يزور هذا الأسبوع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الرياض وسط انتقادات جديدة للعمليات العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، إضافة إلى فشل المجتمع الدولي لإيجاد حل للحرب الأهلية في اليمن، نأمل من هذا الاجتماع أن يبدأ بإيجاد حل جديد للأزمة الإنسانية والسياسية المدمرة، وحتى الآن فقد فاقمت القوى الدولية والمحلية من الصراع اليمني، إما عن طريق تحقيق مصالح جغرافية سياسية خاصة بهم أو البقاء جانبًا دون مساعدة الأطراف المتصارعة في التفاوض لإيجاد حل سلمي.
هكذا تحدثت “مجلة فورين بوليسي” الأمريكية في مقال تحليلي عن الفشل الدولي في إيجاد حل للأزمة اليمنية ترجمه “مُسند للأنباء” وأوضحت المجلة بأن لإبقاء الأمور في نصابها لا يزال الاستقرار بعيدًا منذ أن تمت وحدة اليمن في عام 1990، إذ الحروب الأهلية والاضطرابات الداخلية العربي منعت جميعها من إنشاء مؤسسات دولة فعالة، أو توطيد ديمقراطية مستقرة، ومع ذلك فصعوبات المواطن اليمني ليست فقط بسبب فشل المؤسسات الخاصة في بلاده، فالحرب الأهلية الجارية في اليمن جاءت نتيجة لسنوات من سوء وإهمال الوضع في أفقر بلد في العالم العربي “اليمن”.
وأشارت المجلة إلى أن دورة العنف في اليمن تغذت بالعلاقات المشتعلة بين إيران والسعودية والعوامل اليمنية في التنافس الإيراني السعودي للهيمنة الإقليمية، ولم يحدث هذا في اليمن فقط وإنما في سوريا أيضًا، وكمأساة للطبيعة السياسية، يبدو أن المجتمع الدولي عاجزًا عن تحقيق السلام في اليمن، حيث عُلقت محادثات السلام في الكويت حاليًا وفشلت المحادثات السابقة في عُمان وبعد هذا كله لا وجود لأية علامة للسلام، بالرغم من أن هذا الصراع أدى إلى مقتل أكثر من 6500 شخص وتشريد لأكثر من ثلاثة ملايين يمني، ومع ذلك الصراع لا يزال مستعرًا، وفي نهاية المطاف ستحتاج القوى الأجنبية لتقديم تنازلات في مواقفها ومصالحها الذاتية لإيجاد حل سلمي للأزمة اليمنية.
في شهر مارس 2015 وبعد وقت قصير من استيلاء جماعة التمرد الزيدية المهيمنة “أنصار الله” على العاصمة صنعاء، شكلت المملكة العربية السعودية تحالفًا من ثماني دول عربية سنية أخرى، والتي بدأت بتنفيذ الغارات الجوية في محاولة لسحق التمرد واستعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي والاستقرار إلى اليمن.
نَفي هادي وتقوية مكاسب الحوثيين في صنعاء وعدن يعني أنهم يسيطرون وبشكل كامل على الهيئات الإدارية في اليمن، ولم يقتصر الأمر على سيطرة الحوثيين غير القانوني على السلطة ولكنها ألغت أيضًا ثمرات متظاهري الربيع العربي الذين أطاحوا ومنذ فترة طويلة بالرئيس علي عبدالله صالح المتحالف الآن مع جماعة الحوثي.
مخاوف سعودية
وأكدت المجلة أنه كان يجب على التدخل السعودي عمل الكثير مع تصوراته للعلاقات بين الحوثيين والعدو السياسي والإقليمي للمملكة السعودية “إيران”، وقد وجدت المخاوف السعودية بشأن التدخل الإيراني في اليمن قبل التمرد الحوثي والربيع العربي، ولكن في ضوء الاضطرابات والاتفاق الناجح بين إيران والمجتمع الدولي فقد أخذت هذه المخاوف أهمية جديدة، وقد عارض السعوديون منذ فترة طويلة أي تعدٍ ملحوظ لإيران في شبه الجزيرة العربية، وهي السياسة نفسها، التي كانت واضحة خاصًا في البحرين واليمن.
