لا ينتبه أغلب العرب إلى ما تنتجه دولة الاحتلال من فنون، فيتحجج البعض بأنها دولة العدو، ولا يمكننا التعامل مع أي ما تنتجه، حتى ولو كان من الفنون، فلا يشاهد أغلب العرب السينما الإسرائيلية بحجة أنها ستروّج لأفكار دولة الاحتلال التي يرفضها العرب كليًا، ولا يستمع معظمنا إلى الأغاني الإسرائيليلة، أو بالتحديد إلى الأغاني اليهودية، ولا يهتم أكثرنا إلى كيفية عرض إسرائيل لنفسها في الأغاني العالمية، أو كيف يعرض الغرب إسرائيل في أغانيه.
لا يمكن اعتبار المقاطعة، والتي تتمثل في مقاطعة كل العلاقات التي تربط الفرد أو الدولة بدولة الاحتلال شيء خاطيء، إلا أنه لا يمكن أن يكون مجرد فعل اعتباطي، ولا يمكن تطبيقه على الفنون بشكل كامل، خصوصًا إن لم يكن هناك مقابل له على الجانب الآخر، فالسينما الإسرائيلية استطاعت فرض مكانها في السينما العالمية، واستطاعت توفير كل المعدات الفنية التي تتيح لها أن يكون لها دور فعّال في السينما، على الرغم من أنها من أحدث الدول التي دخلت إلى عالم السينما، إلا أنها بلا شك، الأكثر فعالية في استخدام واستغلال السينما للترويج إلى الدولة الصهيونية.
على الرغم من وجود التراث الفلسطيني العريق، وصناعة الأفلام الفلسطينية ذات المعنى والفكرة، إلا أنها لا تضاهي في حجمها الإنتاج الإسرائيلي للفنون، وهذا أمر طبيعي ومتوقع، فلا يسمح الاحتلال للسينما الفلسطينية بالسطوع إلى ساحة الفن بدون أن يدير اللعبة، فإما تكون شركة الإنتاج إسرائيلية، أو يكون الإخراج أو الإنتاج غربي، كما يكون أغلب الممثلين من عرب إسرائيل، وهم الذين يقومون أيضًا بالتمثيل في الأفلام الإسرائيلية نفسها في أدوار لشخصيات عربية.
يختلف الأمر عند فن الغناء، فإسرائيل غنية بمختلف الجنسيات من اليهود، الذين هاجروا إلى دولة الاحتلال أو من ظلوا في بلادهم ولكن مدافعين قلبًا وقالبًا عن دولة الاحتلال، ويستخدمون فنهم كوسيلة للترويج لإسرائيل، بمختلف اللغات في مختلف البلاد، وعلى الرغم من أن التراث الفلسيطيني من الغناء لا مثيل له في الوطن العربي، إلا أن حديثه من الفن أغلب ما يقتصر على القضية الفلسطينية، ويلاقي صعوبة في إيصاله عالميًا بسبب عدم توافر ما يساعدهم على إنتاج عمل ذي جودة تضاهي الجودة الإسرائيلية، إلا أن الشباب الفلسطيني أثبت هنا جدارة في عدم الاستسلام، فعلى الرغم من ضيق اليد في تواجد المعدات، إلا أن مازال هناك إنتاج فني فلسطيني يُحترم.
كيف تصوّر إسرائيل نفسها في الفن المحلي والعالمي؟
استطاعت دولة الاحتلال الدخول إلى الفن العالمي، عن طريق دخول الإذاعة الرسمية الإسرائيلة مجال الإذاعات الأوروبية، لتصبح عضوًا فيه، ومن ثم اشتراكها في مسابقة يوروفيجن للأغاني، هي مسابقة غنائية ينظمها الاتحاد الإذاعي الأوروبي منذ عام 1956، وتعد المسابقة أكبر حدث غير رياضي من حيث عدد المشاهدين، فيقدر عدد مشاهديه بين 100 مليون إلى 600 مليون شخص حول العالم في السنوات الأخيرة، وتم بث المسابقة منذ عام 2000 على الإنترنت أيضًا، فلك أن تتخيل كيف سيكون موقف العالم من دولة إسرائيل المزعومة إذا فازت بمسابقة كتلك، ففازت إسرائيل بالفعل على مسابقة يوروفيجن ثلاث مرات كانت آخرها في عام 1998.
مشاركة إسرائيل في نصف النهائي للمسابقة العام الماضي
يعمل على كتابة وتلحين الأغاني الإسرائيلية في المسابقة أكبر الفنانين الإسرائيلين، كما يساعدهم في ذلك أشهر الفنانين اليهود حول العالم، وذلك من أجل صقل الأغنية جيدًا، وعرض إسرائيل بشكل ممتاز أمام العالم، نعم، الإسرائيليون يأخذون الأمر بشكل جدي للغاية!
