تعد مسألة البقاء في منزل أحد الغرباء من أكثر الأمور صعوبة في حاية المغتربين، ولكنها بالتأكيد الأكثر صعوبة على حياة اللاجئين، لا سيما أنه لا مفر أمام اللاجئ من تقبل الأمر، لأنه لا يمتلك بديلًا له، فكل ما يتطلبه الوضع هو ثقة اللاجيء في مانح المنزل، وثقة صاحب المنزل في اللاجيء، وهذا نادرًا ما يوجد بسهولة، خصوصًا في البلاد التي تحتوي على عدد كبير من اللاجئين.
يختلف الوضع هنا في حالة “عمرو عرفة”، الشاب المصري الذي لم يكرس اهتمامه بمتابعة قضايا اللاجئين والحزن من أجلهم فقط، بل حاول المساعدة، وقدم لهم شيئًا جديدًا لم يقدمه لهم أحد من قبل، ألا وهو فكرة “منزل خاص للاجئين فقط”.
لا تعتبر المسألة هنا في يد الحكومة، حيث تتركز فكرة “عمرو عرفة” في مبدأ مساعدة الغير على المستوى المجتمعي، وليس على المستوى الحكومي أو الدولي، فقام عمرو باستغلال خبراته المعلوماتية في مجال الحاسبات والبرمجة ليأسي موقعًا يساعدك على استضافة اللاجئين في بيتك.
قام “عمرو” في البداية بعرض منزله، وهو عبارة عن استديو صغير في واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قام بعرضه على موقع “Airbnb ” ،وهو موقع لتأجير المنازل لفترات قصيرة، ويختص بالرحالة والمسافرين أكثر منه للمستأجرين العاديين، ولما وجد “عمرو” أن الطلبات المعروضة عليها يكون أغلبها للرحالة، وجد أن موقع ” Airbnb” لن يخدم فكرته كما يريد، وقرر تصميم موقعه الخاص به وحده، وأسماه “Emergencybnb”.
قام شريكان بترك مظلة في المنزل قبل خروجهما منه كاتبين ورقة بجوارها مكتوب عليها أن هذه المظلة متروكة لمن سيحتاجها من قاطني المنزل المقبلين
بدأت الأمور تسهل على “عمرو عرفة” بعد حصوله على “الجرين كارد”، ليستطيع أخيرًا الخروج من الولايات المتحدة لزيارة أهله في مصر بعد انقطاع دام ثمان سنوات، ليعود من تلك الزيارة محملًا بالطاقة الإيجابية التي دفعته لإتمام فكرته، وتحويلها إلى أرض الواقع، ليطلق أول موقع يخدم اللاجئين ويساعدهم على ايجاد منزل لهم، بالإضافة إلى ضحايا العنف المنزلي من شركاءهم.
كل ما يحتاجه “عمرو” ليقوم بإعطاء مفاتيح المنزل للمستأجر هو أوراق تثبت لجوء المستأجر، أو تثبت تعرضه للعنف المنزلي من قبل سواء من شهود أو صور أو من تقارير من الشرطة، وحينها سيقوم “عمرو” بإعطاء المفاتيح بكل أريحية، والهدف من ذلك هو أنه لا يريد توفير المنزل للمستأجرين العاديين، أو للمسافرين و الرحالة، فهدفه أنه يقوم بمساعدة اللاجئين فقط لا غير.
أطلق “عمرو” الموقع ليحث الكل عبر الولايات المتحدة على السير على خطاه، ليثبت للاجئين أن العالم مستعد لاستضافنهم والترحيب بهم، حتى ولو في منازلهم، التي يقدموها لهم بأسعار زهيدة، ليثبت “عمرو” أن هناك من الجيران من يهتم بالفعل لاستضافة ومساعدة اللاجيء، وأنه لا يجب على اللاجيء أن يقوم بطلب المساعدة من الحكومات فقط، مادام هناك من المواطنين من يستطيع تقديم المساعدة على المستوى الشخصي.
عمرو عرفة في شقته المعروضة للاجئين
بدأت العروض تأتي لعمرو من زوجين سوريين أرداوا البقاء في منزله حتى يقضي القضاء في أوراق طلب اللجوء الخاصة بهم، ومن ثم جاء العرض الآخر من فتاة أرادت الهروب من شريكها في السكن بسبب تعرضها للعنف الجسدي وخوفها من البقاء معه في نفس المنزل، قالت في تقرير عن الموقع الذي صممه “عمرو عرفة” في صحيفة “واشنطن بوست” بأنها كانت تعتقد لفترة طويلة أن الناس أمثال “عمرو” نادرين، إلا أنه أثبت لها أنهم مازالو موجودين بالفعل.
استطاع “عمرو” إقناع العديد من أصدقاءه بالفكرة، ليقوموا هم كذلك بعرض منازلهم للإيجار بأسعار زهيدة على موقع “Emergencybnb” الذي قام بتصميمه، كما استطاع تكوين دائرة من المنازل المتصلة بالإضافة إلى عدة نٌزل أو مساكن للشباب بأسعار رخيصة على موقعه، ليتسنى للاجيء البحث في مختلف الخيارات والوصول إلى الخيار الأنسب له ولعائلته.
من المعروف مدى صعوبة إيجاد منزل في واشنطن دي سي، حيث تبدو الملاجيء العامة أماكن في منتهى الخطورة أحيانًا، يزيد الأمر صعوبة على اللاجيء الذي يعاني من إضطرابات نفسية حادة، لذا وجد “عمرو” أن فكرة استضافته في منزل، من أفضل الأفعال التي تهدأ من روعه، ليعتبر نفسه ينتمي إلى هذا المكان بشكل أو آخر، ويرتاح فيه نفسيًا بدلًا من تعرضه لمشاكل عنصرية في الملاجيء العامة.
يرى “عمرو” أن التحدي الأكبر يكمن في إيجاده لأشخاص مستعدة بالفعل لعرض منازلها للاجئين، فمنذ بداية عام 2015، دخل إلى الولايات المتحدة ما يقرب من 63 ألف لاجيء، يزعم “عمرو” أن أكثر من نصف هذا العدد يعاني من مشاكل سكنية، وأن أغلبهم لا يجدون مكانًا لائقًا بالفعل للمعيشة فيه.
يقول “عمرو” في التقرير بأن ما يفعله لن يحل أزمة اللجوء في العالم، ولن يقلل من عددهم بالفعل في البلاد، ولن يقدم لهم حلًا سياسيًا ولن يساعدهم في العودة إلى وطنهم، إلا أنه يحاول التخفيف من وطأة الأزمة عليهم، ويرى أنه من واجبه أن يساعدهم ما دام يستطيع، وأن من واجبه أيضًا أن يشعرهم بالترحيب، وأنهم مرغوب بهم في المكان الذي هربوا إليه.\