في 25 أغسطس 2016 أعلن جون كيري وزير الخارجية الأمريكي في مؤتمر صحفي مع نظيره السعودي عادل الجبير في الرياض، مبادرة سياسية قال إنها لحل الأزمة اليمنية، وإن هناك توافق رباعي بشأنها (أمريكي وبريطاني وإماراتي وسعودي)، لكن حتى الآن ليس هناك خطوات على أرض الواقع لتفعيل هذه المبادرة بالرغم من الترحيب الضعيف من قِبل أطراف النزاع في اليمن، وهو ما يعني أن هناك فتور وعدم رضا من أحد الأقطاب الذي يديرون الصراع في اليمن.
اللافت أن واشنطن، راقبت الأزمة في اليمن لفترة طويلة ومن خلف الكواليس، حتى أيقن الكثير من المراقبين أن أولويات سياسة الإدارة الأمريكية لم تتضمن الأزمة في اليمن، تاركة حرية الحركة للرياض، ومع فشل المفاوضات التي تتم برعاية الأمم المتحدة، وتعثر الحسم العسكري الذي كانت تعتقد المملكة بأنه سريع، يقف المجتمع الدولي خصوصًا الرياض وواشنطن أمام خيارات صعبة تجاه مستقبل ومصير اليمن، ومواجهة الحقيقة التي تعكسها الأوضاع في هذا البلد الفقير.
وفي وقت سابق من أغسطس الجاري انهارت محادثات السلام اليمنية برعاية الأمم المتحدة لإنهاء القتال المستعر منذ 18 شهرًا في اليمن، واستأنف القتال بين الأطراف اليمنية من جهة، وقصف المناطق السعودية والتقدم نحوها من جهة أخرى من قبل الحوثيين وقوات صالح.
وقدم كيري خلال المؤتمر عرضًا قال إنها مبادرة ﻹنهاء الصراع في اليمن، وهي نهج جديد للمفاوضات مع مسارين سياسي وأمني يعملان بالتزامن من أجل توفير تسوية شاملة.
الاتفاق النهائي سيشمل في المرحلة الأولى تشكيلاً سريعًا لحكومة وحدة وطنية وسحب القوات من (العاصمة) صنعاء ومناطق أخرى ونقل جميع الأسلحة الثقيلة ومنها الصواريخ البالسيتية من الحوثيين والقوات المتحالفة معها إلى أطراف ثالثة (يتوقع أن يتم تشكيل لجنة عسكرية يمنية من العسكريين الذين لم ينخرطوا أو يتورطوا في القتال الدائر في اليمن)، وهو مغاير لطلب الحكومة الشرعية المقيمة في الرياض، والتي ترفض أي مسار سياسي قبل أن يتم الانتهاء من المسار العسكري المتمثل بتنفيذ القرار الأممي 2216 الذي يطالب الحوثيين بتسليم السلاح، والانسحاب من كافة المناطق التي يسيطر عليها، وعودة الرئيس عبده ربه منصور هادي إلى صنعاء لحكم البلاد.
المبادرة تجاهلت الحكومة الشرعية، وأسمتها طرف أزمة، وما يؤكد ذلك هو بند تسليم الأسلحة إلى طرف ثالث، وهو ما يبدو إهمالاً لمطالب الحكومة، وتسميتها بطرف أزمة يجب أن تشمله المبادرة.
حكومة هادي رحبت بالمبادرة واشترطت تنفيذ القرار الأممي 2216
لكن مبادرة جون كيري، الجديدة قوبلت بتذمر من قِبل الحكومة الشرعية التي اجتمعت في اليوم التالي من إعلان المبادرة، وأعلنت أنها ستتعامل معها بإيجابية ووضعت شرط مرجعيات القرار اﻷممي 2216، والمبادرة الخليجية، والحوار الوطني الشامل الذي عقد في صنعاء، وهذا ما يعني تلكؤ ووضع شروط مسبقة، وهو ما يبين أيضًا عدم رضى السعوديين على هذه المبادرة كونها لا تلبي رغباتهم وإعلان الاستسلام الكامل للحوثيين وصالح، فالحكومة الشرعية لا يمكن أن تعارض الإجماع السعودي، وهذا ما يعيد الذاكرة إلى المبادرة الأممية قبل الأخيرة التي تم طرحها في الكويت على المتحاورين اليمنيين ورفضها هادي وهدد بالانسحاب من المحادثات إذا تم فرضها واعتبرها مخالفة للقرار الأممي 2216 والمبادرة الخليجية.
