ترجمة وتحرير نون بوست
قبل 25 سنة من اليوم، وقعت محاولة انقلابية فاشلة عرفت بانقلاب آب/ أغسطس، قامت بها مجموعة مسلحة من أعضاء الحزب الشيوعي ومن النخبة الأمنية ضد رئيس الاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف، فيما يعرف باللحظة الحاسمة التي ساهمت في انهيار الاتحاد السوفيتي.
كانت الحلقة القيادية للانقلاب، التي تعرف بعصابة الثمانية، غير راضية بمخطط غورباتشوف الليبرالي وحركات الاتزان بين الجمهوريات السوفيتية وموسكو، واليوم يوجد الحوار نفسه في موسكو، فالكرملين يعيش من الداخل انقسامًا مألوفًا.
منذ إطلاقه للغلاسنوست (سياسة الدعاية القصوى والانفتاح والشفافية في أنشطة جميع المؤسسات الحكومية في الاتحاد السوفيتي سابقًا) والبيريسترويكا (إعادة البناء) لإنقاذ الاتحاد السوفيتي، بدأ الاستياء من غورباتشوف وبدأت تتشكل ضده نواة من المتشددين عبر السنين، حاول غورباتشوف شراء الدعم لجهوده الليبرالية من خلال وضع هؤلاء الكارهين له داخل الحكومة.
وعندما انفصلت ستة أقاليم تقريبًا عن الجمهورية السوفيتية سنة 1990 و1991 حاول غورباتشوف التمسك بباقي الأقاليم الثمانية من خلال جملة من إجراءات لفك المركزية، هؤلاء المتشددون في الحكومة توحدوا فيما بينهم وطلبوا من غورباتشوف إعلان حالة الطوارئ وسيطر الجيش على الجمهورية السوفيتية.
عندما رفض قائد الاتحاد السوفيتي الهروب جوًا من قصره في القرم أطلقت عصابة الثمانية انقلابًا عسكريًا في موسكو، يتكون مخططو الانقلاب أساسًا من متشددين أعضاء في الحزب ووزراء وقيادات عسكرية، والأكثر أهمية رئيس المخابرات الروسية فلاديمير كريوتشكوف، الذي يرجح أنه قائد ومدبر الانقلاب.
بينما كان غورباتشوف على الطائرة بدأ الرجل (رئيس المخابرات الروسية) يرسل أوامره عبر موجات الراديو، متصلاً بقوات النخبة في كل من المخابرات الروسية والجيش، انتشرت الدبابات في موسكو وحاصرت قصر غورباتشوف والمنزل الثاني الموسمي الترفيهي لبوريس يالتسن، والذي كان رئيسًا لروسيا وفق الدوائر الانتخابية للامركزية الاتحاد السوفيتي، قطع منفذو الانقلاب الخطوط الهاتفية عن غورباتشوف وراقبوا هواتف كل أعضاء الحكومة، وبثت كل القنوات التلفزيونية عرض “بحيرة البجع” بشكل متكرر وأغلقوا بقية وسائل الإعلام.
ولكن عوض إعادة التأكيد على سيطرة موسكو على الاتحاد السوفيتي كما أمل الانقلابيين، لكن الانقلاب أطلق انتفاضة شعبية، الضربة القاضية الأخيرة للاتحاد السوفيتي، وحرر روسيا من الخوف من المتآمرين، كان هذا أسوأ كوابيس الانقلابيين، بينما مكث غورباتشوف في قصره، تجاوز يالتسن الحصار العسكري حتى يصل إلى وسط موسكو وطلب من الشعب الانتفاض ضد “الانقلاب الرجعي”، فنزل عشرات الآلاف إلى الطرقات وبدأ الجيش والمخابرات في رفض الأوامر بإطلاق الرصاص على الشعب الروسي أو قمع مسيرته.
حل الانقلاب في ثلاثة أيام فقط، ولكنه أثّر على سير مشوار الاتحاد السوفيتي وهز محاولة غورباتشوف في الحفاظ على ما بقي من مشروع الوحدة، خلال الأشهر الأربع القادمة بدأ ما تبقى من دول الاتحاد السوفيتي، مثل أوكرانيا وبيلاروسيا، في الابتعاد عن الاتحاد وعن موسكو.
حل الانقلاب رسميًا في كانون الأول/ ديسمبر بعد اعتقال المتشددين وحل الحزب الشيوعي وبدأ الاتحاد الروسي المفكك حديثًا سلسلة من عمليات التحرر السريعة والفوضوية اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، ليعلن غورباتشوف لاحقًا في آب/ أغسطس سنة 1991 أن الانقلاب كان السبب الرئيسي في انهيار الاتحاد السوفيتي.
وصف فلاديمير بوتين، الطالب المتابع للتاريخ بشغف، انهيار الاتحاد السوفيتي بـ “أكبر الكوارث الجيوسياسية التي وقعت في هذا القرن”، وعلى الرغم من ذلك قام بوتين بإحداث إصلاحات أرجعت لروسيا مكانتها الجيوسياسية، ولكن عليه أن ينظر إلى التشابه في الضغوط بين تلك التي تعيشها بلاده اليوم وتلك التي أدت لحدوث انقلاب آب/ أغسطس.
ولأكثر من 16 سنة عمل بوتين على بناء التوازن بين القوى الليبرالية والمحافظة، تقريبًا كما فعل غورباتشوف، ما جعله مضطرًا إلى التأرجح بين معسكر السياسة المحلية والخارجية، وكان بوتين حكمًا بارعًا لأكثر من عقدين ولكن هذا لم يمنع نمو السخط الداخلي ضده.
وقد تزايدت الانتقادات الشعبية للخيارات السياسية للقيادة الروسية، حيث يريد القسم الليبرالي من الرئيس المزيد من الانفتاح الاقتصادي والعلاقات الدافئة مع الغرب، بينما يريد المتشددون من بوتين التحرك كليًا داخل أوكرانيا واتخاذ إجراءات اقتصادية صارمة، وقدرة بوتين على الحفاظ على التوازن أصبحت أمرًا صعبًا، بعد إزالته، في دائرته الداخلية، لبعض أقوى الرجال في موسكو خلال السنة الماضية، حتى إنه أصبح خائفًا على سلامته الشخصية فأنشأ جيشه الخاص به.
ولكن تلك القوى داخل الكرملين قادرة على محاصرة رئيس روسيا، ولا تجهل تاريخها، يعلمون كما يعلم منافسهم السياسي أن الظروف المتطرفة قد تقود إلى أفعال متطرفة، ولكن هذه الأفعال المتطرفة قد تكوّن نظامًا معطلاً إن انتفضوا ضده.
المصدر : ستراتفور