أكدت دراسة أعدتها الجمعية التونسية لمكافحة الفساد، أن معدل الوقت الذي يقضيه الموظف التونسي في العمل الفعلي لا يتجاوز الـ 8 دقائق في اليوم وهو معدل دون المستويات العالمية بكثير، فيما لم تتجاوز أيام العمل 105 أيام من أصل 365 يومًا.
ثورة قام بها الشعب التونسي من أجل الحرية والكرامة لم تطل العمل وإنما كانت مرتكزة بالأساس على ضمان حقوق العمال دون واجباتهم فيما يبقى العامل الأساسي في تقدم الشعوب هو العمل في كافة مجالات الحياة من فلاحة وصناعة وخدمات.
قد يكون الأمر مقبولاً إذا ما اقتصر الأمر على عامة الشعب إلا أن إعلان مكتب مجلس نواب الشعب يوم 26 فبراير عن اقتطاع 100 دينار تونسي من منحة النواب عن كل يوم تغيب يؤكد بأن حالة التراخي والتسيب وباء شمل كل جسم المجتمع التونسي وخاصة ذلك المرتبط بأجهزة الدولة، ففي مجلس نواب الشعب الذي يتقاضى أعضاؤه ثمانية أضعاف الأجر الأدنى في تونس، بلغت الغيابات حد أن تكون كتلة حركة النهضة الوحيدة التي تناقش مشاريع القوانين داخل اللجان التشريعية فضلاً عن العمل في الجهات الداخلية واستقبال مطالب المواطنين والاتصال بالوزارات لمتابعة المشاريع التنموية العالقة، فيما تشهد بقية الكتل النيابية فتورًا وغيابات وصلت ببعض النواب لنسبة حضور تقدر بصفر بالمائة حسب جمعية بوصلة والتي تعنى بمتابعة أشغال مجلس النواب، فيما بقي القطاع الخاص الأكثر محافظة على خلق الثروة وتقديس العمل مع ما يشهده من تحركات اجتماعية ومطلبية حدت من الإنتاجية.
ينص الدستور التونسي في فصله التاسع والثلاثين على أن “العمل حق لكل مواطن ومواطنة، وتتخذ الدولة التدابير الضرورية لضمانه على أساس الكفاءة والإنصاف، ولكل مواطن ومواطنة الحق في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل “هذا مكسب لا شك لعموم العمال وللعاطلين على العمل ولكنه يبقى مكسبًا قيميًا لا فعليًا، فحق الإضراب مقدس ومنصوص عليه في الدستور والحق في العمل كذلك، ولكن المعضلة الكبرى في أن يكون العمل في حد ذاته غير مقدس وليس له أية أهمية مادام الموظف يتقاضى أجرًا من أجل أن يعمل فقط 8 دقائق في 105 أيام في السنة ويجد نقابات تدافع عنه لا من أجل تحسين ظروف العمل والأجر وإنما من أجل حقه في أن يتقاضى أجرًا ولا يعمل، فكيف لشعب يريد أن يستمر في ثورة على الظلم وحيف رؤوس الأموال ومافيات النظام القديم أن يتقدم وهو لا يعمل؟
يبقى سؤال العمل أهم الأسئلة في تونس، فلا الحكومات المتعاقبة ولا غيرها قادرة على تغيير الوضع ولا صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي الذي ينتظر أن تسوء الأوضاع أكثر فأكثر من أجل إغراق البلاد في ديون تجعل من السياسة في تونس رهينة للممولين.
يحتاج التونسيون إلى دافع ومحرك للعمل الذي يساعدهم في تنمية تخرجهم من الفقر والتجهيل وسيطرة الرأسمال الفاسد على مقدراتهم وسياساتهم، ويبقى الشباب أهم الفاعلين المحتملين لو وحدت جهودهم كالتي كانت في قوتها ووحدتها في معركة هدم الدكتاتورية، وهم في حاجة لمعركة البناء التي لم تستأنف بعد والتي يتصدر لها سياسيون حاضرون في التلفاز غائبون عن أعمال البرلمان ومقدمون لأسوأ مثال عن القدرة التي ستخرج البلاد من محنة الارتخاء والفساد والعطالة “الوطنية”.