ونفس الحال، أعلن المجلس السياسي اﻷعلى الذي يحكم صنعاء، عن أنه سيتعامل إيجابيًا مع المبادرة شريطة أن يتم رفع الحصار الجوي والبري والبحري على اليمن، ووقف الحرب التي تشنها السعودية على اليمن.
وفي المؤتمر الصحفي قال جون كيري: “إن هناك حاجة لاحترام وسيادة أمن السعودية، وأن يكون للحوثيين، وهم أقلية، دور في حكم اليمن”.
واعتبر أن “استعادة الاستقرار في اليمن مهم جدًا من أجل تخفيف المعاناة هناك، ومنع مجموعات مثل القاعدة وداعش من الاستفادة بشكل إضافي من الفراغ وانعدام الأمن والاستقرار”.
وهذا على ما يبدو طمأنة الجانب السعودي بعد رفض واشنطن طلب السعوديين قوات برية أمريكية لحماية حدودها المنهارة أمام الحوثيين، ورسالة أخرى برفض نقل البنك المركزي إلى عدن بحجة أن العاصمة المؤقتة تسيطر عليها مجموعات من داعش والقاعدة.
الحوثيون أقلية
ويلاحظ في المؤتمر الصحفي، نعت وزير الخارجية الأمريكي، الحوثيين، بأقلية، ولذلك دلالات واضحة إلى تعاطف أمريكي مع “الأقلية الحوثية”، وهذا يعني أنهم يخوضون معركة دفاع عن النفس بغض النظر عما يجري في الداخل اليمني.
وهذا المصطلح يشير إلى إمكانية تحويل الصراع إلى صراع أغلبية وأقليات بعد أن فشل “الصراع الطائفي في اليمن” وتدخل ضمن هذا الإطار الأقليات الدينية والطائفية والعرقية وهو مؤشر إلى أن التسوية السياسية القادمة ستتم على هذا النحو وكذلك سيتضمن أي دستور قادم حقوق الأقليات وهو ما تريده إيران والحوثيون.
نعت الحوثيين باعتبارهم أقلية في خطاب كيري، يجسد نمط التلاعب المتحيز بالألفاظ، والإفصاح عن وجود أقلية في صراعات معينة، لا تستدعيه سوى غاية الوصول إلى نتيجة معينة، ولنا في العراق ولبنان أمثلة في ذلك، كيف تحول الأقلية إلى حكام مستبدين وآخرين مسيطرين ويتحكمون بالمشهد السياسي.
مبادرة كيري وتسليم السلاح لطرف ثالث
الحديث عن تسليم السلاح في مبادرة كيري إلى طرف ثالث يعني تساوي طرفي الحرب في المسؤولية والمشروعية السياسية وعدم الاعتراف الأمريكي (النظام الدولي) بوجود شرعية حقيقية في البلاد يمكن أن تتسلم السلاح كدولة.
المبادرة في طبيعتها تحقق لمن في صنعاء ما طالبوا به في الكويت من الاتفاق على حكومة وحدة وطنية التي من خلالها تتسلم صلاحيات الرئاسة كاملة، وبذلك يكون قد تم حسم موضوع الرئاسة، وهي أيضًا تحقق لمن في الرياض إشراكهم كطرف رئيسي في حكومة الوحدة الوطنية وما يتبعها من حوار وحراك سياسي وعسكري وأمني.
ويبدو أن تجاهلهم من أي حوار أو لقاء، وتجاهل ذكرهم كشرعية في المؤتمر الصحفي والمبادرة الأمريكية، إنذار أخير لهم بأن القادم سيكون (سعودي يمني) وسيخرجون بخفي حنين.
لماذا المبادرة الأمريكية الآن؟
هناك ثلاثة محاور تفسر أسباب بروز المبادرة الأمريكية التي أعلنها وزير خارجيتها جون كيري في الخامس والعشرين من شهر أغسطس 2016 بالرياض.
