ظهر مفهوم ضريبة القيمة المضافة كثيرًا في الفترة الماضية بعدما قررت العديد من الدول العربية فرضها بعد مواجهتها لأزمات وعجوزات مالية في الموازنات جراء انخفاض أسعار النفط العالمية التي تعتمد على إيراداتها بشكل كبير، لذا سعت تلك الدول إلى زيادة إيراداتها من مصادر أخرى وخفض عجز الموازنة، الشيء الجدير ذكره أن الضريبة مفروضة في معظم دول العالم وموجودة منذ عالم 1954 في فرنسا وهي مطبقة من قبل 150 دولة ومن بينها دول الاتحاد الأوروبي.
مصر فرضت ضريبة القيمة المضافة كنظام ضريبي مكمل لجملة الضرائب المفروضة، ففي جلسة عقدت أمس الإثنين وافق فيها مجلس النواب وبشكل نهائي على مشروع قانون ضريبة القيمة المضافة، وأقر المجلس نسبة 13% للضريبة بعدما كان 14% بناء على اقتراح وزير المالية وسيتم العمل بها اعتبارًا من شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، إذ من المتوقع أن تحصل الدولة على حوالي 20 مليار جنيه خلال العام المالي الجاري، على أن ترفع النسبة إلى 14% اعتبارًا من العام المالي القادم (2017 – 2018).
أقر مجلس النواب المصري ضريبة القيمة المضافة بنسبة 13% بشكل نهائي على أن يتم رفعها في العام المالي القادم إلى 14%
وبحسب القانون فقد تم إعفاء 56 مجموعة سلعية من الضريبة من بينها الألبان ومنتجات صناعتها والخبز بجميع أنواعه ومنتجات المطاحن والحيوانات والطيور الحية أو المذبوحة الطازجة أو المجمدة والأسماك والمنتجات الزراعية التي بحالتها الطبيعية، وكذلك يعفي القانون المجلات والصحف المطبوعة والكتب الخاصة بالمدرسة والبترول الخام والغاز الطبيعي والمواد الطبيعية مثل منتجات المناجم والمحاجر بالإضافة إلى عدد من الخدمات مثل الصحة وبيع وشراء العملات وخدمات الصندوق البريدي والتأمين والبحث العلمي وخدمات الإنتاج الإعلامي والسينمائي والخدمات المالية غير المصرفية.
فما هذه الضريبة؟ ولماذا سميت هكذا؟ وكيف ستنعكس على أسعار السلع والخدمات في المجتمع؟ وأسئلة أخرى سنحاول فيما يلي الإجابة عليها.
ما هي القيمة المضافة؟
في البداية تعرف القيمة في الاقتصاد بأنها صفة يكتسبها الناتج (سلعة، خدمة) بمجرد احتوائه على قدر معين من العمل البشري أيًا كان شكله أو طبيعته، وبمجرد اكتساب السلعة لعمل زائد، تظهر قيمة مضافة على السلعة تتطور بعد كل مرحلة من مراحل إنتاج السلعة، ويمكن حسابها من خلال طرح ثمن بيع السلعة من كلفة إنتاجها، فيظهر حجم القيمة المضافة.
ما هي الضريبة؟
لكل دولة نظام ضريبي يساعدها في تحصيل الإيرادات، فقد تفرض ضرائب على المداخيل بشكل مباشر مثل الأرباح والرواتب أو على المبيعات من خلال جباية الأموال على حجم المبيعات التي تقوم بها الشركات والمحال التجارية، وهي على اختلافها تعد الوسيلة الأساسية التي تحقق أهداف الدولة في تمويل نشاطاتها، فهي أحد المصادر الرئيسية لتمويل الموازنة العامة للدولة، ففي مصر تسهم الضرائب في رفد الخزانة العامة للدولة بـ 65% من إجمالي الإيرادات، كما أن إيرادات الضرائب في مصر تغطي تكاليف كافة الخدمات في الدولة، وبعد أن عرفنا معنى الضريبة ومعنى القيمة المضافة، فما هي إذن ضريبة القيمة المضافة؟
ما هي ضريبة القيمة المضافة؟
هي الضريبة التي تستهدف القيمة المضافة على كل عملية إنتاجية أو تجارية – لذا يقال إنها مركبة – تمر بها السلعة من إنتاج وتوزيع واستهلاك حتى تصل إلى رفوف المحال التجارية لبيعها للزبون، وتفرض كذلك على المنتجات المستوردة؛ لذا فهي غير مباشرة لا تفرض بشكل مباشر على المستهلك بل تُجزأ على مراحل على عكس ضريبة المبيعات التي تحصل مرة واحدة كنسبة أو مبلغ مالي محدد محسوب على القيمة النهائية للمنتج.
