حددت الحكومة المغربية، قبل ذلك مطلع هذا العام، الـ 7 من شهر أكتوبر المقبل موعدًا لإجراء الانتخابات البرلمانية، في ثاني استحقاق مماثل تشهده البلاد بعد الإصلاحات الدستورية عام 2011.
فترة تقديم الترشحات لهذه الانتخابات ستكون بداية من الـ 14من سبتمبر إلى 23 سبتمبر، على أن تنظم الحملة الانتخابية من 24 سبتمبر إلى 6 أكتوبر، وفق المصادر الحكومية المغربية.
ويشار إلى أن أول انتخابات بعد التعديلات الدستورية نظمت في 25 نوفمبر 2011، وأدت إلى صعود حكومة ائتلافية بقيادة حزب العدالة والتنمية الذي حصد 107 مقاعد من أصل 395.
الاستعدادات على صعيد العدالة والتنمية
حسمت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ترشيح كل الوزراء الذين ينتمون للحزب لخوض منافسات الانتخابات البرلمانية في 7 أكتوبر المقبل، باستثناء وزير العدل والحريات مصطفى الرميد.
وعلل الحزب سبب عدم الحسم في ترشيح مصطفى الرميد وزير العدل والحريات بترؤسه اللجنة الوطنية للإشراف على الانتخابات بمعية وزير الداخلية محمد حصاد، فيما لم يعلن بعد الحزب عن ترشيح الوزيرتين، بسيمة الحقاوي، وزير التضامن والأسرة والمرأة، وجميلة المصلي، الوزيرة المنتدبة في التعليم العالي، من عدمه.
وفي بيان للأمانة العامة، في وقت متأخر من مساء أمس الجمعة، قرر الحزب ترشيح عبد الإله بنكيران رئيس الوزراء، للمرة الخامسة وكيلًا (رئيسًا) لقائمة الحزب في دائرة “سلا تابريكت” بمدينة سلا قرب الرباط.
كما تقرر ترشيح، سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني للحزب، ووزير خارجية المغرب السابق، بمدينة المحمدية (قرب الدار البيضاء، كبرى مدن المغرب).
وأعلن البيان الذي حصلت وكالة الأناضول على نسخة منه، عن أسماء وكلاء قوائم الحزب في 74 دائرة محلية من أصل 92 دائرة بالبلاد، فيما أرجأ البت في القائمتين الوطنيتين للشباب والنساء، و18 دائرة محلية إلى موعد لاحق.
وتبلغ عدد الدوائر الانتخابية المحلية في المغرب 92 دائرة يتم الانتخاب فيها بالاقتراع اللائحي، وتتراوح عدد مقاعد القوائم المحلية بين 2 و5 مقاعد، تنتخب محليًا، إضافة إلى قائمتين وطنيتين، واحدة للنساء وتضم 60 امرأة، وأخرى للشباب الأقل من 40 سنة من الذكور والإناث، تضم 30 مقعدًا.
ووفق البيان، يقود عبد القادر عمارة وزير الطاقة والمعادن قائمة الحزب بدائرة “سلا المدينة”، وعبد العزيز عماري، وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، وعمدة مدينة الدار البيضاء (كبرى مدن المغرب) سيقود قائمة الحزب بالحي المحمدي بهذه المدينة، فيما يقود مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، قائمة إقليم (محافظة) سيدي بنور (وسط).
فيما يقود إدريس الأزمي الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، قائمة حزبه بدائرة فاس، بينما يقود الحسن الدوادي وزير التعليم العالي، قائمة الحزب بإقليم (محافظة) بني ملال (وسط).
وسيترشح عزيز رباح وزير التجهيز، على رأس قائمة الحزب في مدينة القنيطرة (قرب الرباط)، ونجيب بوليف الوزير المنتدب المكلف بالنقل، وكيلاً للقائمة بمدينة طنجة (أقصى الشمال).
ويقود عبد الله بوانو، رئيس فريق الحزب بمجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان المغربي) قائمة الحزب في مدينة مكناس (وسط).
كما رشح حزب العدالة والتنمية الناشط السلفي غير المنتمي سابقًا للحزب حماد القباج على رأس قائمة العدالة والتنمية في دائرة “جليز” بمراكش (جنوب).
كان حزب العدالة والتنمية قد صادق في المؤتمر الاستثنائي الذي عقد في العاصمة الرباط، على قرار تأجيل تنظيم المؤتمر الوطني العادي الذي كان مقررًا في يوليو الماضي، حتى عام 2017، وبالتالي تمديد ولاية الأمين العام الحالي للحزب عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة.
وبقرار تأجيل المؤتمر الوطني لحزب “العدالة والتنمية”، وتمديد عمر ولاية بنكيران على رأس الحزب الحاكم، يتم أيضًا، وفق القانون الداخلي، تمديد ولاية الهيئات المنبثقة عن المؤتمر الوطني السابق، وهي الأمانة العامة، والمجلس الوطني، والفروع الجهوية والإقليمية والمحلية.
