بينما أجلس مع جدي صاحب السنوات الثمانين نتابع القنوات المصرية، التي تعرض لقائمة لا تنتهي من الاختراعات المصرية الخالصة لأطفال المدارس وشباب الجامعات، بادرني بسؤال مهم أجاب عنه قبل أن أفكر أنا في إجابته.
السؤال كان هل وراء تلك الاختراعات والابتكارات التي تملأ صفحات الجرائد والمواقع الإخبارية والتليفزيون، منهج علمي، أم أنها مجرد أوهام يتم الترويج لها، مثلما كنا نقرأ ونسمع في الخمسينات والستينات؟
عصر الإنجازات
الحقيقة أن الترويج لاختراعات مثل تلك التي تحطم النسبية، والمروحة بدون كهرباء، والطالب الذي بمقدوره أن يدمر جبل في دقيقة واحدة، والأخرى التي اكتشفت علاج للسرطان باستخدام قشر المانجو، ومخترعة جهاز التحكم بالصواريخ ومركبات الفضاء، وصاحب فكرة السيارة الأسطورة بميدان التحرير، كلها بدون منهج علمي سليم، لكنها تعد مجرد إلهاء ووهم للجماهير بأنها تعيش عصر إنجازات يمكن أن يحدث نقلة نوعية للبلاد، وهي مجرد محاولات للفت الأنظار بعيدًا عن الإخفاقات في تقديم مشاريع تنموية، تنعكس آثارها بشكل سريع ومباشر على حياة الناس.
أكاذيب متشابهة
إجابة جدي الملحقة بالنصف الثاني من سؤاله، تبعتها جمل تشرح معناها، حينما قال: ” لماذا دائمًا الأكاذيب متشابهة، فبينما كنا نسمع ونقرأ خلال الخمسينات والستينات عن أمجاد علمية وعبقرية لا يسمع عنها غيرنا، الآن نشاهد ادعاءات متشابهة للمبتكرين، من منحهم لقب أصغر عالم، أو المخترع الصغير، أو آينشتاين وزويل العرب، من طبق اختراعاتهم أو اكتشافتهم تلك وأخضعها للمنهج العلمي؟ وما هي المسابقات المحلية والدولية التي شاركوا فيها ولا نعلم شيئًا عنها، أتذكر طالب الأزهر صاحب تكريم ماليزيا؟!
بحث موضوعي
لكي لا نحيد عن الإنصاف علينا تتبع عدد من هذه الاختراعات والبحث عما إذا كان أي منها قد سلك الطرق العلمية في الإعلان عن نفسه أم لا، بداية من اتباع المنهج العلمي بدءًا من ملاحظة المشكلة محل البحث، ثم جمع المعلومات عنها لاكتساب المعرفة حول آخر ما توصل إليه العلم حول هذا الموضوع، والتفكير في فرضية علمية قابلة للاختبار كحل للمشكلة، ثم مرحلة التجارب من أجل اختبار صحة الفرضية، ليتم التوصل إلى النتيجة النهائية التي تتمثل في صحة الفرضية من عدمها.
وبعد كل ذلك لا بد من ورقة بحثية شافية حول الفرضية تلك ونتائجها، ثم إرسالها الى دورية علمية متخصصة ومحكِّمة من أجل تقييمها، ومن ثم نشرها في حالة الموافقة عليها، لكي تصبح متاحة لكافة العلماء والمتخصصين من أجل إبداء آرائهم والتعليق عليها، وإتاحة الفرصة لمزيد من الأبحاث من أجل دعم أو نقد البحث الذي تم نشره.
بتطبيق هذا السيناريو على الاختراعات الأخيرة في مصر، وفي البداية على حالة الطالب بالمرحلة الإعدادية مكتشف علاج السرطان نجد أنه تجاهل خطوات كثيرة أهمها تحديد المشكلة التي تتمثل في أي نوع من السرطان سيبحث عن علاج له من بين أكثر من 200 نوع مختلف للسرطان، ثم اكتساب المعرفة العلمية عن السرطان وكل ما يتعلق به، وآلية الإصابة بالمرض، وكيفية تطوره، والعلاج الحالي له، وأحدث الأبحاث العلمية التي توصل إليها العلماء، ثم الفرضية التي ستقدم العلاج المقترح تطويره، ومرحلة التجارب، والنتيجة نهائية إذا ما كانت الفرضية – العلاج – صحيحة أم خاطئة، ونشر تلك النتيجة بدوريات علمية.
