منح مجلس نواب الشعب (البرلمان التونسي)، في ساعة متأخرة من ليلة أمس الجمعة، ثقته لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة يوسف الشاهد بأغلبية واسعة؛ لتحل بذلك محل حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة الحبيب الصيد.
وشهد التصويت خلال الجلسة العامة الاستثنائية التي خصصت لمناقشة برنامج حكومة الوحدة الوطنية والتصويت على منح الثقة لها، موافقة 167 نائبًا على منح الثقة للحكومة فيما تحفّظ 5 نواب، ورفض 22 نائبًا منح ثقتهم لحكومة الشاهد (194 نائبًا حضر جلسة التصويت من جملة 217 عضوًا بالبرلمان)، وبحسب الدستور التونسي يتعين على الحكومة الحصول على ثقة الغالبية المطلقة أي 109 نواب.
تعتبر حكومة الوحدة الوطنية التي منحها البرلمان الثقة أمس، الثامنة في تونس منذ الثورة، حيث تشكلت في تونس منذ 14 يناير 2011 سبع حكومات، ومن المتوقّع أن تسلّم حكومة تصريف الأعمال بقيادة الحبيب الصيد السلطة لحكومة يوسف الشّاهد مطلع الأسبوع المقبل.
تركيبة الحكومة الجديدة
تتكوّن حكومة الوحدة الوطنية الجديدة في تونس من 26 وزيرًا بينهم ست نساء، و14 كاتب دولة بينهم امرأتين (موظف حكومي برتبة وزير)، وهم خليط من سياسيين حزبيين ومستقلين ونقابيين ووزراء تكنوقراط، وأبقى الشاهد على وزير الدفاع فرحات الحرشاني ووزير الداخلية الهادي مجدوب وهما مستقلان، في منصبيهما من بين 12 وزيرًا مستقلاً في الحكومة إلى جانب نقابيين اثنين.
وكان 11 من هؤلاء أعضاء في حكومة الحبيب الصيد، وقد حافظ 7 منهم على نفس حقائبهم وهم وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والسياحة والنقل والتربية والتجهيز.
تضم تركيبة الحكومة الجديدة، وزراء من حزب “نداء تونس” (67 نائبًا)، الذي يقود الائتلاف الحكومي بأربع حقائب وزارية
وأصبح يوسف الشاهد الذي سيبلغ 41 عامًا في 18 أيلول/ سبتمبر المقبل، أصغر تونسي يرأس حكومة في تاريخ تونس منذ استقلالها عن فرنسا سنة 1956، ويعتبر الشاهد أحد قيادات حزب نداء تونس الذي تأسس سنة 2012 ، شغل وزير الشؤون المحلية في حكومة الحبيب الصيد وهو حاصل على شهادات عليا في العلوم الفلاحيّة واقتصاد البيئة والموارد الطبيعية.
يوسف الشاهد إلى جانب الحبيب الصيد
وتضم تركيبة الحكومة الجديدة، وزراء من حزب نداء تونس (67 نائبًا)، الذي يقود الائتلاف الحكومي بأربع حقائب وزارية، وحركة النهضة، الكتلة الأولى في البرلمان، بثلاث حقائب وزارية (69 نائبًا)، وآفاق تونس بحقيبتين ( 10 نواب)، إلى جانب أحزاب الجمهوري (نائب واحد) والمبادرة (3 نواب) وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي (غير ممثل في البرلمان).
كما تضم قياديين سابقين في الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) هما عبيد البريكي وزير الوظيفة العمومية والحوكمة ومحمد الطرابلسي وزير الشؤون الاجتماعية، إضافة إلى مستقلين، وتحظى بدعم 3 منظمات كبرى، الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري.
تحذير من التقشف وخفض الوظائف إذا استمرت الصعوبات
حذّر يوسف الشاهد من أن بلاده ستضطر إلى تبني برنامج تقشف في العام المقبل يتضمن خفض وظائف القطاع العام وفرض ضرائب جديدة إذا استمرت الصعوبات الاقتصادية الحالية.
نبّه رئيس الحكومة التونسية الجديد من أن بلاده تعيش “حالة طوارئ اقتصادية”
وقال الشاهد أمام البرلمان “وضعنا في 2017، إذا لم نفعل شيئًا، سيكون أصعب بكثير من 2016، سنكون مجبرين على اتباع سياسة التقشف، الدولة ستكون مجبرة على تقليص مصاريفها (..) وستكون مجبرة على تسريح آلاف الموظفين، وستكون مجبرة على رفع الضرائب المفروضة على المواطنين والشركات، وستكون مجبرة على إيقاف الاستثمار في التنمية والبنية التحتية، هذا هو التقشف الذي سنذهب إليه إذا لم نفعل أي شيء لتدارك الأوضاع في 2016 .”
