ترجمة وتحرير نون بوست
في الوقت الذي تنتظر فيه السويد نتائج الحوار الجاري الذي سيحدد شراكتها العسكرية مع حلف شمال الأطلسي، واجه المسؤولون مشكلة حرجة ومقلقة متمثلة في تدفق العديد من المعلومات المشوهة والمغلوطة التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي والتي ساهمت في خلق نوع من الالتباس والخلط في مستوى المفاهيم العامة لهذه القضية.
وقد أتت هذه المعلومات نتيجة للعديد من المطالب، إذا وقعت السويد، التي لا تعتبر عضوًا في الناتو، على الاتفاق، فسيتمكن التحالف من تخزين أسلحة نووية على الأراضي السويدية وسيتمكن الحلف من مهاجمة روسيا عبر السويد، دون أخذ موافقة الحكومة وسيكون جنود حلف شمال الأطلسي، الذين يعتبرون في مأمن من الملاحقة القضائية، قادرين على التمكن من النساء السويديات دون خوف من أي تتابعات قضائية واتهامات جنائية.
كل هذه المعلومات كانت كاذبة، ولكنها بدأت بالتسرب إلى وسائل الإعلام التقليدية وتسببت لوزير الدفاع السويدي، بيتر هولتكفيست، الذي سافر بهدف تعزيز هذه الاتفاقية، في استجوابات متكررة عن قصص لم تكن إلا وهمية، وأفادت الناطقة الرسمية باسم وزير الدفاع، مارنيت نيويورك رادبو، أن “المواطنين لم يتعودوا على مثل هذه المعلومات وقد وصلوا إلى درجة من الخوف جعلتهم غير قادرين على معرفة الصواب من الخطأ“.
وكما يحدث في غالب الأحيان في مثل هذه الحالات، لم يتمكن المسؤولون السويديون من معرفة مصدر هذه التقارير الكاذبة، ولكن المحللين والخبراء في مجال الاستخبارات في الولايات المتحدة وأوروبا توجهوا إلى روسيا بصفتها المتهمة الأولى وأشاروا إلى أن منعها لتوسع حلف الناتو كان فكرة الرئيس بوتين، الذي يعتبرها أمرًا مهمًا في السياسة الخارجية لروسيا، والذي أقدم على غزو جورجيا بهدف تفادي هذا الاحتمال.
يتباهى بوتين بقوته العسكرية المتواجدة في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا وسوريا، ولكنه مع ذلك، يفتقر إلى القوة الاقتصادية والشاملة لمواجهة حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة علنًا، في المقابل، استثمر مجهودًا كبيرًا في برنامج المعلومات “المسلحة”، باستعمال مجموعة متنوعة من الوسائل بهدف نشر الشكوك والانقسامات، ويتمثل الهدف في ذلك في إضعاف التماسك بين الدول الأعضاء وإثارة الفتنة في سياستهم الداخلية وتصعيد المعارضة الروسية.
أفاد غليب بافلوفسكي، الذي ساعد في تأسيس جهاز المعلومات التابع للكرملين قبل سنة 2008، أن “موسكو تنظر إلى الشؤون الخارجية على أنها نظام عمليات خاصة وتعتقد قطعًا أنها تمثل جزءًا من العمليات الغربية الخاصة”، وأضاف أنه “واثق من وجود العديد من المراكز التي شاركت في اختراع هذه الأنواع من القصص، يرتبط بعضها بالدولة”.
لا يعتبر زرع القصص الكاذبة أمرًا جديدًا، فقد خصص الاتحاد السوفيتي مواردًا كبيرة لهذا الغرض خلال المعارك الإيديولوجية للحرب الباردة، ولكن في الوقت الراهن، أصبح ينظر إلى المعلومات المغلوطة على أنها أحد المظاهر الهامة للعقيدة العسكرية الروسية وأكثر توجيهًا في المناقشات السياسية في البلدان المستهدفة مقارنةً بالماضي.
وقد أثرت القصص المغلوطة والتي تفتقر للدقة للغاية لدرجة أن حلف الناتو والاتحاد الأوروبي قررا إنشاء مكاتب خاصة لتحديد مصدر هذه المعلومات ودحضها، خاصةً المطالب المتأتية من روسيا.
أزعجت أيضًا أساليب الكرملين السرية الولايات المتحدة، وبحسب إفادة المسؤولين الأمريكيين، فإن المخابرات الروسية هي المسؤولة عن رسائل البريد الإلكتروني المسربة التابعة للجنة الديمقراطية الوطنية التي أحرجت هيلاري كلينتون في حملتها الانتخابية.
يستخدم الكرملين وسائل الإعلام التقليدية، كوكالة “آر تي”، والقنوات المضللة، كالموجودة في السويد والتي تكون عادة صعبة التعقب، ويتمثل الغرض الأساسي لعملية التضليل المعلوماتي التي تتبناها روسيا في تقويض الرواية الرسمية للأحداث، وفكرتها، وتعزيز نوع من الشلل السياسي.
برز هذا التضليل في أوائل سنة 2014، تزامنًا مع التشويش الأولي الذي صدر عن نبأ نشر روسيا لقواتها في شبه جزيرة القرم بهدف الاستيلاء عليها، في تلك السنة، ضخت روسيا مجموعة كبيرة من النظريات حول حادثة تدمير الطائرة الماليزية في أوكرانيا، محملة المسؤولية لوكالة الاستخبارات الأمريكية والطيارين الذين كانوا مخطئين بينها وبين الطائرة الرئاسية الروسية.
هناك روايات مختلفة يتم تداولها حول الحادثة، لكن الرواية التي تدافع عنها روسيا تؤكد أن جنودًا غير مدربين بشكل جيد قاموا بإسقاط الطائرة عن طريق الخطأ باستعمال صاروخ روسي.
