ظهر رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في حفل ختام الألعاب الأولمبية في مدينة ريو دي جانيرو في البرازيل ممسكًا كرة في وسط الملعب ويعلن عن استضافة اليابان للألعاب الأولمبية في الدورة الصيفية المقبلة. هذا على مستوى الرياضة أما على مستوى الاقتصاد، فقد ظهر في إفريقيا أمس السبت وسط القادة الأفارقة خلال مؤمر طوكيو الدولي السادس للتنمية الأفريقية المعروف بـ “تيكاد” المنعقد في العاصمة الكينية نيروبي لمدة يومين، وفي مستهل المؤتمر تعهد شينزو باستثمار ما يقرب من 30 مليار دولار في القارة حتى العام 2018 وذكر أن ثلث هذا المبلغ سيخصص للبنية التحتية في الدول الافريقية.
النسخة الأولى لمؤتمر تيكاد كانت في العام 1993 وهذه النسخة تعد الأولى من نوعها من حيث أنها تقام على الأراضي الإفريقية.
وقال شينزو أن هذه الاستثمارات “تعبر عن الإيمان بمستقبل إفريقيا”. جملة درجت على ألسن قادة دول كثيرة ولكن بأساليب مختلفة، تأتي لإفريقيا للاستثمار بذريعة أنها تؤمن بمستقبل القارة وللتعاون معها في تحقيق التنمية الشاملة.
شينزو آبي في ختام حفل الأولمبياد في ريو دي جانيرو
في مرحلة ما من التاريخ كانت إفريقيا محط أنظار الجميع للاستعمارها ونهب ثرواتها واستعباد شعوبها، أما اليوم وبعدما عفى الزمان عن مصطلح الاستعمار، مهد مفهوم العولمة لدخول البلد الأجنبي للدولة والسيطرة على مقدراتها وثرواتها، فدولًا كثيرة باتت تؤمن بمستقبل إفريقيا!، ولديها مؤتمر مع القادة الأفارقة للتنمية الإفريقية، كما كل الدول أيضًا في نهاية المؤتمرات المنعقدة، تتعهد بضخ مئات مليارات الدولارات في القارة وبالأخص في استثمارات البنية التحتية.
فغير بعيد عن اليابان فقد سبقتها الصين، بتعهدها في دعم إفريقيا بـ 60 مليار دولار نهاية العام الماضي خلال منتدى التعاون الصيني الإفريقي الذي انعقد في جوهانسبرغ في جنوب إفريقيا. خرج بخطة تنمية شاملة تشمل عشر نقاط من المقرر أن تشرف الصين على تنفيذها تباعًا. فبحسب أرقام صندوق النقد الدولي ناهز التبادل التجاري بين الصين وإفريقيا 222 مليار دولار في العام 2014 ومن المتوقع أن يرتفع إلى 400 مليار دولار في العام 2020.
والغريب أنه مع كل تلك الأموال المقدمة لافريقيا لا تزال القارة تعاني من أزمات اقتصادية بكل ما تعنيه الكلمة، بدءًا من الفقر والفساد والبطالة والأمراض وليس انتهاءًا بعدم الاستقرار وضعف الهياكل الاقتصادية لدول القارة.
وبالعودة إلى اليابان فطوكيو تسعى بحسب ما أعلتنه الحكومة اليابانية لإطلاق خطة لتنمية القطاع الخاص في إفريقيا من خلال ضخ 3 مليارات دولار لخدمة هذا الهدف، كما أكدت الحكومة اليابانية توفير اعتماد إضافي بقيمة 300 مليون دولار لدعم البلدان الإفريقية في الحد من انبعاثات حرق الفحم النظيف.
وحسبما جاء في البيان الصادر عن البنك الإفريقي للتنمية فإن الخطة تهدف إلى تطوير القطاع الخاص في القارة خلال الأعوام الثلاثة المقبلة وإنعاش النمو الاقتصادي ومحاربة الفقر. حيث تميزت هذه الدورة بحضور 150 شركة من القطاع الخاص الياباني في مختلف المجالات لتشجيعهم على الدخول بقوة في السوق الإفريقية.
استغلال القارة أم تنميتها
لم تذهب اليابان إلى إفريقيا حبًا بالقارة وولاءًا لقاداتها هناك، كما لم تذهب أيضًا لأن لديها أموالًا فائضة لا تعرف أين تستثمرها في اليابان، فلم تجد إلا إفريقيا لضخها هناك. فقرار التوجه لإفريقيا سواءًا من قبل اليابان أو الصين أوغيرها، لا يكون اعتباطًا نابعًا من فراغ، ولا يكون مجانيًا أيضًا، فمن يعطي لا بد أن يأخذ مقابل عطاءه.
وفي ظل بلدان فقيرة إفريقية قد لا تملك الحق أو القوة في فرض أساسات لحجم المقابل الذي ستأخذه تلك الدول، فإن استقبال الاستثمارات الأجنبية بهذه الطريقة يعد نوعًا من المخاطرة وتهديدًا لمقدرات البلاد.
وليس العيب أن تستقبل تلك الدول استثمارات أجنبية في محاولة النهوض في اقتصادياتها، ولكن بشرط أن تكون تحت نظر البرلمانات الوطنية، وتأتي وفق خطة وطنية مدروسة من الألف للياء، لوا تصغي للدولة الأجنبية التي تضع مصالحها الوطنية في المقدمة.
ولعله من الممكن إرساء أهداف التوجه لإفريقيا بالعموم، دون تخصيص دولة ما، من منطلق هدفين، الأول يتعلق بالأسواق الناشئة وأخذ حصة في الاستثمار فيها، والثاني يتعلق بحجم الموارد الطبيعية الموجود في القارة ومحاولة الظفر بجزء من تلك الثروات.
أما الأول، فلا يخفى على أحد أن العالم يعاني من ضعف في معدلات النمو ويعاني من تهديد الانكماش وقلة الطلب على المنتجات المحلية المصنعة، ومن بين دول العالم اليابان التي تعاني من انكماش في اقتصادها منذ فترة طويلة بذلت في حل هذه المشكلة الكثير ولكن دون فائدة.
أكثر من 70% من القضايا التي تناقش في الأمم المتحدة تتعلق بالقارة الإفريقية
والأسواق الناشئة بما تحويه من استثمارات جاذبة تمكن الدولة صاحبة الاستثمار في رفع معدلات التشغيل في البلد الأصل من خلال تصريف منتجاتها وفتح أسواق جديدة لها وفتح قنوات استثمار جديدة في مجالات مختلفة بما يساهم في رفع معدلات النمو في البلد المستثمِر.
والتوجه لإفريقيا من اليابان يسهم بشكل أساسي في التخلص من المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الياباني في الوقت الحالي ورفع معدلات النمو فيه بالدرجة الأولى، وبدرجة أعلى، لمنافسة الصين في إفريقيا التي تغلغلت في أسواقها في الفترة الماضية بشكل كبير.
أما الهدف الآخر، فهو يندرج تحت أخذ المقابل، فالدولة الأجنبية التي تمنح الأموال وتدفع بالاستثمارات في الأسواق الخارجية، تهدف بشكل رئيسي _من وعي كامل لأهمية المنطقة الإفريقية استراتيجيًا واقتصاديًا_ على محاولة وضع يدها على جزء من الثروات الطبيعية التي تحتويه القارة، لتكون بهذا شغلت اقتصادها ومواطنيها وفي نفس الوقت أخذت ما هو أهم من المال وهو الثروة الحقيقية.