شهدت الساحة المصرفية خلال الفترة الأخيرة توسعًا كبيرًا في التكنولوجيا البنكية من أبرز مظاهرها انتشار البنوك الإلكترونية التي تعد اتجاهًا حديثًا ومختلفًا عن البنوك التقليدية لما تحققه من مزايا عديدة.
مع تزايد عمليات التجارة الإلكترونية أصبح الاحتياج كبيرًا لنوعية جديدة من البنوك غير التقليدية تتجاوز نمط الأداء الاعتيادي ولا تتقيد بمكان معين أو وقت محدد، وكنتيجة للنمو المتسارع لتكنولوجيا الإعلام والاتصال جاءت البنوك الإلكترونية التي ساهمت وبشكل فعال في تقديم خدمات متنوعة، وبتكاليف منخفضة مختصرة الوقت والمكان.
ما هو البنك الإلكتروني؟
البنوك الإلكترونية بمعناها الواسع ليست مجرد فرع لبنك قائم يقدم خدمات مالية فحسب، بل موقعًا ماليًا تجاريًا، وإداريًا، واستشاريًا شاملاً، له وجود مستقل على الخط يتم التعاقد معه للقيام بخدمات، أو تسوية المعاملات، أو إتمام الصفقات على مواقع إلكترونية، وهو ما يمثل أهم تحدٍ في ميدان البنوك الإلكترونية، وتظهر المنافسة قوية بين البنوك التجارية والمؤسسات المالية، وبين المؤسسات الكبيرة والصغيرة، ووفقًا لذلك سيقوم العملاء بالمقارنة ين خدمة البنوك واختيار الأنسب منها.
هناك العديد من المصطلحات التي تطلق على البنوك المتطورة مثل البنوك الإلكترونية Electronic Banking أو بنوك الإنترنت Internet Banking أو البنوك الإلكترونية عن بعد Remote Electronic Banking أو البنك المنزلي Home Banking أو البنك على الخط Online Banking أو البنوك الخدمية الذاتية Self Service Banking أو بنوك الويب Web Banking، وعلى اختلاف المصطلحات فجميعها تشير إلى قيام العميل بإدارة حساباته أو إنجاز أعماله المتصلة بالبنك عبر شبكة الإنترنت سواء كان في المنزل أو المكتب وفي أي مكان ووقت يرغبه ويعبر عنها “بالخدمة المالية عن بعد”.
وبالتالي يمكن للعميل أن يتصل بالبنك مباشرة بالاشتراك العام عبر الإنترنت وإجرائه لمختلف التعاملات على أساس أن يزود البنك جهاز الكمبيوتر الشخصي (pc) للعميل بحزمة البرمجيات الشخصية PME Personal Financial Management لقاء رسوم أو مجانًا مثل حزمة Microsoft’s Money وحزمة Ntuits Quiken وحزمة Meca’s Managing your money.
فالمقصود إذن بالصيرفة الإلكترونية هو إجراء العمليات المصرفية بشكل إلكتروني والذي يُعد الإنترنت من أهم أشكالها، وبذلك فهي بنوك افتراضية تنشئ لها مواقع إلكترونية على الإنترنت لتقديم نفس خدمات موقع البنك من سحب ودفع وتحويل دون انتقال العميل إليها.
وتعود نشأة الصيرفة الإلكترونية إلى بداية الثمانينات تزامنًا مع ظهور النقد الإلكتروني، أما استخدام البطاقات كان مع بداية القرن الماضي في فرنسا على شكل بطاقات كرتونية تستخدم في الهاتف العمومي، وبطاقات معدنية تستعمل على مستوى البريد في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي عام 1958 أصدرت American Express أول بطاقة بلاستيكية لتنتشر على نطاق واسع، ثم قامت بعدها ثمانية بنوك بإصدار بطاقة “”Bank Americard عام 1968 لتتحول إلى شبكة Visa العالمية، كما تم إصدار في نفس العام البطاقة الزرقاء Carte Bleue”” من طرف ستة بنوك فرنسية.
وفي عام 1986 قامت اتصالات فرنسا France Telecom بتزويد الهواتف العمومية بأجهزة قارئة للبطاقات الذاكرة Cartes à mémoire لتصبح عام 1992 كل البطاقات المصرفية بطاقات برغوثية Cartes à puce تحمل بيانات شخصية لحاملها.
وخلال منتصف التسعينات ظهر أول بنك إلكتروني في الولايات المتحدة الأمريكية يميّز بين نوعين من البنوك كلاهما يستخدم تقنية الصيرفة الإلكترونية.