رفضت روسيا كل التهم حول تعمدها تضليل الرأي العام الغربي، وتميل إلى اعتبار مثل هذه الادعاءات أو الاتهامات مناورات تندرج ضمن ما تسميه “الخوف الشديد من روسيا”.
وذكرت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا شاخروفا أنّ “الأمر أشبه بما يحدث في أوركسترا موسيقية منظمة، فالعديد من الدول الغربية تتهم روسيا بشكل مستمر بتهديد أحدهم”.
إن تتبع خيوط التضليل الفردية يبدو أمرًا صعبًا، لكن السويد اكتشف وجود شبكة منظمة تعمل على صناعة حملات التضليل، ويقوم الكرملين بقيادة هذه الحملات في الخفاء.
إعادة قراءة نفس القصة
يقول المحامي والصحفي السويدي، أنرديس ليندبرج “إن الديناميكية هي نفسها، قامت بتطوير نفسها في المباني الإعلامية الروسية أو مواقع أخرى، أو في سياق مماثل”.
وأضاف لبندبرج أنّ “الوثائق الوهمية تصبح سريعًا مصادر للأخبار في المواقع اليمينية واليسارية الروسية،ًا. وفي النهاية، لا يتمّ اكتشاف مصادر تلك المعلومات، التي تؤدي في النهاية إلى مشاكل أمنية”.
قد تختلف المواضيع، لكن الهدف هو نفسه، ويعتقد لبندبرج أن “ما يقوم به الروس هو بناء قصص، أكثر مما يبنون حقائق، لكن الحقيقة التي تختفي وراء السطور يمكن تلخيصها في عبارة واحدة “لا تثق في أحد“.
في جمهورية التشيك، يقوم حوالي أربعين موقعًا مواليًا لروسيا بحملة تشويه ضد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والمهاجرين ويصورونهم على أنهم مجموعة من الأشرار، وقد رجحت مقالات نشرت في هذه المواقع، خلال تدريبات الناتو العسكرية في منطلق يونيو/ حزيران، أن واشنطن تتحكم بأوروبا من خلال الحلف، معتبرة ألمانيا مسؤولة من الناحية الأمنية على أوروبا.
تردد صدى هذه المغالطات في السويد وورد في التقارير أن حلف الناتو يخطط لتخزين أسلحة نووية في أوروبا الشرقية والتي سيتم اعتمادها لاحقًا في شن هجوم على روسيا من هناك دون نيل موافقة العواصم المحلية، وقد أظهر استطلاع للآراء تم في هذه الصائفة من قبل فريق أبحاث يدعى فريق القيم الأوروبية بمدينة براغ التشيكية أن 50% من الشعب التشيكي يعتبر الدور الأمريكي في أوروبا دورًا سلبيًا، 32% فقط ينظرون للاتحاد الأوروبي بإيجابية بينما ما يقل عن الربع منهم يؤمنون ببعض هذه العناصر المضللة.
وكما قال جايكوب جاندا، نائب المدير العام لمركز الأبحاث المختص في الشؤون العامة والسياسية، “تظهر البيانات أيضًا أن الرأي العام يتغير بسبب النفاذ إلى تلك المواقع التضليلية”، وأضاف “أنهم يحاولون أن تبدو وكأنها وسيلة إعلامية منتظمة حتى إذا كانت لهم أجندة خلفية”.
ليست كل جهود التضليل الروسية ناجحة؛ فقد فشل موقع “سبوتنيك” الإخباري في جذب القراء الإسكندينافيين وقد تمّ إغلاقه بعد أقل من سن،. صوّر كل من موقع “روسيا اليوم” و”سبوتنيك” نفسه على أنه صوت إعلامي مستقل بديل، ويدعي “سبوتنيك” أنه يصرح ويدلي بمعلومات سرية حتى إن كانت تقاريره اليومية تعتمد بالأساس على اختزال ما ورد في مصادر أخرى.
ويتباهى موقع أر تي “روسيا اليوم” بشعار “اسأل أكثر”، فكلاهما يصور الغرب على أنه محبط ومقسم ومنحط ووحشي ومكتظ بالمهاجرين العنيفين وغير المستقرين.
وقال وزير الدفاع السويدي هلتكفيست في حوار صحفي، إن هذه المواقع “تريد أن تصور أوروبا على أنها قارة بصدد الانهيار”، وتبدو وكالة الإخبار “أر-تي” مهووسة بتصوير الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية على أنها اقرب منها إلى الجحيم، وفي تغطيتها لمستجدات الاتفاقية الديمقراطية الوطنية على سبيل المثال، تتخطى الخطابات وتركز عوض ذلك على المظاهرات المتفرقة، كما أنها تدافع عن مرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، باعتباره مستهدفًا من قِبل الصحافة.
قالت مارغريتا سيمونيون، رئيسة تحرير “أر-تي” أن القناة كانت قد تم تهديدها لأنها اختصت بتقديم رواية مختلفة عن” وكالات الأنباء الأمريكية”، وقالت إن “أر-تي” تريد أن تقدم الأخبار من وجهة نظر نوعًا ما مختلفة عن المد الإعلامي المعروف الذي له صدى كبير في أوروبا”.
وتجدر الإشارة إلى أن استهداف موسكو للغرب عن طريق التضليل الإعلامي يعود تاريخه إلى برنامج الحرب الباردة الذي كان يطلق عليه الاتحاد السوفيتي اسم “التدابير الفعالة”، وفي وقت سابق، تداولت وكالة الاستخبارات الأمريكية قصة مفادها أن الإيدز مشروع يندرج ضمن سياسة الحرب الباردة.
المصدر: نيويورك تايمز