رغم التحفظات التي صحبت مبادرة رئيس الجمهورية وما حملتها من رسائل سلبية، فإنه ومنذ الإعلان عن تكليف يوسف الشاهد برئاسة الحكومة وما لحقه من وعد بأن تتضمن تركيبة حكومته 80% من الشباب والمرأة، ابتهج كثيرون وأنا منهم بعد التنبيه بألا يكون التكليف على أساس صفة الشباب أو المرأة فقط بل أن تكون هذه الصفات صفات لاحقة للكفاءة والنزاهة والنضالية.
ابتهجنا وانتظرنا أن تكون هذه الحكومة تعكس تطلعات جيل ثبت إحباطه ونفوره عن الشأن العام خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية وحتى الطلابية من خلال ضعف مشاركته فيها.
لم يطل الانتظار كثيرًا حتى بزغت شمس حكومة الشاهد وأعلنها حكومة ضمت الشباب والمرأة، بل الأهم أنها حكومة وحدة وطنية واقترحها على مجلس النواب لتحظى بأعلى نسبة تصويت مقارنة بالحكومات التي سبقتها لما قد يدل على أنها حظيت بثقة كل التونسيين.
لكن هل حقًا استجابت لتطلعات هذا الجيل؟
المقصود بهذا الجيل هو جيل ثورة الحرية والكرامة الذي رفض منظومة بن علي وشارك في الثورة متطلعًا إلى تحقيق أهدافها وغيرهم من الشباب الذين قاسموهم الأهداف لاحقًا، جيل يؤمن بالديمقراطية ويتطلع لتطبيقها، يتوق للحرية ويتمنى عيشها، يطمح لنهضة البلاد وتحررها ويأمل بأن يكون عنصرًا في تحقيق ذلك.
جيل تتالت عليه الخيبات إثر الثورة سنة بعد سنة، ربما سقف انتظاراته العالية كان سببًا في ذلك، لكن مسؤولية النخبة التي أوكل لها مهمة تحقيق هذه الانتظارات ثابتة.
الخيبات لم تتوقف مع حكومة الشاهد، من حيث أسلوب اختيار المرشحين لها من قبل الأحزاب المشاركة في الحكومة والذي لم يختلف عن أسلوب اختيار الشاهد نفسه ومن حيث توزيعهم على الوزارات، إضافة إلى بعض الأسماء التي وجدت فيها خلنا أن الثورة غيبتها على أمل التدارك في تنزيل السياسات.
أتجنب الحديث عن المرأة والشباب فالسير الذاتية لوزيرة المرأة ووزيرة الشباب والرياضة تغني عن ذلك.
ونطرح سؤال هل هي حقًا حكومة وحدة وطنية؟
حكومة روج بأنها حكومة وحدة وطنية والحال أنها حكومة أغلبية برلمانية لا غير، والدليل على ذلك بقاء المشهد السياسي على حاله بين المعارضة والموالاة مع تحسينات طفيفة ومع وجود بعض الأسماء فيها من غير العائلات السياسية المكونة للرباعي الحاكم سابقًا سوى اغتنام فرصة لمأرب شخصي ولا وزن لهم إلا في الاستهلاك الإعلامي.
وحتى الأمين العام لحزب المسار المتفكك وغير الممثل في البرلمان فعلى ما يبدو حضوره كوزير فلاحة هو حضور فردي حسب ما يظهر من تدوينات ما تبقى من رفاقه في الحزب المعارضة للحكومة وبعض عناصرها إضافة إلى ما يروج بأن إياد الدهماني فرض مشاركته على حزبه.
الاتحاد العام التونسي للشغل نفسه بدأ قياديوه بالتنصل من مسؤولية إسناد الحكومة شيئًا فشيء ومع اقتراب مؤتمره ستزداد جرعة المعارضة لها.
كانت ستكون بهذه التركيبة حقًا حكومة وحدة وطنية لو تشكلت قبل انتخابات 2014 بالموازنات القائمة حينها، لكن كما يقول المثل الفرنسي أن تصل متأخرًا أحسن من عدم الوصول.
الملفت للانتباه أيضًا أن من الأطراف المشاركة في هندسة مبادرة الحكومة الجديدة من لم تنتظر كثيرًا للانطلاق في معارضة وزراء وبخلفية إيديولوجية والانطلاقة كانت من قبل حركة المشروع تجاه وزير الشؤون الدينية.
ويحذر البعض من أن يصبح مجلس الوزراء ساحة إحدى الجامعات في سنوات الثمانينات خاصة وأن بعض الوزراء من المتعصبين إيديولوجيًا.
وهنا المراهنة على نجاح الشاهد في تطبيق ما أعلنه أمام البرلمان من استعداد للصرامة مع الوزراء كي ينجح في إدارة التنوع.
رغم الملاحظات السابقة وغيرها من الملاحظات التي قد نأتي عليها لاحقًا في علاقة بالحكومة خاصة وبالمشهد السياسي في البلاد عمومًا، أمام هذه الحكومة فرص نجاح في تحقيق نتائج في بعض المهام، لعل أولها من حيث الزمن والأولويات المؤتمر الدولي للاستثمار المزمع عقده في نوفمبر القادم، ويمكن الانطلاق من التنوع الظاهر في هذه الحكومة كفرصة لجلب المستثمرين وإيجاد صيغ تفاهم مع المانحين المطالبين بتسديد ديونهم خلال هذه السنة والسنتين اللاحقتين.
فرصة أيضًا في تجذير الديمقراطية وتثبيتها من خلال النجاح في تحديد موعد نهائي لها والنجاح في القيام عليها قبل انتهاء المدة التشريعية الحالية.
فرصة أخرى أمام هذه الحكومة تكمن في بث الأمل في شباب أنهكته البطالة وقهره الفساد والمحسوبية وانعدام تكافؤ الفرص.
وحتى لا نثقل عليها فأمام هذه الحكومة الفرصة أيضًا في تعميق توافق حقيقي على أرضية مصلحة الشعب والوطن عله يمهد لوحدة وطنية حقيقية في أمد قريب.