لا يمكن التحدث عن الرحالة العرب بدون ذكر ابن بطوطة وكتابه “تحفة النظار في غرائب الأمصار” عن تجربته في رحلته حول أغلب بلاد العالم شرقًا وغربًا من العالم الإسلامي، حتى لُقب بأمير الرحالة المسلمين، بالإضافة إلى الإدريسي، الرحالة العربي الذي كان من مؤسسي علم الجغرافيا نتيجة لرحلاته حول العالم، ليستطيع بعدها رسم خرائط لأنهار وبحيرات ومرتفعات بناءً على تصوره الشخصي اعتمادًا على خبرته، ليستطع في النهاية بناء مجسم أولي للكرة الأرضية.
لم تقتصر إسهامات العرب الرحالة عند هذا الحد من التاريخ، بل توالت في عصور مختلفة من الخلافة الإسلامية في عصورها وحقباتها المختلفة، ولكن أصاب المسلمون وبالتحديد العرب منهم حالة من الركود والخوف تجاه السفر حول العالم، وذلك مع بداية الاستعمار الغربي لأغلب البلاد العربية، وبداية رسم الحدود الفاصلة بينها، لتظهر قواعد صارمة جديدة على تأشيرات الدخول للبلاد العربية بينها وبين بعض، وكذلك بينها وبين البلاد الأوروبية وما يجاورها من بلاد آسيوية.
لم يكن لدى أي منا فرصة للتعرف على غيره من الثقافات والعادات والأديان إلا عن طريق الكتب، وذلك قبل اختراع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، أو عن طريق الأفلام العالمية، والتي لم يكن من السهل الوصول إليها قبل ثورة التكنولوجيا، ومن ثم يأتي اختراع الإنترنت، ومن بعده مواقع التواصل الاجتماعي، التي خلقت عالمًا افتراضيًا بدون حدود على الإطلاق، يستطيع فيه المرء التعرف على شخصيات مختلفة بثقافات وأديان وأعراق مختلفة، ومن ثم يرى الفرصة متاحة له أن يسافر إليهم، ومن هنا ظهرت فكرة “حول العالم” للرحالة الشباب العرب، بدون تمويل خارجي من شركات أو مؤسسات، وبدون زيارة أغلى المطاعم والأحياء الفاخرة.
بدأ الأمر على مواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة لهؤلاء الشباب، بعد تصفحهم لعروض مغرية للسفر خارج بلادهم الأم، وبتكاليف ليست خيالية، وبدون التفكير في كيفية السفر، مثل هل سيكون ذلك مخاطرة أم لا، وأين سنقضي ليلتنا، وماذا عن خطر السرقة في بلد غريب، ماذا لو لم يستطع المرء ايجاد طريقه للعودة، بالإضافة إلى عدم تقبل المجتمع العربي فكرة السفر من أجل السفر ذاته بسهولة، فلا يرى أغلبية العرب، وبخاصة كبار السن منهم السفر سوى وسيلة للسياحة لبضعة ليال، ومن ثم شراء بعض المشتروات من تلك البلاد، والتنزه في محلاتها التجارية، ومن ثم العودة والتفاخر بتلك البضائع أمام أفراد العائلة.
غيّر شباب الجيل الحالي في البلاد العربية وجهة النظر عن السفر، فيمكن للمرء أن يسافر من أجل أن تتطور مداركه، أو أن يتعرف على شخصيات مختلفة، وثقافات وأعراق وعادات وتقاليد وأديان مختلفة، قام هؤلاء الشباب بتمويل رحلاتهم بأنفسهم، وبدأوا في اتخاذ السفر أسلوبًا للحياة، وليس رحلة مؤقتة مرة في العام.
بدون عنوان ثابت “No fixed address”
“بدون عنوان ثابت” فكرة للشاب المصري محمود كامل، الذي قام بتمويل نفسه بنفسه للسفر إلى الخارج، فهو متبنٍ لنظرية أن السفر أهم بكثير من توفير الأموال، فإذا أخذنا مثال لمن قام بتوفير عدة آلاف من الجنيهات المصرية قبل غلاء الأسعار منذ عدة سنوات، فهو حاليًا يمتلك نصف المبلغ الذي قام بتوفيره منذ عدة سنوات وذلك بسبب ارتفاع قيمة الدولار أمام قيمة الجنيه، لذا لا يجد محمود أي أهمية لتوفير الأموال المستمر وذلك لأنها تظل أموال في نهاية الأمر، ويمكن أن ترتفع قيمتها فجأة، أو تنهار كليًا، لذا نقلًا عن كلام محمود على صفحته على فيسبوك، هو أن ما يكسبك إياه السفر، يستحق المخاطرة أكثر من مخاطرة الفرد بالمال، وأن المال لن يستطيع إكساب الإنسان تلك الذكريات والخبرات التي يكتسبها الإنسان من السفر حول العالم.
ستجد على صفحة محمود على الفيسبوك صورًا له في أغلب بلاد العالم، فقد سافر حول أوروبا كلها، ووصل إلى الصين والهند، ونال خبرة جيدة من بلاد شمال إفريقيا، يقوم محمود بتقديم دليل للشباب في كيفية السفر بأقل الأسعار، يمكنك زيارة صفحته الآن، إذا أردت أن تخوض تجربة السفر حول العالم.
