أيد البرلمان العراقي الخميس الماضي إقالة وزير الدفاع خالد العبيدي بعد مساءلته في وقت سابق حول قضايا فساد يُتهم بالضلوع فيها. جاءت أغلبية نواب البرلمان مع إقالة العبيدي خلال جلسة عقدت للتصويت على حجب الثقة عنه ومناقشة قانون العفو العام.
بواقع 142 نائبًا صوتوا لصالح إقالة العبيدي من أصل 262 حضروا جلسة التصويت، و102 نائب عارضوا قرار الإقالة، بينما امتنع 18 عن التصويت، بعد عدم اقتناع النواب بإجابات الوزير حول تهم فساد التي تلاحقه المتعلقة بعقود التسليح.
دوامة مكافحة الفساد
خطوة إقالة وزير الدفاع العراقي جاءت على خلفية اتهامات متبادلة بينه وبين رئيس مجلس النواب سليم الجبوري والنائبتين حنان الفتلاوي وعالية نصيف وغيرهم، بعد اتهامه إياهم بمساومته بمبالغ مالية مقابل عدم تعرضه لجلسة الاستجواب.
وجدير بالذكر أن القضاء العراقي أغلق الثلاثاء الماضي ملف اتهامات وجهها وزير الدفاع خالد العبيدي لرئيس البرلمان سليم الجبوري معتبرا أن “الأدلة غير كافية” وذلك بعد أسبوع من اتهام العبيدي خلال استجوابه أمام البرلمان للجبوري وعدد من النواب “بابتزازه” على ملفات فساد تتعلق بعقود استيراد الأسلحة.
هذه القنبلة التي فجرها وزير الدفاع في البرلمان ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في الواقع السياسي العراقي بحسب مراقبين، بسبب عدم خروج أي نتيجة حقيقة لكشف أي ملف فساد سابق، مؤكدين أن الطبقة السياسية في العراق ترى أنها فوق القانون.
على إثر تفاقم ملفات الفساد في العراق اتفقت الحكومة العراقية مع الأمم المتحدة على إشراك محققين دوليين في ملفات “فساد كبرى” وملاحقة المتورطين فيها، واستعادة الأموال المهربة للخارج، وأعلنت الأمم المتحدة أنها ستعين محققين لتدريب مراجعي الحسابات الذين يدققون بقضايا الفساد.
وقال مكتب رئيس الوزراء في بيان إن العراق وقع مذكرة تفاهم مع الأمم المتحدة لإشراك محققين دوليين في ملفات الفساد الكبرى ذات الأولوية دون أن يسميها.
ونقلت وكالة الأناضول عن مسؤول عراقي أن الاتفاق يتضمن مساعدة الجانب العراقي في الكشف عن ملفات الفساد الكبرى، وملاحقة المتورطين بها ممن فر خارج البلاد، وإمكانية استعادة الأموال المهربة خلال السنوات الماضية.
ومن جهته، قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بيان صدر بعد حفل توقيع المذكرة إنه سيعين محققين دوليين لتعليم وتدريب مراجعي الحسابات الحكوميين المكلفين بالتحقيق في قضايا الفساد.
يأتي العراق في المرتبة 161 على مؤشر منظمة الشفافية الدولية للفساد الذي يضم 168 دولة
كما يُذكر أن هيئة النزاهة العراقية أعلنت في شهر مارس الماضي صدور مذكرات اعتقال بحق 18 وزيرًا وأكثر من 2700 مسؤول بتهم تتعلق بالفساد خلال العام الماضي، بينما خرجت المظاهرات في بغداد ومحافظات جنوبية تطالب بتشكيل حكومة كفاءات وتقديم الفاسدين إلى القضاء.
نتاج هذا يأتي العراق في المرتبة 161 على مؤشر منظمة الشفافية الدولية للفساد الذي يضم 168 دولة. ويقدر حجم الهدر المالي من خلال عقود إبان فترة حكم نوري المالكي ما يناهز 109 مليارات دولار، كما تقول الأرقام الرسمية إن فاتورة الفساد في العراق في السنوات العشر الماضية فقط بلغت أكثر من 350 مليار دولار، موزعة على أكثر من 16 ألف قضية، طالت الكثير من الأسماء والمسؤولين من جميع التوجهات.
فيما زادت زادت هذه الاتهامات من تعقيدات المشهد السياسي العراقي الذي يعيش تمزق الكتل الكبيرة، وحالة من خلق تحالفات جديدة لم تتضح معالمها حتى الآن، حيث أن تقارير لجنة النزاهة البرلمانية تشير إلى أن المتهمين بالفساد ينتمون إلى عدة كتل سياسية.