حينما بحثنا عن إمكانية تطبيق التفكير العلمي على حالة مكتشف السرطان المصري وربما باقي الاختراعات، وجدنا نقطة هامة جدًا وهي أن الاختراعات والاكتشافات المصرية، المعلن عنها مؤخرًا لا تتبع هذا النسق، بل تأتي بطريقة عكسية، حيث يقوم الطلاب بتحديد النتيجة التي يريد الإعلان عنها أولًا – كاستخدام الطماطم لعلاج فيروس سي -، ثم جمع بعض المعلومات السطحية التي ستقنع الجماهير بصحة هذا الادعاء، ثم الخروج على وسائل الإعلام لنشر الخبر، فالتكريم من هيئة حكومية أو مسؤول ما!
لنسرد إذًا بعض القصص وليست الاكتشافات أو الاختراعات وكيف يتم الإعلان عنها والترويج لها.
معجزة قشر المانجو
القصة الأولى كانت عندما توفي جد الطالبة ندى زين العابدين بمرض السرطان، فأجرت لاحقًا تجارب لتتوصل إلى ما قالت إنها “نتائج مؤكدة لعلاج المرض عبر قشر المانجو” مشيرة إلى أن العقار يحتوي على مضادات الأكسدة المتوافرة في تلك القشور، ويعمل على الخلايا السرطانية، وتمت تجربته على خلايا الفئران والخلايا البشرية، وأثبتت نجاحا بنسبة 90%.
وقالت إن فكرة استخلاص العقار جاءت لها عندما توفي جدها بهذا المرض، وقرأت بحثًا علميًا “بالصدفة” عن فوائد المانجو، التي لم يقرر أحد الباحثين التعامل معها في هذا المجال، فقررت عمل بحثها على قشر المانجو؛ نظرًا لرخص سعر العقار الذي لا يتعدى ثمنه الـ20 جنيهًا، والتوسع في القراءة في هذا المجال حتى قررت اتخاذ خطوات عملية في بحثها.
التحكم بمركبات الفضاء
القصة الثانية للطالبة بكلية الآداب في الفيوم ولاء حسام التي اخترعت جهاز دفع وتحكم ذاتي في الصواريخ ومركبات الفضاء! نعم هي كما قرأت طالبة بكلية الآداب النظرية، واخترعت جهازًا للتحكم بالصواريخ ومركبات الفضاء، لماذا الاستغراب وقد كرمها محافظ الفيوم، دون أن يطلع على الاختراع الذي “يلغي غرف الوقود والاحتراق في الصواريخ”، كما أنها اخترعت أيضًا في نفس الوقت جهازًا يمثل “سدًا عاليًا جديدًا لإنتاج الكهرباء”.
الوحش المصري
القصة الثالثة “العربة الأسطورة” أو “الوحش المصري”، ففي أواخر العام 2015 فتح ميدان التحرير أمام “العربة الأسطورة التي تسير وتغوص وتطير”، لكنها لم تستطع التحرك فاضطر الجمهور لدفعها.
وقال المخترع وقتها إن مركبته يمكنها أن تطير لكنه فضل البقاء على الأرض مع المحتفين به في الميدان لتلقي تحيتهم وعدم تركهم، كما نصحته قوات الأمن المتواجدة بالميدان وقتها.
البروفسور الصغير
القصة الرابعة لوليد عبادي، المخترع الصغير البالغ من العمر 14 عامًا والذي قال في لقائه مع الكاتب الصحفي مصطفى بكري في أحد اللقاءات التليفزيونية أنه مهتم بالبحث حول الطبيعة منذ عمر الثلاث سنوات، لافتًا إلى أن والده الدكتور محمد عبادى هو الذى جعله يحصل على اللقب، “بعد حصولى على المركز الأول على مستوى العالم فى مسابقة “أصغر بروفسير تحت سن 15 سنة”، والتى أجريت فى أوائل شهر أغسطس من العام الماضى 2015 بدولة إيطاليا فى تخصص Nanotechnology”، لافتًا إلى أنه تقدم بابتكاره “منظومة مضادات مغناطيسية لاستهداف الطائرات الحربية وسقوطها” للمسابقة.