كان هذا التدخل بمثابة كارثة لكلٍ من اليمن والسعودية، ففي أغسطس وحده أصابت الغارات الجوية بقيادة السعودية مدرسة ومستشفى، مما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين وإجبار أطباء بلا حدود على مغادرة اليمن، وقد دفعت هذه الأحداث أيضًا صحيفتي نيويورك تايمز والجارديان للمطالبة بوقف بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع استدعى الجيش الأمريكي مستشاريه، الذين كانوا يساعدون حملة المملكة العربية السعودية في اليمن، كما يواصل الحوثيون تحقيق مكاسب جديدة حيث احتشد عشرات الآلاف من اليمنيين الشيعة في صنعاء السبت تأييدًا لحزب المؤتمر الشعبي العام ومجلس حكمه الجديد، وقد أعلنوا عن خطط لتشكيل حكومة كاملة.
ومع تعزيز الدعم لقوات الحوثيين وحليفهم علي صالح فقد عمق وأطال التدخل السعودي من الأزمة، وقد تضاءلت سمعة المملكة مع حلفاء رئيسيين مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وأضر أيضًا بمصداقية وزير الدفاع ونائب الأمير، ولي العهد “محمد بن سلمان” الذي يعتبر النجم الساطع في أسرة آل سعود، الفشل المأساوي للجهود السعودية في اليمن لا يمكن أن تكون أسوأ من هبوط أسعار النفط وتدابير التقشف الجديدة، حيث يعتبران التحديات الداخلية للنظام السعودي.
وأشارت المجلة إلى أن الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية وإيران ساهمت في كثرة المشكلات اليمنية، ولم تكتف الولايات المتحدة الأمريكية بتزويد التحالف السعودي بالأسلحة ومساعدتهم على تنسيق حملتهم، ولكنها فشلت في دفع المملكة السعودية إلى السعي لحل سلمي؛ لأن السعودية تعتبر الحوثيين عدوًا مدعومًا من إيران، ونظرًا لانشغال الولايات المتحدة في محاربة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، لم تتخذ دورًا قويًا بما فيه الكفاية لتجديد محادثات السلام اليمنية وقد لاحظ الكثير بأن دعم الولايات المتحدة للتحالف بقيادة السعودية جاء كوسيلة لطمأنة تحالف المملكة عقب الاتفاق النووي الإيراني.
أما بالنسبة لإيران فبالرغم من أنها تنفي تقديم أي دعم مادي للمتمردين الحوثيين فقد تم توثيق ومعرفة الروابط بينها وبين مواطنيها الشيعة في اليمن، منذ بدء الحملة العسكرية العام الماضي بقيادة الخليج العربي وإيران لم تمارس أي ضغط على المتمردين الحوثيين لإلقاء أسلحتهم والدخول في مفاوضات سلمية تهدف إلى بناء الدولة اليمنية القادمة، تم نشر تقارير تفيد بتواجد “جيش التحرير” المدعوم من إيران في مناطق صراع كاليمن، أثارت الذعر في المملكة العربية السعودية وزرعت مزيدًا من عدم الثقة وشكل تهديدًا مباشرًا للتصعيد في الصراع اليمني.
الدب الروسي
أعربت موسكو عن تأييدها لحكومة هادي وأطلقت على استيلاء الحوثيين للسلطة بأنه غير شرعي “انقلاب”، ومع ذلك فقد عارض الكرملين أيضًا الحملة الجوية التي تقودها السعودية وانتقد الدور الذي لعبته الحكومات الغربية بمنع تنفيذ وقف إطلاق النار، وقد أعلنت “موسكو” عن مفاوضات بين جميع الأطراف، التي تعترف بكل من شرعية هادي ودور الحوثيين في الدولة اليمنية القادمة، ونتيجة لذلك لاحظت بعض الجهات الفاعلة في اليمن موقف روسيا بشأن الحرب الأهلية اليمنية بمثابة دعم للحوثيين، في حين أن التوازن الدقيق، الذي ضرب من قِبل روسيا والذي فسح لها المجال لوساطة بين السعودية وإيران وبين حكومة هادي والحوثيين، تركز روسيا معظم اهتمامها في منطقة الشرق الأوسط على الحرب في سوريا حيث لم تلعب دورًا بارزًا في التفاوض على حل الأزمة اليمنية.
