العلم وراء الكسل: اكتشافات مثيرة وتطبيقات واعدة

قارئي الكسول العزيز…
أقدر لك مقدار الجهد المضني الذي بذلته حتى وصلت لهذا المقال، بداية من تشغيل جهازك، ضغطك على العديد من الأزرار، وفتحك للكثير من النوافذ حتى وصلت هنا، إنه بالتأكيد أمر مرهق، أرَّق استمتاعك بالاستلقاء على أريكتك المريحة أو سريرك الدافئ أو كرسيك المفضل.
كاتبتك هنا تتفهم تمامًا ما عانيته، فهي ليست أفضل منك حالاً إطلاقًا، لا أخفي عليك، إنني وبلا فخر على مستوى فائق غير قابل للمنافسة، أو حتى المقارنة من الكسل.
لا أعلم بأي حال لما ينهال علينا من حولنا بالانتقادات، بدلاً من تقبلنا على حالنا هكذا كما نتقبلهم بدورنا، إلا أنه الآن صار لدينا حجة قوية، ودليل علمي قاطع نرفع به اللوم عن أنفسنا، ويفسر حالتنا تلك.
جمهور الكسالى شركاء حب الأريكة والاستلقاء، إنه لمن دواعي سروري أن أزُفَّ لكم هذا الخبر السعيد، فقد أرهق أقراننا من البشر على النصف الغربي من الكوكب أنفسهم في البحث، وقادتهم الدراسات والتجارب لحقائق مثيرة حول الكسل.
سبب وراثي.. جين “الأريكة والبطاطا”
يُرجع علماء بقسم السلوك العصبي التابع لجامعة ولاية أوريجون للصحة والعلوم (الولايات المتحدة) قلة الدافع للنشاط الحركي، إلى وجود خلل جينى يصيب الجين SLC35D3 تحديدًا، وهو ما أطلق عليه جين (الأريكة والبطاطا couch potato gene)، نسبة لأولئك العاشقين قضاء أوقاتهم خاملين على أريكة التلفاز، بصحبة أكياس البطاطا المقرمشة.
يعمل الجين السليم على تنظيم مستويات الحركة، عبر تنشيط مستقبلات (الدوبامين) الذي يعمل كناقل عصبي بالمخ مسؤول عن الحركة، والدوافع، وتحفيز السلوك الذي تعقبه مكافأة؛ فيدفعنا للحصول على مزيد من الشعور الإيجابي بالسعي لتكرار الفعل.
عند حدوث طفرة بالجين المسؤول تقل قدرته على تحفيز تلك المستقبلات، مفقدًا نظام الدوبامين بأدمغتنا وظائفه المتعددة، لذا يجد أصحاب جين “الأريكة والبطاطا” أنفسهم مفضلين الجلوس بالأرجاء.
تم استنتاج ذلك من تجارب أجريت على الفئران، تم تقسيمها لمجموعات ومراقبة نشاطها الحركي، وربطه بجيناتها والمقارنة بينها وبين بعضها الآخر في الجيل الحالي والسلالات اللاحقة، يوضحها لنا هذا الفيديو الطريف:
هل نحن مصممون حركيًا لنكون كسالى؟
تارة نمشي رويدًا وتارة نهرول محلقين لنلحق موعدًا هامًا، لكن ماذا عن الأوقات العادية، هل هناك نظم معين للحركة يشترك فيه البشر جميعهم؟
يفترض بحث جديد وجود سبب “بايوميكانيكي” قوي يتحكم بطرق مشينا التي نختارها في المواقف المختلفة، حيث توصل مجموعة من العلماء خلال تجارب أجراها متطوعون على أجهزة للمشي، أننا نغير حركتنا باستمرار بين المشي والركض عندما ننتقل بسرعة 2 إلى 3 أمتار بالثانية (م/ ث).
قد لا نشعر بهذا التغيير في الحركة عند هذه السرعة ويبدو الأمر طبيعيًا، ذلك أن أجسادنا وأدمغتنا تحاول تلقائيًا أن تقلل مقدار الطاقة الذي نستهلكه للوصول من مكان لآخر.
المشي على أجهزة قياس السرعة ربما لا يكون مثاليًا لتحديد الطريقة التي تتجول بها بأريحية وعشوائية في حيك الذي تقطنه، لذا جمع باحثون من معمل الحركة بجامعة ولاية (أوهايو- الولايات المتحدة) Movement lab – Ohaio state university مجموعة من الأشخاص الأصحاء، طلبوا منهم المشي على أروقة طويلة وممرات جانبية، معطين إياهم وقتًا محددًا يقطعون خلاله مسافة 250 مترًا.
نشرت النتائج بمجلة واجهة الجمعية الملكية Journal of the Royal Society Interface، التي وجد أنها طابقت ما توصلت له تجارب أجهزة المشي السابقة، وهي أننا نختار على نحو متسق في اللاوعى أن نمشي عندما نحتاج أن ننتقل بسرعة أقل من 2 م/ث ، بينما نختار الركض عندما يلزمنا الانتقال بسرعة 3 م/ث أو أكثر.
تسعى الأبحاث الحالية للوصول لتوقعات رياضية دقيقة تمكننا من اختبار نظريات الحركة المختلفة تجريبيًا، بدلاً عن الأسلوب السابق الذي اتخذه العلماء المهتمون بدراسة طرق الحركة البشرية، بالاكتفاء بالملاحظة والوصف دون محاولة فهم الكيفية التي نسير تبعًا لها، حسبما يقوله د.جون بيرترام عالم الميكانيكا الحيوية المقارنة Compartive Biomechanist جامعة (كالجاري كندا).