تسهم الضرائب في مصر برفد الخزانة العامة للدولة بـ 65% من إجمالي الإيرادات في الخزانة
ما هو الفرق بين ضريبة المبيعات وضريبة القيمة المضافة؟
ضريبة المبيعات في مصر محددة منذ العام 1991 بـ 10% وتقوم على أن تأخذ الدولة الضريبة لمرة واحدة من سعر المنتج النهائي، فلو تم بيع تلفاز مثلاً بقيمة 1100 جنيه فإن ضريبة المبيعات عليه ستكون 100 جنيه.
أما بعد الآن بعد فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 13% فإن الزيادة على الضريبة التي كان يدفعها التاجر والمنتج تعد 3% ولكن حساب الضريبة سيكون بشكل مختلف تمامًا.
التهرب الضريبي في ضريبة المبيعات يعد أكبر من ضريبة القيمة المضافة، كما أنها مخصصة بشكل أساسي للسلع وأخضعت مصلحة الضريبة في مصر 17 خدمة لجباية الضريبة منها، أما في النظام الجديد فإن الضريبة ستوزع على مراحل الإنتاج ليتم اقتطاعها من المنتج حتى تصل لرفوف المحال التجارية، كما أنها ستفرض على السلع والخدمات معًا سواء كانت محلية الصنع أم مستوردة ولا يعفى منها إلا المستثنى بقانون الإعفاء.
ما هي آلية عمل ضريبة القيمة المضافة؟
لتوضيح آلية فرض الضريبة وميزاتها التي تظهر فيها بأنها غير مباشرة ومركبة نعرض المثال الآتي:
شركة تصنيع برادات تنتج برادًا بتكلفة تقدر بـ 500 جنيه، ستحسب مصلحة الضرائب ضريبة قيمة مضافة على مرحلة التصنيع نسبتها 13%، لذا فإن مصنع البرادات سيحول مبلغًا لمصلحة الضرائب بشكل لا يمكن التهرب منه قطعًا وقدره 65 جنيهًا ليصبح تكلفة المنتج على الشركة المصنعة 700 جنيهًا بعد إضافة ربح عليه، ومن ثم يباع البراد للموزع، بعد مرحلة التصنيع ستتكرر نفس العملية على مرحلة التوزيع ولكن سيتم خصم الجزء المدفوع منها، فالضريبة المقررة هي 91 جنيهًا ولكن يخصم الجزء المدفوع منها وهو 65 جنيهًا فيبقى 26 جنيهًا تحول لمصلحة الضرائب، ليضيفها الموزع أيضًا على تكلفة البراد ويبيعها لتاجر المفرق أو مركز مبيعات بعد إضافة ربحه عليها ولنفرض أن البراد أصبح ثمنه 750، في هذه المرحلة أيضًا تعاد العملية مرة أخرى ليحول لمصلحة الضرائب 97.5 ولكن يخصم منها المبلغين المدفوعين سابقًا فيبقى عليه تحويل 6.5 جنيهات، وهكذا تحتسب الضريبة في كل مرحلة إنتاج بشكل مركب.
ما تأثير ضريبة القيمة المضافة على السلع والأسواق؟
سينعكس فرض الضريبة على أسعار السلع والخدمات من خلال ارتفاع أسعارها، فالمنتج والموزع والبائع سيضيف التكلفة الجديدة على المنتج ويقوم بترحيلها للمرحلة الأخرى حتى تصل للمستهلك الذي لن يجد سوى سلعة بنفس القيمة والمحتوى وبدون أي اختلاف ولكن سعرها زاد، لذا فإن موجة غلاء من المتوقع حدوثها بعد تطبيق الضريبة، كما أن الزيادة في ثمن السلع والخدمات والتضخم الحاصل، ستخفض من الاستهلاك وهو ما سيلقي بظلاله أيضًا على حركة الإنتاج والإنفاق في المجتمع ويسبب ركودًا عامًا في الاقتصاد، ومن سلبياتها أنها تعفي المنتج من تحملها ليتحملها المستهلك بمن فيهم طبقات المجتمع المختلفة التي تشمل الفقراء ومحدودي الدخل.