ولا شك أن أكثر من أضيروا في دوامة مكافحة الفساد هذه هم “سنة العراق”، وقد اتضح ذلك بعد القرار القضائي السريع الذي صدر بمنع رئيس البرلمان سليم الجبوري من السفر، والسبب أنه قبِل استجواب وزير الدفاع خالد العبيدي على خلفية اتهامات بالفساد، فاتهمه الأخير بالمثل، وهما سياسيين من السنة، كما يُشار إلى أن البيت السني السياسي -ممثلا في تحالف القوى العراقية- يشهد صراعا كبيرًا منذ فترة.
يقدر حجم الهدر المالي من خلال عقود إبان فترة حكم نوري المالكي ما يناهز 109 مليارات دولار
فيما يرى وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي إن سحب الثقة منه في البرلمان “انتصار للمفسدين” الذين تسببوا في تشريد الملايين من الشعب وخسارة الوطن 40% من أراضيه، بحسب قوله، وأضاف العبيدي -في تصريحات نشرها على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك- أنه حاول محاربة المحسوبية والفساد بالوسائل المتاحة، “لكن يبدو أن أربابه أقوى وصوتهم أعلى”.
قانون العفو العام
على جانب آخر مما يشغل الرأي العام العراقي في هذا الوقت الحاضر، ربما لم تحظ جلسات البرلمان العراقي منذ عدة سنوات بهذا الكم من الاهتمام والمتابعة الجماهيرية مثل تلك التي حظيت بها الجلسات منذ مطلع الشهر الجاري، لا سيما أثناء مناقشة قضايا الفساد وكذلك قانون العفو العام.
حيث أقر البرلمان العراقي قانون “العفو العام” عن السجناء، مستثنيًا الأجانب والمتهمين بالإرهاب، كما استثنى القانون الجرائم التي تتعلق بتخريب مؤسسات الدولة والاغتصاب وزنا المحارم والإتجار بالبشر والمخدرات والخطف في حال أسفر عن قتل المخطوف أو تشويهه.
كما يشار إلى أن قانون العفو العام أحد أبرز مطالب القوى السنية العراقية، التي ربطت إقراره باستمرار مشاركتها في حكومة حيدر العبادي. وعلى مدى الأشهر الماضية، رفضت القوى السياسية الشيعية تشريع القانون، خشية شموله عددًا من المعتقلين ممن يتهمونهم بارتكاب جرائم إرهابية.
التصويت على القانون جاء بأغلبية أصوات النواب، ويجيز قانون العفو لعشرات آلاف السجناء والمحكومين، من بينهم المئات ممن حكم عليهم بالإعدام، تقديم طلبات بإعادة محاكمتهم، ويتيح القانون إعادة محاكمة وتدقيق ملفات وإعطاء القضاء فرصة لإصدار الأحكام بحق المدانين بتهم كيدية.
وكان رؤساء الكتل البرلمانية العراقية عقدوا اجتماعًا قبل أيام توصلوا فيه لصيغة توافقية لمواد مشروع القانون بعد تعديل الخلافية منها، والتي منعت المجلس من تمريره في جلسات سابقة. واعترضت كتل سياسية في السابق على فقرة تعطي الحق للسجناء من الذين حكم عليهم بالإعدام أو الذين أُدينوا نتيجة وشاية من المخبر السري، في إعادة محاكمتهم.
قانون العفو العام أحد أبرز مطالب القوى السنية العراقية، التي ربطت إقراره باستمرار مشاركتها في حكومة حيدر العبادي
القانون الذي جاء متأخرًا، حيث كان يفترض تمريره قبل عام، وأضاف أن هناك تساؤلات بشأن ما إذا كان القانون الجديد سيفضي حقًا إلى العفو عن سجناء، بعدما كان هذا القانون أحد مجموعة قوانين ضمن الاتفاق الحكومي الذي كان قد اتفقت عليه الكتل السياسية في أغسطس من 2014، والذي أفضى إلى تشكيل الحكومة العراقية الحالية.
جدير بالذكر أنه على مدى السنوات الثماني الماضية، وخلال ترؤس نوري المالكي للحكومة، شكا السنة من الزج بهم في السجون دون محاكمات لسنوات طويلة بتهم كيدية بناء على تقارير من مخبرين سريين بحجة ارتباطهم أو تورطهم بنشاطات إرهابية، ولا توجد أرقام رسمية أو تقديرية لعدد المعتقلين، لكن جهات سنية تقول إنهم بعشرات الآلاف.