لذا إن كان كسلك ينطبع على حركتك ولاحظ أحدهم ذلك – إن لم يكن الجميع – وحاول أن ينال منك بسخريته، يمكنك أن تضع ساقًا على الأخرى وتتباهى بأن مشيتك في الواقع ألهمت علماء الميكانيكا بدراسة مجال خاص بطرق المشي المختلفة، كما يسعون لتطبيق ما توصولوا إليه في صناعة أطراف صناعية أكثر كفاءة، وروبوتات ثنائية الأقدام أكثر تطورًا وتوفيرًا للطاقة تحاكي البشر بشكل أفضل.
هل الكسل حقًا رائع بهذا القدر؟!
حسنا، الإجابة معلومة سلفًا لنا جميعًا، إننا فقط نبرر لأنفسنا هنا بينما في الواقع ربما علينا التوقف عن التفاخر ومواجهة الجانب المخيف للكسل.
تخبرنا دراسات حديثة نشرت بمجلة PLOS Medicine أن نقص الحركة الجسدية لدى من يغلب الجلوس على روتينهم اليومي يزيد من خطورة التعرض للموت المبكر بأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، والسمنة، والسكر، وأنواع معينة من السرطان.
كما تتضاعف فرص حدوث إصابات المفاصل بمعدلات أكبر عن الأشخاص النشيطين جسديًا، وترتفع معدلات الخطورة أكثر إذا صوحبت بالتدخين، شرب الكحوليات بكميات كبيرة، وقلة ساعات النوم.
نشر باحثون أستراليون تقريرًا يفيد بأن كل ساعة تقضيها في الجلوس لمشاهدة التلفاز، ترفع خطورة الوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية بمعدل 18%، كما يسبب نقص النشاط البدني الشعور بالقلق والاكتئاب.
النساء معرضات أكثر لهذا النمط الخامل من الحياة عن الرجال، بطبيعة نمط حياتهن الذي تغلب عليه الأنشطة المنزلية الداخلية، بعكس الرجال الذين تغلب الأنشطة الخارجية على نمط حياتهم.
تعرفوا أكثر على كيفية نشوء المخاطر الصحية والنفسية الناجمة عن حياة الخمول في هذا الفيديو:
أدوية مضادة للكسل
طبقًا للهرم الغذائي الجديد الذى أعدته وزارة الزراعة الأمريكية USDA، فإن الأشخاص البالغين يلزمهم ممارسة 30 دقيقة من التمارين على الأقل يوميًا، مقابل 60 دقيقة للأطفال، بهدف الحفاظ على وزن ثابت.
الوقاية من مخاطر الخمول البدني يلزمها الحفاظ على معدل يومي ثابت من الحركة، حيث إن أداء التمارين المنتظمة مرتين أو ثلاث أسبوعيًا في نادي اللياقة مع سيطرة الجلوس على نمط حياتك، أمر غير كافٍ ولن يمكنك من تفادي الأضرار.
لذا يأمل الباحثون أن تمكنهم نتائج الأبحاث من تطوير حبوب مضادة للكسل في المستقبل، تستخدم كوسيلة من شأنها تحفيز الذين هم أقل ميلاً لممارسة الرياضة والأنشطة الحركية، حسبما نشرته مجلة علم الوراثة PLOS Genetics.
سيتم تجنيد هذه الحبوب في محاربة السمنة، بإعطائها لمن تم التنبوء مسبقًا عبر التحليل الجيني بما إذا كانوا مهيئين جينيًا لنقص الدافع للحركة والتمرين، مما قد يجعلهم أكثر عرضة للسمنة مستقبلاً.
لسنا مسلوبو الإرادة
ربما يعود الأمر جزئيًا لتكويننا الجيني، لكن هذا لا يعني أن نرفع مقولة الليدي جاجا “لقد ولدنا هكذا – born this way” شعارًا ونسلم له، فلسنا مسلوبو الإرادة كليًا.
أوافقكم أن الأمر صعب خاصة بالبداية، لكنه قابل للتغير، بمجرد أخذ الخطوة الأولى بالبدء ستخضع أدمغتنا بالتكيف، وستكافئنا بعد ذلك.
بعض النصائح التي يوصى بها الأطباء:
– اضبط منبه هاتفك ليذكرك بالقيام بعد كل ساعة عمل، قم بالتمدد وافرد عضلاتك، أو سر لنحو 5:8 دقائق حول مكتبك أو محيط عملك.
– تحدث وتمش مع رفاقك بدلاً من الرسائل النصية على البريد الإلكتروني، ومواقع التواصل الاجتماعي.
– جرب الخروج وحدك في الهواء الطلق على قدميك، من شأن ذلك بجانب مساعدتك على خسارة الوزن، وتنشيط الدورة الدموية بأوعيتك، أن يوقد شرارة الإبداع في عقلك ويولد أفكارًا خلاقة، بينما يتدفق الدم إلى خلايا مخك وجسدك بشكل أفضل.
– انجز مقابلاتك او اجتماعاتك أثناء نزهة مشي مع زملاء العمل، بدلاً من الجلوس حول طاولة الاجتماعات.
وختامًا نعم سنكابد نحن معشر الكسالى العناء في التخلص من عادتنا المحببة رفيقة العمر، فأنفسنا مجلوبة على حب الكسل والشهوات، وقد كان رسولنا الكريم يستعيذ منها دائمًا صباحًا ومساءً، إلا أنه يمكن للعادات أيا كانت متانة تأصلها في تكويننا السلوكى، أن يتخلص منها. وليس هناك طريقة أفضل من استبدالها بأخرى أكثر صحة، ونفعًا، وإنتاجية.