في 12 أغسطس أكد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف دعم موسكو لحكومة هادي ورفض الاعتراف بالمجلس السياسي كهيئة لحكم البلاد من جانب واحد، والذي أُعلن عنه الشهر الماضي من قِبل المتمردين الحوثيين ومقاتلين موالين للرئيس السابق علي صالح، وقد وصف بوغدانوف “المجلس السياسي” بأنه مجرد وسيلة لإضفاء الشرعية على “انقلاب”.
ولكن في نفس ذلك اليوم قال علي صالح لقناة “روسيا 24” أن المجلس السياسي كان على استعداد لمنح الروس حق الوصول إلى المطارات والموانئ وتقديم كافة التسهيلات وذلك بغرض محاربة الإرهاب، المراقبون قالوا بأن روسيا من المحتمل بأنها ترى الحرب الأهلية اليمنية إلى حد بعيد وبالتالي موسكو تتجنب خلق توترات مع أي فصيل قد يأتي على رأس القائمة في المستقبل.
وقد حلل “لوبلوق” سابقًا رهانات الكرملين ونهجه الخفي للأزمة اليمنية: فروسيا تعد صعود الحوثيين مكسبًا لإيران وخسارة للمملكة العربية السعودية خاصة بالتبعية للولايات المتحدة، إذا استطاع الحوثيون السيطرة على اليمن وقتًا أطول فإنهم سيصلون إلى قوى غير غربية مثل روسيا والصين ولا سيما بسبب الدعم الغربي للرياض في حربها على اليمن، علاوة على ذلك وبالنظر إلى قيمة موقع اليمن فإن الكرملين باستطاعته استعادة قدر أكبر من النفوذ في المنطقة، إذا تمكن من الوصول إلى موانئ اليمن.
خلال الحقبة السوفيتية استطاعت موسكو الوصول إلى قاعدة بحرية بالقرب من خليج عدن.
في فبراير 2015 زار وفد الحوثيين موسكو، تم عرض اتفاقيات مربحة في مجال الطاقة والزراعة بما في ذلك الوعد بالسماح للشركات الروسية لاستكشاف محافظة مأرب، التي أكد الحوثيون بأنها قريبًا ستكون تحت سيطرتهم، ووفقًا لمصادر سعودية بأنه عندما زار محمد بن سلمان روسيا وقال بأنه يسعى للحصول على دعم موسكو لموقف الرياض المتشدد على الحوثيين ولكنه فشل في القيام بذلك.
“التنين والأزمة اليمنية“
الصين من جانبها كانت صامتة طوال فترة الصراع، “وفي وقت سابق” دعت بكين إلى مفاوضات متعددة الأطراف ودعمت جهود السلام للمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، لكنها لم تأخذ موقفًا رسميًا إلى جانب التحالف العسكري بقيادة السعودية برغم رفعها للمخاوف الإنسانية والدعوة لوقف إطلاق النار، هذا لا يعني بأن الصين ليس لديها مصالحها الخاصة في اليمن، فبكين تعتمد على خليج عدن وباب المندب الشريان الذي يفصل اليمن بالقرن الإفريقي بنحو 18 ميلًا في الوقت الذي تسعى فيه الصين لإحياء طريق تجارة الحرير القديم.
تدخل موارد الطاقة اليمنية نفسها المعادلة أيضًا وعلى الرغم من كثرة النفط اليمني والفقر مقارنةً مع دول الخليج المجاورة، مازالت اليمن لديها بعض احتياطيات الطاقة، الصين والتي تعتبر دولة متعطشة للنفط لديها مصالح في تأمين الشركات في مجال الطاقة مع كل الدول التي تصدر النفط حتى مع دول تصدر النفط بكمية قليلة، في الواقع كانت الصين أكبر مشتر للنفط اليمني قبل تراجع الصادرات في خضم الحرب الأهلية.
في السنوات الأخيرة قامت البحرية الصينية بعمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن وانضمت إليها الولايات المتحدة وفرنسا واليابان والمملكة العربية السعودية لتوسيع وجودها العسكري في جيبوتي وإنشاء أول قاعدة عسكرية في الخارج في دولة القرن الإفريقي، محلل متفائل قد يؤكد أن التزام الصين لتعزيز الأمن والاستقرار في المسطحات المائية على طول طريق الحرير البحرية للقرن الواحد والعشرين والوصول إلى أسواق نفطية جديدة من شأنه أن يضغط على الصين لتكثيف الجهود الدبلوماسية لجلب الأطراف المتصارعة في اليمن إلى تسوية سلمية.