وهما البنوك الافتراضية “بنوك الإنترنت” التي تحقق أرباحًا تصل إلى ستة أضعاف البنك العادي، و البنوك الأرضية وهي البنوك التي تمارس الخدمات التقليدية وخدمات الصيرفة الإلكترونية.
الأول من نوعه
ومع التطور السريع في هذا المجال والتقدم الإليكتروني المتسارع، جاء تأسيس مصرف موندو البريطاني وحصوله على رخصة مزاولة العمل، ليعلن عن دخول مرحلة جديدة من الخدمات المصرفية، حيث أعلن المصرف أنه سيقدم خدماته الرقمية حصريًا عبر تطبيق على الهواتف الذكية.
وسيركز المصرف على الخدمات الرقمية انطلاقًا من الحساب الجاري إلى خدمات مبتكرة على الهاتف عبر التواصل مع الزبائن من خلال الرسائل والاطلاع على رصيد الحسابات بشكل آني.
وتشدد هيئة الأسواق والمنافسة على ضرورة توفير بيانات تلك المصارف بشكل يسمح للمستهلكين الاختيار بين أفضل المصارف، بما ينعكس إيجابًا لصالحهم، ويسمح لهم باختيار أفضلها وما يناسب احتياجاتهم.
ودفعت هذه الظاهرة، المصارف التقليدية الكبيرة إلى دخول سباق عالم تطبيقات الهواتف الذكية في محاولة لمنافسة المصارف الرقمية التي دخلت السوق بقوة ونالت رضى جيل الشباب المغرم بالهواتف الذكية.
واستطاعت مؤسسة سيدسدال ويوكشير مؤخرًا، توفير تطبيق جديد تفاعلي وذكي بحيث يحذر المستخدم بمجرد أن ينخفض رصيده إلى هامش الصفر أو يرسل له علامة تطمئنه أن حسابه وفير بالنقود.
وقد أسس توم بلومفيلد مصرف موندو بعد أن ترك بنك ستارلينغ حيث كان مدير التطوير، ويركز توم حاليًا على تطـوير تقنيات مصرفه الجديد ويعمل على توفير المزيد من الاستثمارات على أمل افتتاح البنك للجمهور البريطاني مع بداية العام القادم.
وللإشارة فإن مصرف موندو استطاع توفير أكثر من مليون جنيه عبر الإنترنت خلال 90 ثانية، بالإضافة إلى سبعة ملايين جنيه إسترليني حصل عليها من شركة كبيتل باشين كشراكة في المشروع.
ويستهدف المصرف زبائنًا من جيل يعيش كل حياته عبر أجهزة الهواتف الذكية، والذي لا يعترف بأهمية التبادل النقدي أو عبر الشيكات، بل يهتم بالبيع والشراء بواسطة الهواتف.
وأعلن المصرف أنه يركز عمله على مجموعة من الشركاء من أجل تحويل هذا البنك إلى منصة توفر العديد من الخدمات المالية بطابع رقمي بحت.
خدمات مالية
ولن تقتصر خدمات موندو على المجال المصرفي بل سيقدم خدمات مالية رديفة، فمثلاً من المتوقع أن يقدم هذا البنك ميزة تتيح للمستخدم وضع ميزانية لأي مشروع يعمل عليه.
وفي العام الماضي، سمحت السلطات المالية المصرفية في بريطانيا لأول مصرف رقمي بممارسة أعماله تحت اسم “أوتم بنك”، الذي أسسه أنتوني توماس، المساهم السابق في تأسيس آخر مصارف بريطانيا التقليدية تحت اسم ميترو، كي يمارس أعماله عبر الهواتف الذكية.
وتؤكد هيئة المصرفيين البريطانية أن مستخدمي المصارف عبر أجهزة الهاتف أكبر بكثير من مستخدمي المصارف عبر زيارة فروعها، فالإنترنت أصبح أقصر الطرق إلى المصارف.
وقال مارك مولين، المشارك في تأسيس بنك أوتم “إن مصرفنا استطاع أن يحول المصرف من فرع مفتوح في الشارع إلى مصرف في جيب الزبون يعمل على مدار الساعة ويقدم خدماته على مدار العام”.
ويعتبر كايف مونتفورد رئيس موني سوبر ماركت أنها لحظة حساسة في تاريخ المصارف، لكنه يتساءل ما إذا كانت المصارف الإلكترونية باستطاعتها إزاحة المصارف التقليدية.