انسحب 20 عضوًا من المجلس أثناء جلسة عامة لمناقشة القانون احتجاجًا على إقراره وعلى طريقة التصويت برفع الأيدي لا بالتصويت الإلكتروني
هل تطبيق هذه الضريبة سهل؟
الضريبة مطبقة في الدول المتقدمة كما سبق ذكره، فالدولة تسعى أن يكون لديها جهاز ضريبي ذو كفاءة عالية يكون قادر على تحصيل الضرائب لتمويل نشاطاتها وخدماتها، ولكن فرض الضريبة يتطلب كوادر بقدر عال من الكفاءة وسجلات وبيانات عن مراحل الإنتاج التي تمر بها السلعة في الاقتصاد لتتبع العملية الإنتاجية في البلاد.
مصر دولة من الدول النامية ومن غير المنطق مقارنة مصر واقتصادها بالدول المتقدمة، فالاقتصاد المصري يعاني من البيروقراطية في مؤسساته ولديه مشاكل هيكلية وعوز في الكفاءات ونقص في التدريب في حال تطبيق النظام الضريبي الجديد، فالجباية ستلغى من قاموس مصلحة الضرائب، وسيحل محلها طريقة عمل مختلفة، وهذا كان يتطلب تأهيل كوادر تكون قادرة على إدارة المرحلة، بالإضافة إلى التواصل مع الحاضنة الشعبية لتوعيتهم بمعنى هذه الضريبة وآثارها الإيجابية في الوقت الحالي كما تدعي الحكومة، بالإضافة إلى التعاون والتنسيق مع الجهات العاملة في الاقتصاد في القطاعات والجهات التي لديها سجل ضريبي وسيشملها القانون.
هل هناك جهة خارجية فرضت على مصر تطبيق الضريبة؟
بحسب أحد الخبراء ذكر أن هناك مساعٍ لتطبيق ضريبة القيمة المضافة منذ العام 2002 و2003 وكانت هناك مطالب كثيرة لتطبيق القانون في فترات مختلفة، لكن لم تطبق، والآن تم إقرار القانون تزامنًا مع قرض صندوق النقد الدولي، الذي في النهاية لا يهمه إلا استرداد أمواله بغض النظر عن الأضرار التي ستلحق بالمجتمع وطبقاته، لذا أغلب الظن أن الضريبة فرضت كشرط من الصندوق لتحسين أداء التحصيل الضريبي للحكومة وبالتالي تكون قادرة على تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي أولاً والإيفاء بالتزمات القرض ثانيًا.
هل هناك اعتراضات على القانون؟
من حيث المبدأ القانون لا يصلح في دولة تعاني من هشاشة وتتعرض لأزمات وعدم استقرار وحالة من فقدان العدالة الاجتماعية بين طبقات المجتمع المختلفة، فالشارع المصري غير قادر على تحمل المزيد من الأعباء المعيشية، وهو بالنتيجة رافض لأي إجراء حكومي يزيد من تلك الأعباء ولا يخففها.
أما من ناحية الحكومة فقد انسحب 20 عضوًا من المجلس أثناء جلسة عامة لمناقشة القانون احتجاجًا على طريقة التصويت على مشروع قانون الضريبة من خلال رفع الأيادي، فعلى حد زعمهم التصويت برفع الأيادي لا يبين الاتجاه الحقيقي للمشرعين، بينما طالبوا بالعمل بالتصويت الإلكتروني المنصوص عليه في المجلس.
وقد اختلف النواب على مدى نجاعة القانون وجدواه في حل أزمة الاقتصاد المصري وتوفير الأموال اللازمة لسد عجز الموازنة، حيث قال المنسحبون من المجلس إن مشروع القانون “ضربة مباشرة لفقراء مصر”، وسيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير في وقت تشهد الأسعار ارتفاعًا بدون فرض الضريبة، لذا من المتوقع أن يكون له “نتائج وخيمة” في حال تطبيقه.
في حين أن وجهة نظر الحكومة ومن يوالونها يؤمنون أن القانون يعد أحد إجراءاتها الإصلاحية الرامية إلى خفض عجز الموازنة، ويرى وزير المالية أن القانون يوفر الحماية لمحدودي الدخل وزعم أن حصيلته ستوجه لبرامج الحماية الاجتماعية، وأضاف أن عجز الموازنة سيصل إلى منحنى خطير حسب تعبيره، حيث أشار أن إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي تطبقها الحكومة تهدف لخفض العجز إلى أقل من 10%.