ويشار إلى أن دواعي تأجيل المؤتمر الوطني العادي، تعود أساسًا إلى مصادفة موعد تنظيم المؤتمر الوطني العادي الذي كان مقررًا في يوليو الماضي مع اقتراب الانتخابات التشريعية المقررة في السابع من أكتوبر المقبل.
هذه الخطوة لم تأت من قبل العدالة والتنمية فقط، ولكن اتفقت أحزاب سياسية مغربية على تأجيل عقد مؤتمراتها إلى ما بعد الانتخابات التشريعية المقبلة، إذ أرجأت مؤتمراتها الوطنية إلى مواعيد بعد الانتخابات، فيما تعتزم أحزاب أخرى السير على الخط ذاته.
وبتأجيل المؤتمرات الوطنية لعدد من الأحزاب المغربية، سواء التي تنتمي إلى الأغلبية الحكومية أو إلى صفوف المعارضة، تكون هذه الأحزاب قد حافظت على زعمائها وقادتها إلى حين خوضها غمار الانتخابات المقبلة التي ستسفر عن تشكيل حكومة مغربية جديدة.
خريطة تحالفات الأحزاب
تتكشف خيوط التحالفات الحزبية في المغرب شيئًا فشيء قبل موعد الانتخابات التشريعية المرتقبة، من خلال اصطفافات وتقارب أحزاب، وإعلان أحزاب أخرى عن لقاءات مشتركة للتنسيق استعدادًا لهذا الاستحقاق الانتخابي.
حيث أعلن حزبا “الاتحاد الاشتراكي” و”الأصالة والمعاصرة” التنسيق السياسي بينهما تحضيرًا للانتخابات التشريعية المقبلة، وذلك من خلال اللقاء بين قيادتهما. ويبدو أن “الاتحاد الاشتراكي” أخذ موقعه بشكل واضح إلى جانب “الأصالة والمعاصرة” للتحالف في الانتخابات وما بعدها.
في جهة مقابلة، يسير حزبا “العدالة والتنمية” و”التقدم والاشتراكية”، نحو التحالف استعدادًا للانتخابات التشريعية المقبلة، على الرغم من الفوارق الإيديولوجية بينهما، فالأول يقدم نفسه على أنه حزب بمرجعية إسلامية، والثاني يتمسك بمرجعية اشتراكية.
وعلى هذا تتضح ملامح الحكومة المقبلة بعد بوادر هذه التحالفات، فإذا نجح حزب “العدالة والتنمية” بتصدر الانتخابات المقبلة مرة أخرى، فإنه سيعيد تشكيل فريقه الحكومي الائتلافي، ممثلاً في “التقدم والاشتراكية”، و”الحركة الشعبية”، ثم حزب “الاستقلال” الذي بات التقارب معه أكثر من أي وقت مضى، ليعوض خسارة حزب “الأحرار” الذي ظهرت توترات وتبادل اتهامات بينه وبين رئيس الحكومة في الفترة الأخيرة.
وفي السيناريو الثاني، إذا حاز حزب “الأصالة والمعاصرة” على المرتبة الأولى في الانتخابات، فإن المجال سيُفسح أمام “الاتحاد الاشتراكي” الذي أعلن تنسيقًا وتحالفًا معه، وأيضًا أمام حزب “الأحرار” الذي قد لا يشارك في الحكومة المقبلة برئاسة “العدالة والتنمية”، بدليل تصريحات بنكيران الأخيرة التي قال فيها إن الحكومة ستحاول الاستمرار خلال الأشهر المتبقية بجانب “الأحرار”، وبعدها لكل حادث حديث.
حساسية هذه الانتخابات
هذه الانتخابات هي الثانية في ظل الدستور الجديد لعام 2011، ولأنها استحقاق بالغ الأهمية، من حيث السعي إلى تعميق الإصلاحات داخل البلاد، وضمان الاستقرار في منطقة تعج بالاضطراب، فإنها حبلى بالرهانات والتطلعات، سواء من قبل الدولة بوصفها محور السياسة، أو من لدن مختلف الفاعلين السياسيين الذي يرون أن هذه الانتخابات سترسم ملامح المغرب في السنوات القادمة.
كما تأتي هذه الانتخابات بعد الانتخابات البلدية والجهوية التي تم تنظيمها في سبتمبر من العام الماضي، وحددت على المستوى العملي معالم انتخابات أكتوبر القادم، بتحديد خطوط التنافس، ونوعية القوى المتنافسة.
حيث فاز بالمرتبة الأولى من حيث المقاعد حزب الأصالة والمعاصرة، متبوعًا بحزب الاستقلال، يليه في المرتبة الثالثة حزب العدالة والتنمية، ويتوقع أن تتمحور المنافسة في الانتخابات البرلمانية حول حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، وستنحصر بالمقابل أدوار التنظيمات السياسية الأخرى في التحالفات التي سيحتاج إليها الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات.
وعليه ستكون الملكية المغربية أمام امتحان يجب عليها أن تثبت فيه انسجامها مع الدستور وأحكامه، ومسار الإصلاح في ظل الاستقرار، والتي بدأها حزب العدالة والتنمية منذ تنصيبه دستوريًا على رأس الحكومة في يناير 2012.