الأول: يبدو أن المبادرة الأمريكية خرجت في الوقت الحالي إلى العلن، نتيجة تزايد الضغط الدولي على واشنطن ولندن لوقف تعاونها العسكري مع التحالف الذي تقوده الرياض بسبب ارتفاع عدد ضحايا الحرب من المدنيين، وتفاقم الأزمة الإنسانية وطول أمد الصراع والحصار الشامل المفروض على اليمن.
الثاني: إدراك الرياض وحلفائها وواشنطن ولندن تعذر التطبيق الحرفي للقرار الدولي 2216 الذي تم تمريره في ظروف ساد فيها الاعتقاد بإمكان القضاء على الحوثيين وحلفائهم خلال أسابيع أو أشهر قليلة.
الثالث: عدم قدرة التحالف العربي الذي أُعطيت له أكثر من فرصة، وتم تغطية الجرائم الإنسانية التي ارتكبها في اليمن، للحسم العسكري، أو التقدم في نهم شرق صنعاء أو تعز، لفرض واقع جديد في مسار المحادثات اليمنية، وفرض شروطهم على الطاولة مقابل تنازل الطرف الآخر.
هل تنجح المبادرة؟
هناك عقبات كثيرة تواجه نجاح المبادرة الأمريكية لإنهاء الصراع في اليمن، وهو ما بدا من خلال تصريحات أطراف الأزمة في اليمن.
العقبة اﻷولى: الواقع الجديد في صنعاء بعد تشكيل الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام وحلفائهم “مجلسًا سياسيًا أعلى” لإدارة شؤون البلاد ودعوتهم البرلمان للتصديق عليه وحشد المظاهرات الضخمة لإضفاء الشرعية الشعبية عليه – ينبغي أخذه بعين الاعتبار.
وحديث الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، أن البرلمان اليمني أسقط المبادرة الخليجية والقرار اﻷممي 2216، وأن لا وجود لشرعية الرئيس اليميني المعترف به دوليًا، ويطالبون بالحوار المباشر مع الرياض، ويعتبرون الحوار مع الحكومة اليمنية “مضيعة للوقت” ودون فائدة، لكون قرار الحسم ليس بيدهم وإنما بيد المملكة العربية السعودية، المجلس السياسي الأعلى الذي يحكم اليمن رحب بالمبادرة واشترط هو الآخر وقف إطلاق النار ورفع الحصار.
العقبة الثانية: وهو أنه إذا كان الحوثيون يرفضون تسليم سلاح الدولة الذي وضعوا أيديهم عليه، وذلك حتى لا يكون كما يقولون “بين يدي غريمهم” خلال عملية التسوية ويشترطون قبل ذلك الدخول في سلطة توافقية هي التي تشرف على تسليم السلاح وغيره من الترتيبات الأمنية فإن هذا يعني من وجهة نظر مقابلة أنهم يريدون “الاستقواء بهذا السلاح” لفرض شروطهم على شكل وطبيعة الحكومة التوافقية أو حكومة الوحدة الوطنية وهو ما قد ترفضه حكومة هادي وحلفاؤها.
العقبة الثالثة: ما تحدثت به الحكومة الشرعية، أنها مستعدة للتعامل اﻹيجابي مع مبادرة جون كيري، وفقًا للمرجعيات القرار اﻷممي 2216 والمبادرة الخليجية والحوار الوطني الشامل في اليمن، بمعنى أنها متمسكة بانسحاب الحوثيين أولًا، وتسليم أسلحتهم، ومن ثم إطلاق العملية السياسية، وهو نفس السبب الذي أفشل محادثات الكويت بين اﻷطراف اليمنية.
والعقبة اﻷكبر، يشترط طرف صنعاء للعودة إلى مباحثات السلام اليمنية وقفًا كاملاً ودائمًا لإطلاق النار ورفع للحصار الشامل المفروض على البلاد برًا وبحرًا وجوًا لأن ما دون ذلك يعني في نظر الحوثيين وحلفائهم “استسلامًا لا يمكن القبول به”.