ويقوم أوتم على تقديم خدمات محمية بمزايا أمنية عالية مثل بصمة الأصبع والتوقيع بالعين وتميز صاحب الحساب عبر صوته، كما يحاول منافسة المصارف التقليدية عبر الشراكة مع أحدها لتمكين زبائنه من استخدام البعض من الخدمات التقليدية، وجمع المصرف من ثمرة تعاون مع مجموعة من المستثمرين الكبار لتمويل خدماته رصيدًا أوليًا تجاوز 75 مليون جنيه إسترليني.
مصداقية وتوفير
ويقول خبراء مصرفيون إن هذا النوع الجديد من المصارف الرقمية ستكون تكاليف تشغيله منخفضة جدًا ويقدر أن تكون أرخص بحدود 30% من تكاليف المصارف التقليدية.
وظهر مصرف ستارلينغ بعد أوتم في محاولة لاقتطاع جزء من سوق المصارف الرقمية، التي جذبت المستثمرين أوليًا نظرًا لوجود فرص ربح عالية وتكاليف منخفضة وخطورة محدودة.
ويرى هارولد ماك – بيك مؤسس شركة كونتس – ريس أن مصرف ستارلينغ سيقدم خدمات إبداعية لتأمين احتياجات المستثمرين المالية بطريقة لا تختلف عما اعتادوا عليه في استخدامهم من تطبيقات أخرى على هواتفهم.
وما يدعم المصداقية في المصارف الرقمية كون كل المنخرطين في تأسيسها هم من مدراء أقسام الإبداع في مصارف تقليدية سابقة، أي أنهم نقلوا خبراتهم الإبداعية الطويلة وخبراتهم المصرفية في البنوك التقليدية إلى عالم الحياة الرقمية.
وقالت آنا بودين الرئيسة السابقة في قسم التشغيل المصرفي في مصرف اليد أيرش إن “مؤسسي المصارف الرقمية واضحون جدًا، إنهم يقفزون من القوارب القديمة إلى القارب الحديث، كما يقدمون نفس خدمات المصارف التقليدية لكن بطريقة إبداعية تناسب أجيال هذا العصر بالإضافة إلى تقديم مجموعة من الخدمات تعجز عن توفيرها مصارف القرن الماضي”.
والجدير بالذكر أن أغلب المصارف التقليدية واجهت صعوبة في الانتقال إلى العالم الرقمي نظرًا لضخامة حجمها وصعوبة توقيف معاملاتها الكبيرة من أجل إعطاء فرصة لتطوير شبكاتها لتتناسب مع البنوك الرقمية، فهي أمام مشكلة التأخر أكثر في مواجهة المصارف الرقمية، التي اغتنمت الفرصة وتحركت برشاقة وسرعة أكبر وإبداع أكثر.
العملة الرقمية
ولمواكبة التكنولوجيا الحديثة أصبح الأمر لا يقتصر فقط على البنوك الإلكترونية، بل هناك حاجة لعملة رقيمة لتلبية متطلبات السوق المالية ، فكشف مصرف “يو بي إس” عن مشاركته ثلاثة مصارف دولية أخرى لوضع “عملة رقمية” جديدة من شأنها أن تحسِّن كفاءة الأسواق المالية وتسهِّل التعاملات التجارية عن طريق كسر العقبات التي تقف أمام التسويات المالية وشطب عدة أيام تستغرقها عمليات تحويل الأموال حاليًا، وسيتم إطلاق المشروع في عام 2018.
وفي الواقع، فإن “يو بي إس” قام منذ عدة أشهر بالتعاون مع شركة “كليرماتيكس” البريطانية، بتطوير طرق جديدة لتسهيل تمويل التعاملات التجارية، وقد انضمت المصارف الثلاثة بعد ذلك للعملية التي تم تطويرها في لندن بين مختصين من المصرف السويسري والشركة البريطانية.
أما المصارف الثلاثة فهي، “بي إن واي ميلون” الأمريكي الذي تأسس عام 1784، والمصرف الألماني الأول “دويتشه بانك”، و”سانتاندير بانك” الإسباني الذي تأسس في عام 1857، فضلاً عن مؤسسة الوساطة المالية البريطانية “آي سي آي بي”، وهناك نحو 22 مصرفًا أبدوا دعمهم للمشروع تمهيدًا للانضمام إليه، حسب “يو بي إس”.
وقد تركز العمل بين المختصين من المصرف السويسري والشركة البريطانية، المتخصصة في ميدان الحلول التي تستند على الشبكات الإلكترونية اللامركزية، على وضع أسس وقواعد ما يُسمى بـ “الأداة المساعدة في تسوية العملات”، ووصل الفريق المشترك الآن إلى المراحل النهائية في وضع التفاصيل الصغيرة للمشروع الذي ستتم تجربته الشهر المقبل.
