعمليات توريدات وهمية للقمح. والتلاعب في حصص الدقيق المخصص للمخابز وعدم مواجهة مافيا احتكار الأرز والسكر.
فساد وزارة التموين
بحسب ما ورد في تقرير لجنة التحقيق، فإن العجز الحاصل في مواقع تخزين القمح بلغ 198 ألف طن قمح، بما يعادل 557 مليون جنيه كما كشفت الأجهزة الرقابية عن وجود حالات لتوريد وهمي للقمح بلغت بنحو 621 مليون جنيه.
فضلًا عن عمليات التزوير في توريد قمح على الأوراق الدفترية نتيجة خلط الصوامع للقمح المحلي المدعوم بالمستورد الأقل سعرًا وحصول أصحابها على الدعم المقدم للفلاح، وهذا شكل فجوة كبيرة بين الدعم المقدم لمنظومة الخبز والمستحقيين الفعليين للدعم.
كما سجلت وزارة التموين 83 مليون مواطن مستفيد من منظومة القمح في حين لا يكفي إجمالي الإنتاج المسجل من مخزون القمح سوى 55 مليون مواطن بحسب ما أشار إليه التقرير والذي أعاد السبب إلى عمليات طحن وهمية للقمح وتحصيل دعم مقدم لأصحاب المنظومة من خلال الكروت الذكية دون أن يصل إلى المواطنين.
كما رصد التقرير أيضًا تجاوزات في سوء تخزين القمح، بسبب عدم وصول الكهرباء إلى الصوامع والشون وتشغيل شبكة تخزين القمح الكهربائية، والاعتماد على التخزين بالطريقة الترابية، وهذا أدى إلى تلف للقمح المخزن.
رأس الفساد
أصبح وزير التموين برأي أحد أعضاء مجلس النواب، “رأس الفساد الأكبر في الدولة وبقاؤه في منصبه جريمة تتحملها الحكومة”، وأصاب الوزارة برأي النائب في “مقتل وأهدر المليارات من الجنيهات بطريقة غير مشروعة وأصبح شخصًا غير مرغوب فيه ليكون عبرة لغيره”.
وربما نسي أو تناسى من ينتقد الوزير الحنفي، أنه ينتمي للحكومة التي عينته في منصبه وسلمته الحقيبة الوزارية في العام 2014 وتغاضت عن أخطائه وفساده وتقصيره. وتجاهل أن رأس الفساد هو من تسبب في زيادة أعداد الفقراء والعاطلين عن العمل وانتهج سياسة التقشف وحمل الدولة ديونًا وقروضًا فوق طاقتها. فرأس الفساد في مصر أكبر من أن يكون مجرد وزير تموين يُختصر فيه أزمات الاقتصاد والدولة.