مثّل خطاب رئيس الحكومة المكلف يوسف الشاهد تحت قبة البرلمان التونسي في جلسة منح الثقة لحكومته اعترافًا بفشل اقتصادي بعدما صارح الشعب بحجم الأزمة، مستندًا إلى أرقام صادمة، وهو ما يجعل شبح “اليوننة” يخيّم على الاقتصاد التونسي، فتهاوي الدينار أمام العملات الأجنبية لاسيما منها اليورو والدولار، ساهم في رفع تكلفة الواردات التي انهكت كاهل الميزانية التي سجّلت عجزًا قدّرت نسبته بـ 3.8% وحجمه بـ 6.6 مليار دينار بعنوان سنة 2016.
كما نزلت نسبة النمو الاقتصادي إلى ما دون عتبة الواحد بالمائة، زد على ذلك تراجع كل المؤشرات الاقتصادية بشكل مذهل ومخيف واكتساح الإضرابات جسد كل القطاعات بما في ذلك الفوسفات ولي نعمة الاقتصاد التونسي، كما بلغت المديونية 56 مليار دينار سنة 2016 وارتفعت نسبة البطالة إلى 18%، أما نسبة عجز الميزانية فقد بلغت 3.8% هذه السنة بحجم 6.6 مليار دينار ولا غرابة في هذا حيث تخصص 45% من الميزانية في تسديد الأجور التي بلغت كتلتها 13 ألف مليار وهي من الكتل الأرفع عالميًا وتمثل 13% من الناتج المحلي الخام مقابل تزايد حجم التهرب الضريبي الذي بلغ سنة 2015 قرابة 8 مليار دينار، وهو شكل من أشكال دمقرطة الفساد الذي كان نخبويًا قبل الثورة وتحول اليوم إلى ثقافة شعب.
أمام هذا الواقع الاقتصادي المترهّل واستنادًا إلى خطاب رئيس الحكومة المكلف ستكون سياسة التقشف اللاعب الأساسي في رسم التوجهات الاقتصادية في هذه الحكومة وما يرافقها من إذعان تام لإملاءات الجهات الدولية المانحة؛ مما سيؤدي إلى انهيار كامل في الخدمات الاجتماعية وتراجع جودة الخدمات في الصحة والتعليم وطرد العملة والموظفين الذي سيؤدي حتمًا إلى اندثار الطبقة المتوسّطة وهروب المستثمرين إلى بلدان أخرى بعد الزيادة في الرسوم الجمركية والترفيع في الضرائب والأداءات التي ستزيد من كلفة المنتج.
كما ستؤدي سياسة التقشّف إلى تجميد الانتدابات الذي سيزيد من نسب البطالة وإيقاف العمل بالعقود الجماعية للعمّال وتخفيض حجم الأجور والاستغناء عن منح الإنتاج وتأجيل المفاوضات الاجتماعية.
لن تتوفر لهذه الحكومة حلول الاختيار من متعدد بل ستضطر إلى مطالبة الجهات المانحة بإعادة جدولة الديون وفق شروط مجحفة وتنازلات مؤلمة تدفع نحو خصصة الشركات العمومية الكبرى وهو ما سيسرّع في وتيرة الهرولة نحو نفق الإفلاس الذي سيكون ذريعة لتدخل القوى العالمية في القرارات السيادية التونسية، وهو ما يجعل من الوضع شبيهًا بما عاشته اليونان الذي استغله حزب سيريزا اليساري الراديكالي بقيادة ألكسيس تسيبراس، حيث صاغ برنامجه الانتخابي على ضوء إفلاس اليونان، فوعد بإنهاء الإجراءات التقشّفية والتفاوض حول الديون وإنهاء التعامل مع المانحين الدوليين، وهو ما فتح له أبواب البرلمان اليوناني على مصراعيه في انتخابات 2014 حيث اكتسح حزب سيريزا بتمثيلية نيابية استأثرت بـ 149 من إجمالي 300 مقعد.
هذا السيناريو ليس بغائب عن أذهان الجبهويين قيادةً وقواعدًا، حيث رفض قياديو التحالف اليساري الانضمام إلى مبادرة رئيس الجمهورية في تكوين حكومة وحدة وطنية يراها حمة الهمامي ورفاقة آيلة للسقوط وفشلها حتمي أمام واقع اجتماعي منهك ووضع اقتصادي هشّ.
كل هذه الظروف تخدم الائتلاف اليساري في تونس الذي رتب صفوفه منذ أكتوبر 2012 ولم شمل العائلات اليسارية بروافدها القومية والشيوعية والاجتماعية بعد أن كانت أرخبيلاً حزبيًا عجز عن كسب الرهان الانتخابي في 2011.
انعكس هذا التحالف اليساري على نتائج انتخابات 2014 حيث تمكنت مكوناته من اقتلاع أكثر من 15 مقعدًا في البرلمان، كما حلّ حمّة الهمامي ثالثًا في سباق الرئاسية.
لا ينكر جاحد أن الجبهة هي المستفيد الأكبر من هذا الوضع السياسي ونظيره الاقتصادي، وإذا ما تواصلت هذه الأزمات ودخلت البلاد غياهب التقشف والفشل الاقتصادي فإن أنصار الفكر الماركسي سيراهنون بجدية على الاستحقاق الانتخابي القادم.