العملة الرقمية أو”الافتراضية”، مهما تعددت أسماؤها، ليست سوى الـ “بيتكوين”، التي لم يبتكرها أحد قبل بريطانيا، ولندن تحديدًا، وقد جاء الحل هذه المرة أيضًا من المملكة المتحدة، لكن على خلاف الـ “بيتكوين”، التي تُستخدم كوسيلة للدفع بين الأفراد وفي بعض المتاجر، فإن تقنية “يو إس سي” تُركِّز على استخدام “العملة الرقمية” في تداولات الأوراق المالية، مثل السندات والأسهم، بهدف محدد هو تيسير التعاملات المالية.
وأوضح لـصحيفة “الاقتصادية” السعودية، أنطوان فيردون عضو مركز أبحاث تقنية المعلومات والمصارف والمتخصص في تقديم المشورة والتحليل في مؤسسة “فينتيتش”، أن التداول بين المصارف والمؤسسات أصبح اليوم صعبًا ويستغرق وقتًا طويلاً ومكلفًا، فمثلاً عند شراء أو بيع أسهم، فإن الوقت الضروري لنقل الأموال يستغرق من يومين إلى ثلاثة أيام، مثلما هو الأمر بالنسبة لكل معاملة من المعاملات المالية، لكن “العملة الرقمية” الجديدة ستسمح بحذف هذه الفترة، وستسرع التجارة إلى حد كبير.
وسيُوضع المشروع حيز التنفيذ التجريبي المحدود في سبتمبر المقبل كجزء من برنامج يسمى “تشفير يو بي إس 2.0 باثفايندر”، الذي يستند أيضًا إلى قاعدة عمل العملة “بيتكوين” كما يتم استخدامه في عديد من التطبيقات الأخرى.
وأعرب “يو بي إس” في بيان عن أمله في إطلاق نظامه للاستخدام النهائي بداية عام 2018، مضيفًا أنه سيلتقي مع شركائه بممثلي المصارف المركزية الرئيسة لعرض مبادرته هذه، ووفقًا للمصرف، فسيسمح النظام بتحقيق أكبر قدر من الشفافية، مشيرًا إلى أن بعض المصارف المركزية تعمل الآن على تطوير أنظمة من العملات الافتراضية، لا سيما مصرف “بانك أوف كندا”.
ومن الناحية الفنية، فسيكون نظام “تسوية العملات” عبارة عن “عمله رقمية” 100% مُقوَّمة بعملات مختلفة (الدولار، واليورو، والإسترليني، والفرنك، وغيرها)، وستكون مضمونة تمامًا في قاعدتها الخلفية بالأصول النقدية المودعة لدى المصارف المركزية، وستكون المصاريف التي يتم تنفيذها في العملة الافتراضية بقدر العملة التي تطابقها نفسها.
عملة وعملاء
وحسب، أنطوان فيردون، فلن يكون للعملة الجديدة أي تأثير مباشر في العملاء، بل يستخدم النظام الداخلي للمصارف، وليس الهدف من إطلاقها، حتى الوقت الراهن على أقل تقدير، هو تقديم خدمة عامة للجمهور، فالغرض منها هو تقليل تكلفة المعاملات الخاصة بالمصارف، وتيسير أداء مكاتبه الخلفية في التحويلات المالية، ولكن طالما بقيت المنافسة في هذه الخدمة محدودة، فمن المرجح ألا يستفيد العميل من انخفاض التكاليف.
وأشار فيردون إلى أن هذا لا يعني أن هذا التطور غير ذي بال، فأنظمة المصارف، التي هي نتيجة لإضافة طبقات متعاقبة من التطوير المستدام يفرضها الواقع الاقتصادي المتجدد والابتكارات الحديثة وصولاً إلى الحاسوب، ورغم أنها معقدة للغاية إلا أنها فعَّالة.
وأضاف فيردون أن هذا المشروع مذهل من زاوية أنه يمكن أن يسمح بتحسين عمليات المكاتب الخلفية إلى حد كبير، والإفراج عن المليارات من الأموال المحصورة في فترة الأيام الثلاثة من التسويات وإطلاقها نحو الاستثمار ودعم الصفقات في الأسواق العالمية، معتبرًا أن القضاء على الأيام الثلاثة يُحرر المليارات.
لن يتوقف التقدم الكنولوجي عند هذا الحد، فكل يوم يفاجئنا بكل ما هو جديد ليواكب عصر السرعة، الذي نعيشة وتزيد متطلباتة بشكل متسارع من أجل الحصول على خدمات وتسهيلات في الحياة العملية والشخصية.