عمرو بدوي “مسافر على الأريكة”
هكذا يسمي نفسه بدوي على صفحته الرسمية على فيسبوك، تلك الصفحة دليلك لكل ما تريد أن تعرفه عن السفر، بداية من كيفية الحصول على التأشيرة، إلى تفاصيل الإقامة في البلاد المختلفة حول العالم، ومعلومات عن تفاصيل الأسعار، وما المشاكل التي يمكن أن يقابلها المرء في تلك البلاد، وما المشاكل التي يمكن أن تمنعه من زيارتها، فلـ “بدوي” مدونة بنفس اسم الصفحة “مسافر على الأريكة”، يدوّن فيها أغلب خبراته حول العالم، ويحث فيها الشباب على السير على خطاه كذلك.
شيماء فتاة مصرية قررت السفر وحيدة عندما بلغت سن التاسعة والعشرين، تقول في لقاء تلفزيوني لها بأنها مرت بمرحلة عصيبة عند بلوغها سن التاسعة والعشرين بدون زواج، حيث ضغط المجتمع المصري يظهر في تلك المرحلة بكل ضراوة على الفتاة، بسبب قبولها على سن الثلاثين دون أن تتزوج، لذا قررت شيماء أن تخوض تجربة جديدة، تخفف عليها الضغط المجتمعي الشديد، وتغير من روتين حياتها الذي تمحور حول العمل فحسب، وبدأت رحلة مدتها 16 يومًا لتزور فيها 4 مدن أوروبية، وتكسر بها حاجز الخوف من سفر الفتاة وحيدة، وكوّنت صفحة على فيس بوك باسم “هي تسافر”، تشجع فيها الفتيات على السفر خارج بلادهم الأم، وكسر ذلك الحاجز المجتمعي الذي يعيق الفتاة من السفر وحدها.
فادي حنا هو أول مصري يسافر 96 دولة حول العالم من أصل 200 دولة، ليحقق الرقم القياسي في زيارة نصف دول العالم إذ قام بزيارة 4 دول أخرى، وهو أول شاب مصري يقوم بتلك الرحلة بدون تمويل من أي مؤسسة أو شركة، يقول في صفحته على فيسبوك “ترافل ديليتس” بأن أكثر الأسباب التي دفعته للقيام بتلك التجربة، هو إثبات أن كل البشر تتشارك في الإنسانية، وأن أغلبهم لا يشجعون العنصرية، وأنهم يشجعون على التواجد معًا في نفس المكان بغض النظر عن اللون أو الدين أو العرق، وأن الأرض هي وطن للجميع، ويجب علينا أن نتعارف من مختلف الأركان في العالم من أجل أن نجعلها مكانًا أفضل لنا ولمن سيخلفنا من بعدنا من أجيال.
سافر كأنك مصري (Travel like an Egyptian)
قرر مروان لطفي عندما بلغ سن الثلاثين أن يترك مصر ويسافر حول العالم، فوجد نفسه غارقًا في دوامة العمل من أجل أن يجني مبلغًا كافيًا من المال يكفيه أن يمتلك منزل وسيارة، وأن يتكلف بمصاريف الزواج باهظة الثمن في المجتمع المصري، قرر مروان في لحظة أن تلك الحياة ليست حياته، وأنه يعيش الآن حياة أرغم عليها، هذا ليس حلمه، بل هو يسير مع التيار لأنه مُجبر على ذلك، فكان يرى أن كل ما يريده أن يكون سعيدًا، ولكنه لم يجد السعادة في الوظيفة الروتينية ولا في المجتمع غير المتجدد، والمتحجر بأفكاره العتيقة التي لا تقبل التغيير ولا النقاش، لذا قرر أن يسافر ليرى ما الذي تفعله المجتمعات الأخرى لكي تكون سعيدة، ولكي يبقوا على قيد الحياة بأبسط الطرق وأقل ضغطًا، ليجد نفسه أصبح سعيدًا بالفعل، ولا يطلب من الشباب أن يتركوا أشغالهم ويهيموا على وجوهم في الأرض، ولكنه يشجعهم على التجربة، التي استطاعت أن تغيّر في شخصيته كثيرًا.
لا يمكن لإنسان قرر أن يعيش ويموت في نفس الشارع الذي شب عليه، محاط بنفس الأصدقاء منذ الصغر، يتحدث نفس اللغة، بل وأحيانًا نفس اللهجة، يظن بأن السفر شيء ممتع، فهو يظن بأن كل ما شب عليه هو ما تنتهي عنده الحياة ولا يشعر باحتياجه لمعرفة شيء جديد، ولا يترك مجال لكل ما كان غريبًا على ما اعتاد عليه، سواء كان لغة أو دين أو عرق، أو حتى مظهر شكلي مختلف عنه، أن يدخل حياته ويتعرف عليه، نعم التغيير عامل خطر، وفيه من المخاطرة ما يمنع الكثير من التفكير فيه من الأساس، إلا أنه لا رجوع لنقطة البداية بعده، وكل من خاض تجربة التغيير، ومنها السفر، يؤكد أن الإنسان بعدها لا يعود كما كان مطلقًا.