موقع راديو ومحو الفن الفلسطيني
صورة من موقع راديو
هناك موقع راديو المشهور (https://radiooooo.com) تجد فيه أن تاريخ فلسطين الفني قد تم محوه كليًا من على خريطة الفن، فراديو هو موقع عالمي، يقدم لك خريطة للعالم، وبالضغط على ما يحلو لك من البلاد، تستطيع سماع ما كان يدور في راديو تلك البلد من أغاني في ذلك الوقت، حيث يقدم لك فترات من 1900 وحتى الآن، أما في حالة إسرائيل فيختلف الأمر، فإذا قمت بالضغط على إسرائيل في عام 1950، يبدأ الموقع في إذاعة الأغاني الإسرائيلية لك، أما إذا قمت بالضغط على عام 1940 فسيظهر الموقع لك رسالة بأن تلك المنطقة كانت فارغة في هذا العهد من الزمان، ولم يتم إيجاد أي إنتاج موسيقي لها، الرسالة معروضة بالشكل الآتي.
كيف يصوّر العالم إسرائيل؟
بعيدًا عن تصوير دولة الاحتلال في بعض الأعمال الفنية بصورة الضحية المظلومة من الإرهاب الواقع عليها من قبل الفلسطينين كما يزعم الإعلام الغربي، وبدلاً من استخدام صور الضحايا والدماء والأطفال كوسيلة ضغط على الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لتأييد إسرائيل عن طريق الابتزاز العاطفي الدولي، وهو بالفعل ما تفعله إسرائيل في حالة شنها لحرب على قطاع غزة، أو في حالة الانتفاضة من الجانب الفلسطيني، إلا أن إسرائيل، ومع استخدامها لكل أساليب الابتزاز العاطفي الممكنة، تقوم أيضًا بإنتاج محتوى ذي قيمة فكرية، يقنع المشاهد الغربي، بدلًا من أن يبتزه عاطفيًا، أو بدلًا من أن يكسب تعاطفه مع قضيته لفترة لحظية.
هذه الأرض لي
هي أغنية من إنتاج أمريكي، تدعى بـ “هذه الأرض لي”، تروي قصة “أرض الميعاد” منذ بداية التاريخ وحتى الآن، بمرور كل الغزاة عليها، في مختلف الحقبات من الزمن، بتصويرها لمختلف الأعراق وهي تتطاحن وتتحارب للحصول على أرض فلسطين، أو أرض اليهود كما تشير إليها الأغنية، حيث تشير كلمات الأغنية إلى:
” أن هذه الأرض لليهود، منحها الله لليهود منذ البداية، وأنه كلما كان العالم مساندًا لإسرائيل، يكون أهلها أقوياء أكثر طالما كانت قوة الإله في صفهم، ليستطيعوا أن يستعيدوا تلك الأرض لهم من جديد، فهي لهم، وهكذا خلقها الله، لهم، وهم سيبذلون كل الجهد لاستعادتها، حتى ولو كان في سبيل ذلك موتهم، فلن يموتوا إلا عليها”.
شاهد فيديو الأغنية
يقوم الإسرائيليون بالمزج بين العبرية والإنجليزية كثيرًا في أغانيهم، فعلى الرغم من قوميتهم المرضية بوطن اليهود، وحبهم اللامنتهي للغة العبرية، إلا أنهم يدركون بالفعل أهمية عرض أفكارهم باللغة الإنجليزية، وتعريف أنفسهم للوسط الفني العالمي بالغناء بلغته، لذا يبذل الإسرائيليون كل الجهد في حبكة الغناء باللغات الغربية، لتجد الأغاني اليهودية منتشرة بالفعل بالإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية، فلا عجب أن يكون الفن نوعًا آخر من الاحتلال، ولا يمكنك أن تحتل فكريًا بدون استخدام اللغة.
هاشيم ميليخ، هو أحد الفنانين الإسرائيلين الذي يعتمد على اللغة الإنجليزية والموسيقى الغربية في أغانيه، ولذلك هو يتمتع بشهرة عالمية، ليستطيع بشكل أو بآخر عرض العبرية بشكل مألوف للجماهير الغربية، بشكل يحبوه ويحبون أن يستمعوا إليه، لأنها ببساطة مقدمة إليهم بالطريقة التي يحبوها أو الطريقة التي اعتادوا عليها.
لا ننسى هنا شهرة اليهود الغربيين في دولة الاحتلال عندما يقومون بالغناء عن أرض الميعاد، وحلم عودة اليهود إليها، فهنا الفنان ماتيشياهو الأمريكي، اكتسب شهرته الأكبر بأغنيتن له عن إسرائيل وعن القومية اليهودية بعنوان “شروق الشمس، والأخرى بعنوان “القدس”.
أغنية شروق الشمس
لا تكون هناك منافسة بدون اختبار ومشاهدة عمل المنافس عن كثب، وفهمه جيدًا، ومراقبة نقاط قوته ومواضع ضعفه، من أجل المنافسة بضراوة، أو على الأقل لمواكبة المنافس في نفس المستوى، وهو ما يغفله العرب، ويستمرون في طريقهم بمقاطعة الفن الإسرائيلي، حتى وصلوا لمرحلة أنهم فقدوا الاتصال بالمنافسة كليًا، وساروا في طريق مخالف لها تمامًا، ليستمر الفن الإسرائيلي في تعزيز فكرة دولة الصهيونية في العالم الغربي بشتى الأساليب، ليتخلف الفن الموازي من العرب، ويقتصر على المحاولات الفلسطينية المجتهدة.