تجري الاستعدادات على قدم وساق، من طرف الأحزاب السياسية المغربية، لإنجاح المحطة الانتخابية الثانية من نوعها بعد تغيير الدستور، ولحد الساعة تغيب البرامج السياسية الواضحة، والشعار الوحيد البارز، القديم الجديد، هو “الدعوة إلى المشاركة” في الواجب الوطني، لأجل تغيير البلد والواقع، ووسط هذا، تعلوا في الجانب المقابل أصوات المطالبين بمقاطعتها، بذريعة كونها مجرد لعبة مخزنية، لإطالة زمن الاستبداد.
سأحاول في هذا المقال النظر لكلا الطرفين، وأيهما الواقعي، وهل الانتخابات وسيلة لتحقق شرط التداول على السلطة؟ أم هي فارغة المحتوى؟ وهل إقامتها بشكل دوري تكفي وحدها لوصف بلد ما بالديمقراطي؟ بعد الإجابة عن هذه الأسئلة سيكشف النقاب عن الحقيقة التي يعرفها المغاربة جيدًا، وتوضح الصورة أكثر لغير المغاربة الذين يرون هذا البلد استثناءً.
أجبر حراك “20 فبراير” المخزن على إجراء تغييرات دستورية، ثبت حينها، وبعدها، بأنها “شكلية”، والقصد منها كبح جماح غضب الشعب، كما أن الوقائع التي تلت ذلك كشفت زيف الشعارات التي رفعت، سواء تلك التي أطلقها المخزن، أو التي أطلقتها الأحزاب في تفاؤل مبالغ فيه.
الدستور المغربي الجديد كرس تمركز السلطات عند جهة واحدة، وأعطى للملك صلاحيات لا حدود لها، ما يجعل الانتخابات مجرد لعبة، ووسيلة لتلميع صورة المخزن، وإظهار أن المغرب يسير نحو الديمقراطية.
يخول الدستور للملك “تعيين” رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر الانتخابات، ويبقى له “حسم أعضائها” بعد أن يقترحهم رئيس الحكومة، حسب الفصل 47: “يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها”.
كما أن الملك، يحسم عزل أي عضو من الحكومة، وذلك حسب نفس الفصل 47: “للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامه”، كما أنه ووفق ما يقره له الدستور، بمقدوره أن يحل مجلسي البرلمان أو أحدهما “بظهير شريف”.
مع الأسف الشديد هذا واقع المغرب، حيث تتحكم جهة واحدة، إضافة إلى مؤسساتها المعينة في كل شيء، فيخضع رئيس البلدية المنتخب “للباشا” المعين، ويخضع “رئيس المجلس الإقليمي” المنتخب، “لعامل الإقليم” المعين، ويخضع “رئيس الجهة” المنتخب “لوالي الجهة” المعين.
ويُضاف إلى هذا كله، ما أقدمت عليه وزارة الداخلية، حيث منعت استطلاع الرأي، والهدف غير المعلن من وراء ذلك هو جعل الفائز بيدها دون أي توقعات.
رغم ذلك، فإن الأحزاب السياسية، المؤمنة بالانتخابات، سواء المشاركة في الحكومة الحالية، أو المعارضة، راضية كل الرضى بهذه الوضعية، ومنها من يؤكد صراحة أن كل السلطات متركزة في محيط واحد، مع قولهم بأن نهج إصلاح هذا الواقع هو النضال من داخل المؤسسات، كما أن رئيس الحكومة بذاته أكد عدة مرات، وفي أكثر من منبر، بأن الملك هو من يحكم.
هذا كافٍ للدلالة على واقع المغرب، رغم الصورة المضيئة التي يحاول رسمها المخزن خارجيًا، وأحيل القارئ إلى تأمل كلمات الأستاذ عبد الرحمان الكواكبي وهو يصف أعلى مراتب الاستبداد، فقد تعطي قيمة مضافة لما سبق ذكره، وتؤكد على أن العملية الانتخابات، فارغة المحتوى، وهدفها الوحيد هو إطالة أمد الاستبداد، “وأعلى مراتب الاستبداد التي يتعوذ بها من الشيطان، حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، وقائد للجيش، الحائز على السلطة الدينية”، كل هذا يقره الدستور المغربي، في الفصول: 41 “السلطة الدينية”، 43 “الوارث للعرش”، و47، 48، 56، 57 “الفرد المطلق” و53 و 54 “القائد للجيش”.
لا بد أيضًا من الإشارة لمسألة جد مهمة عن الصورة الخارجية للمغرب، الانتخابات وحدها لم تكن يومًا دليلاً على ديمقراطية أي دولة، فقد رأينا سابقًا، وفي عدة دول، خصوصًا “العربية”، انتخابات تجري في وقتها، ويحسمها شخص واحد في كل مرة وبنتائج ساحقة تفوق 80%، لأن ما يسمى بالدولة العميقة في بعض الدول، أو المؤسسة العسكرية التي تمسك بزمام السلطات في البعض الآخر، كانت تخيط الانتخابات على المقياس الذي تريده، هذا بالضبط ما يقع بالمغرب، هناك جهة واحدة، معروفة لدى الشعب والنخب، تتحكم بكل شيء، تشريعًا وتنفيذًا، تعيينًا وعزلاً.
الخلاصة الواضحة، هي أن أقصى ما يمكن أن يأتي به الشعب المغربي من خلال صناديق الاقتراع، هم منتخبون تحت سلطة المعينين، مما يجعل الانتخابات تؤدي وظيفة عكسية، وتصبح مجرد زينة، تطيل من زمن الاستبداد، وتضع مكياجًا على وجه المخزن، يظهره بغير حقيقته، لهذا فالحدث، استحق أن يكون “كذبة” بامتياز.