مع ذلك حتى الآن كل الجهود الدولية لإنهاء الحرب الأهلية اليمنية أثبتت عدم جدواها، وقد سمحت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وإيران من خلال حماية المصالح الجغرافية السياسية الخاصة بهم للوضع في التدهور وتدمير البنية التحتية وقتل الكثير من الأرواح، وقللت أيضًا من احتمال التوصل إلى حل سلمي، وفي الوقت نفسه فشلت روسيا والصين في توسيط الأدوار، التي ربما قد تجلب مختلف الجهات المعنية إلى الطاولة للبحث عن حل سلمي، وقد أعطى عدم الاستقرار في اليمن فرصة للمتطرفين مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية للتوسع في مناطق جديدة ووطدت فقط سيطرة الحوثيين على صنعاء.
نحو بناء مشترك دولي موحد
حان الوقت للمجتمع الدولي أن يسعى مرة أخرى إلى حوار مفيد بين جميع الأطراف اليمنية، وقد كان استيلاء الحوثيين على الدولة اليمنية غير قانوني وغير دستوري وتسبب بالتأكيد في الفوضى والدمار وتعميق الانقسام داخل البلاد، ومع ذلك لا يمكن لحل سلمي أن يتجاهل الحوثيين وألا يغفل دورهم في تشكيل النسيج المجتمعي في اليمن، على الرغم من أن الأمم المتحدة قد اتخذت زمام المبادرة في إجراء محادثات السلام في الكويت.
يجب على المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وإيران بذل مزيد من الجهود لدفع جميع الأطراف إلى المشاركة في حوار هادف، وللقيام بذلك يجب فرض اتفاق أبريل لوقف إطلاق النار إلى جانب إيقاف الحملة العسكرية التي تقودها السعودية ووقف أي تمويل إيراني للمتمردين الحوثيين، ويجب على المجتمع الدولي بأسره أن يلتزم ببناء الدولة اليمنية السلمية الموحدة والمستقرة، أما بالنسبة للمتمردين الحوثيين فيجب أن يسمحوا للرئيس هادي وحكومته الشرعية التي في خارج البلاد للعودة إلى الحكم مقابل دور فعال في المصالحة الوطنية.
وأي حل في اليمن يجب أن يتضمن البنود الأربعة الرئيسة وهي نزع فوري لسلاح القوات المتمردة وحوار وطني شامل والالتزام بالعدالة الانتقالية وإصلاح مؤسسي ودستوري كبير، ومن شأن هذه العملية أن تجمع بين الحوثيين والسكان السنة في اليمن، يجب أن تتركز كل هذه الجهود على إنهاء الأعمال العدائية وتفكيك وإعادة إدماج قوات المتمردين ومعالجة المظالم الطائفية منذ فترة طويلة والاعتراف بمظالم الماضي والتعويض عن خسارة الحرب وبناء الثقة بين الأطراف المختلفة وضمان العدالة المناسبة وفقًا لسيادة القانون وتصميم مؤسسات حكم جديدة التي تشمل جميع المجتمعات بما في ذلك الحوثيون، ومن الواضح أن مؤتمر الحوار الوطني واتفاق دول مجلس التعاون الخليجي في 2011 قد فشلت في تحقيق هذه الأهداف.
الدول الخارجية والجهات المحلية الفاعلة يجب أن تتعاون مع اليمنيين
لدى المجتمع الدولي دور يلعبه لتسهيل عملية دقيقة ومقسمة كهذه من خلال توفير الخبرات اللازمة، وعلى الرغم من أن الشعب اليمني يجب أن يؤدي هذا بنفسه، يجب على الأمم المتحدة وبدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي وروسيا والصين وإيران يمكن لها أن تعمل مع مختلف الأطراف لوضع خطة مصالحة وضمان تنفيذ الأهداف حتى تستمر هذه العملية دون انقطاع.
ومن الواضح بأن التدخل الأجنبي في اليمن عبر تقديم الدعم لمختلف الجهات في البلد والذي مزقته الحرب قد صاعد وأطال أمد الصراع، وهذه الأعمال لا تخدم سوى المصالح الاستراتيجية للقوى الأجنبية، اجتماع كيري هذا الأسبوع في الرياض يمثل الأمل بالاستعداد نيابة عن الجهات الدولية الفاعلة للسعي في طرق جديدة.
المصدر:مُسند للأنباء