تراجع إنتاج الفوسفات في تونس
ونبّه رئيس الحكومة التونسية الجديد من أن بلاده تعيش “حالة طوارئ اقتصادية” لأن معدل النمو الاقتصادي في 2016 سيبلغ “في أفضل الأحوال” 1.5% بعدما كان متوقعًا تحقيق نمو بنسبة 2.5% خلال العام نفسه، وتوفر نقطة نمو واحدة ما بين 15 و20 ألف فرصة عمل جديدة في السنة في حين تعد البلاد 650 الف عاطل من العمل.
بلغ حجم المديونية في تونس 56 مليار دينار (22 مليار يورو) سنة2016، مقابل 25 مليار (10 مليارات يورو) في 2010
وتراجع إنتاج الفوسفات في السنوات الخمس الأخيرة في تونس بنسبة 60% بينما ارتفعت كتلة الأجور إلى 13.4 مليار دينار حاليًا من 6.7 مليار في 2010؛ ما تسبب في ارتفاع نسبة المديونية حيث بلغت 60% من الناتج الوطني الخام، حسب ما أعلن عنه الشاهد في كلمته أمام البرلمان أمس، وبلغ حجم المديونية في تونس 56 مليار دينار (22 مليار يورو) سنة 2016، مقابل 25 مليار (10 مليارات يورو) في 2010.
وأكّد الشاهد أن تراجع الإنتاج والإضرابات وتضرر قطاع السياحة كلها عوامل أثرت سلبًا على الموازنة بما سيرفع العجز بواقع 2.9 مليار دينار ليصل إجماليه إلى 6.5 مليار دينار في 2016، مقرًا بأن بلاده “ستواصل هذا العام بعجز في الميزانية بقيمة 6500 مليون دينار، فضلاً عن تراجع الدينار بنسبة 20% في السنوات الخمس الأخيرة.”
أولويات عمل الحكومة الجديدة
حدد رئيس الحكومة التونسية الجديدة يوسف الشاهد خمس أولويات أساسية لحكومته، وهي كسب المعركة ضد الإرهاب، والحرب على الفساد، ودفع نسق النمو وتحفيز الاستثمار، والحفاظ على التوازنات المالية للبلاد، ومعالجة ملف النظافة والبيئة.
ارتفع عدد موظفي القطاع العام في تونس إلى نحو 670 ألفًا في 2016 مقابل نحو 435 ألفًا سنة 2010.
وسجلت تونس في الربع الثاني من 2016 نسبة نمو قدرت بـ 1.4% بعد أن كانت 1% في الربع الأول، فيما تم تسجيل ارتفاع في نسبة البطالة لتبلغ 15.6 في الربع الثاني من السنة الجارية مقابل 15.4 في الربع الأول، وارتفع عدد موظفي القطاع العام في تونس إلى نحو 670 ألفًا في 2016 مقابل نحو 435 ألفًا سنة 2010 اي بزيادة بنحو 235 ألفًا، بحسب إحصاءات رسمية.
ارتفاع نسبة البطالة في تونس
وأوضح الشاهد أن “من واجب حكومة الوحدة الوطنية أن تشرع في الإصلاحات الضرورية للمحافظة على سلامة المالية العمومية ولتفادي الانزلاق نحو التقشف، في إشارة إلى إصلاحات يطالب بها صندوق النقد الدولي.
أكّد الشاهد، ان حكومته ستصدر مشروع قانون “يسنّ أحكامًا استثنائية لدفع النمو الاقتصادي في أسرع الآجال”.
وبخصوص لجوء تونس إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، قال الشاهد “صندوق النقد الدولي لم يأت إلينا بل نحن من ذهبنا نطرق أبوابه بعدما وضعنا أنفسنا في هذه الأزمة، وقلنا له ساعدنا لنخرج من هذه الأزمة”.
في سياق متصل، أكّد الشاهد، أن حكومته ستصدر مشروع قانون “يسنّ أحكامًا استثنائية لدفع النمو الاقتصادي في أسرع الآجال،” ويهدف مشروع القانون إلى “إفراد المشاريع الكبرى المعطلة وذات الأهمية الوطنية بإجراءات استثنائية تمكن من الشروع المباشر في إنجازها،” وتبلغ قيمة المشاريع الاقتصادية المعطلة في تونس 10 مليارات دينار (4 مليارات يورو) بحسب ما أعلنت في وقت سابق حكومة الحبيب الصيد.
ودعا الشاهد إلى “العودة إلى العمل والإنتاج وتحفيز الاستثمار الوطني وجلب الاستثمار الخارجي “لإخراج تونس من أزمة اقتصادية واجتماعية حادة، وقال “سنكون حازمين في التصدي لكل الاعتصامات غير القانونية وغير المشروعة مع التزامنا بضمان حق الإضراب المنصوص عليه في الدستور”، وأضاف “اليوم لن نسمح لفئة بأن توقف معملاً أو وحدة إنتاج أو مصنعًا في خرق لقوانين البلاد وتحرم آلاف العاملين من قوتهم اليومي.”
ومن المتوقع أن تواجه تونس فترة صعبة مع استعدادها لسداد مدفوعات خدمة دين بنحو ثلاثة مليارات دولار في 2017.