وأشار المخترع الصغير خلال اللقاء إلى أنه يملك أكثر من 12 بحثًا علميًا في مجالات مختلفة من بينها النانوتكنولوجي، والطاقة المتجددة، وتحلية وتنقية المياه، بالإضافة إلى بحث عن علاج فيروس سي باستخدام النانو روبوت، وعلاج للسرطان باستخدام الموجات فوق الصوتية، ومنظومة مضادات كهرو مغناطيسية للطائرات الحربية، وأيضًا المصنع الذكي الذي يعمل بوسائل الطاقة المتجددة.
الغريب أن اسم المخترع الصغير لم يظهر في أي دورية علمية متخصصة، ما يعني أنه لم يقدم أي أبحاث، ثم إن مسابقة أصغر بروفيسور في العالم، غير موجودة، ولا توجد مسابقة تحمل هذا الاسم، والمسابقة الوحيدة في إيطاليا لهذا السن هي مسابقة المفوضية الأوروبية للعلماء الصغار، والتي نُظمت في سبتمبر 2015 بإيطاليا، ولم يشارك بها سوى ثلاث مشاريع من مصر فقط، وليد ليس منها!
وفي النهاية إذا سلمنا عقولنا لوليد وورائه مصطفى بكري، وافترضنا فعلاً أنه أجرى كل هذه الاختراعات الإثنا عشر، ومع الافتراض بأن البحث الواحد يستغرق في المتوسط سنة واحدة فقط – وهو رقم أقل بكثير من الطبيعي – فإن تلك الأبحاث ستستغرق أكثر من 13 عامًا، وعمره 14 عامًا أي أنه بدأ الاختراع أثناء الرضاعة.
رقم قياسي
القصة الخامسة هي الأغرب من بين ما سبق وهي أيضًا لطفل بسن الرابعة عشرة من عمره التي يبدو أنها سن الاكتشاف في مصر، والمخترع هذه المرة هو الطفل المصري “عبد الرؤوف حلمي” الذي سجل رقمًا قياسيًا في عدد الاختراعات، التي وصلت إلى أكثر من 38 اختراعًا متنوعًا، وهو لم يتجاوز عمره 14 عامًا، حيث اخترع جهازًا لتحلية مياه البحر، وآخر لامتصاص الاحتباس الحرارى، وثالث لاكتشاف تسرب المياه تحت الأرض، كما ابتكر جهازًا للكشف المبكر عن الزلازل والتوابع، واخترع كرسي يوفر الحماية والطاقة البشرية للمعاقين، ومدينة ملاهٍ خيالية بها ألعاب لا يتصورها أحد، هذه الألعاب تقيس سلامة الأجهزة داخل الجسم، ولا تزال ابتكاراته تتوالى.
أرقام مرعبة
القصص الكثيرة والمآسي أكثر ويكفي أن نعرف أن إجمالي ما تناولته وسائل الإعلام المصرية عن اختراعات الأطفال والشباب خلال 2015 فقط بلغ 247 حالة لأكثر من 2000 اختراع ، كان آخرها ما أعلنه الطالبين عمر يوسف وعبد الله حسن عبد الفتاح بالصف الأول الثانوي، من ابتكار جهاز يمكن من خلاله تحويل الغازات المتسببة في الاحتباس الحراري، ومنه غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان إلى بنزين صناعي، ووقود لتشغيل السيارات والآلات بالمصانع وتوليد الطاقة، كما اخترعت طفلتين بالابتدائي جهازًا لتوليد الكهرباء من البطاطس!
نماذج مشرقة
في النهاية لا يمكننا إغفال أن هناك العديد من النماذج المصرية الشابة التي لديها بالفعل إنجازات علمية، لكن الغريب في الأمر أن وسائل الإعلام المصرية لم تهتم بها بالقدر الكافي، ومن بين تلك النماذج الطالب “مصطفى عثمان” الذي حصل على منحة من مؤسسة الألفي لدراسة الدكتوراة في النانوتكنولوجي من “كولدج لندن” ببريطانيا، وهو يبلغ من العمر 22 عامًا فقط.
وموهبة أخرى تستحق الإشادة للطالب بالإعدادي عمر عثمان السيد أصغر عالم رياضيات الحاصل على 2 بكالورويوس في الرياضيات من كلية العلوم جامعة القاهرة والجامعة الأمريكية بسن الخامسة عشر ويحضر الماجستير الآن.