استأنفت الحكومة الموريتانية مؤخرًا اتصالاتها مع مختلف الأحزاب السياسية للتعجيل بترتيب الحوار السياسي الذي دعا إليه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز مستهل السنة الماضية وأكده في شهر مايو من العام الجاري، في وقت تؤكّد فيه أطراف المعارضة عدم جدية السلطة في دعوتها لهذا الحوار.
وكثفت الحكومة الموريتانية، هذه الأيام جهودها من أجل انطلاق الحوار السياسي الذي طال انتظاره، على الرغم من تأكيدات أبرز القوى السياسية في المعارضة رفضها المشاركة فيه.
الرئيس يعطي تعليماته بالدخول في حوار شامل
دعا الوزير أمين عام رئاسة الجمهورية الموريتانية مولاى ولد محمد لغظف، أحزاب المعارضة الرئيسية (المنتدى، تكتل القوى الديمقراطية)، إلى الالتحاق بركب الحوار الوطني قبل فوات الأوان، حسب قوله.
القيادة السياسية ترى أن موريتانيا بحاجة إلى حوار يرسخ الديمقراطية ويقوى الوحدة الوطنية
وقال المسؤول الذى يرأس وفد السلطة في الحوار السياسي المرتقب خلال مؤتمر صحفي، في وقت سابق، في نواكشوط، إن الرئيس محمد ولد عبد العزيز، أعطى تعليماته بالدخول في حوار شامل وكامل يضمن تجاوز كل الخلافات بين الطبقة السياسية في موريتانيا ويشارك فيه كل المهتمين بالمصلحة العليا للوطن من سياسيين ونقابيين ومثقفين.
وأكد لغظف، أن القيادة السياسية ترى أن موريتانيا بحاجة إلى حوار يرسخ الديمقراطية ويقوى الوحدة الوطنية.
وبدأ الحديث عن الحوار السياسي في موريتانيا حين أعرب الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، خلال مهرجان ترأسه مطلع العام الماضي في إحدى مدن شمال البلاد، عن استعداده لإطلاق “حوار وطني شامل” مع كافة القوى السياسية في البلد بما فيها أحزاب المعارضة، وعاد الرئيس ولد عبد العزيز ليجدد دعوته للمعارضة كي تشارك في الحوار، حيث أكد في خطاب ألقاه في الثالث من مايو الماضي بمدينة النعمة (أقصى شرق البلاد) أنه مستعد لإجراء “حوار شامل وجامع” مع كل الأطراف السياسية في البلد، دون أية شروط ولا قيود، مبرزًا أن هذا الحوار سينطلق في غضون أقل من شهر، سواء قبلت المعارضة بالمشاركة فيه أم لم تقبل، لكنه لم يبدأ بعد.
المعارضة تشكك في نوايا النظام
رغم تأكيد الأطراف الحاكمة رغبة الرئيس محمد ولد عبد العزيز أن يكون الحوار المنتظر شاملاً لجميع المواضيع وأن يكون حوارًا دون خطوط حمراء وبدون سقف زمني، وأن يشارك فيه الجميع من أحزاب سياسية وحركات سياسية ومجتمع مدني ومثقفين، فإن المعارضة تقول إنه لا فائدة من الحوار مع النظام الحالي، معتبرين أن النظام الحالي لا يمتلك أي عامل يجعل الحوار معه مجديًا.
وتقول المعارضة إنه رغم تظاهر الرئيس الحالي الدائم بانتهاج سياسة الانفتاح والاستعداد للحوار، فإن ذلك يبقى، في حدود المناورة السياسية ومحاولة شق الصف المعارض، حسب قولهم.
إذا كان لا بد من حوار فليكن من أجل إنهاء التمرد، وإعادة الشرعية قبل انتهاء المأمورية الحالية
بدوره أعلن الرئيس السابق أحمد ولد داداه (يقود حزب تكتل القوى الديموقراطية )، عدم استعداد حزبه للدخول أو التجاوب مع حوار مبهم يقرره النظام من جانب واحد، حوار معلوم النتائج مسبقًا، ومعدّ على مقاس النظام وحاجة في نفسه، حسب قوله.
من جهته شدد الرئيس الموريتاني الأسبق ولد محمد فال على أنه “إذا كان لا بد من حوار فليكن من أجل إنهاء التمرد، وإعادة الشرعية قبل انتهاء المأمورية الحالية”، وكان الرئيس الأسبق قد أكد في بيان أخير له “أن الحديث عن الحوار السياسي ومحاولة إطلاقه مع النظام الحاكم في موريتانيا حاليًا، ضرب من الفضول وطلب لما لا طمع فيه، نظرًا لما يتضح من عدم جدية لدى النظام ورفضه لأي مسار من شأنه أن يقود لحلول توافقية”.
رئيس حزب اتحاد قوى التقدم (أحد أحزاب منتدى المعارضة)، محمد ولد مولود في لقاء تلفزيوني، من جهته، رفض ما أسماه “الحوار الأحادي الذي يراد منه تسويق أجندة خفية وإبقاء الوضع في نفس المربع”، وفق تعبيره، مبرزًا أن “موريتانيا في خطر بات من الملح نزع فتيله، وهو ما لن يتأتى إلا عن طريق حوار ينهي أزماتها المستفحلة”.
مطالب المعارضة
وتطالب المعارضة الموريتانية بإعادة تشكيل كل من المجلس الدستوري والإدارة العامة للسجل السكاني والوثائق المؤمنة واللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، والإدارات ذات الصلة بالعملية الانتخابية بوزارة الداخلية مع تعيين قائمين عليها ممن يحظون بثقة الجميع.
وتشترط كذلك “فصل الصفقات العمومية والتراخيص المختلفة والخدمات العامة عن السياسة قبل أي انتخابات مرتقبة، مع مراجعة وتطبيق قانون ميزانيات حملات المترشحين، وتحديد سقف مالي لمشاركة الشخص الواحد في ميزانية المترشح”، إضافة إلى المطالبة بإعلان رسمي من قبل القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس الجمهورية، بتحريم أي ممارسة للعبة السياسية على أفراد القوات المسلحة وقوات الأمن الوطني، وإدلاء قادة المؤسسة العسكرية والأمنية بتصريح علني يؤكد الطبيعة الجمهورية للمؤسسة، والتزامهم بأن يكونوا على مسافة واحدة من جميع الفرقاء السياسيين”.
وتشترط المعارضة من ناحية أخرى، فتح وسائل الإعلام العمومية أمام جميع الفرقاء السياسيين بصورة عادلة ومستمرة على أن تدار هذه المؤسسات من طرف كفاءات مستقلة.
تؤكد قوى من المعارضة وجود معوقات حقيقية وجوهرية تمنع من الثقة في أي حوار مع نظام الرئيس
وفيما يتعلق بالتحضير المادي تشترط المعارضة مراجعة النصوص الانتخابية بصورة توافقية، والإسراع في إكمال تسجيل المواطنين في السجل السكاني والوثائق المؤمنة في الداخل والخارج وإلغاء الرسوم على بطاقة التعريف، مع القيام بالتدقيق في السجل الانتخابي، وإشراك جميع الفرقاء في إعداد اللائحة الانتخابية.
وتؤكد قوى من المعارضة وجود معوقات حقيقية وجوهرية تمنع من الثقة في أي حوار مع نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز منها أنه لا يمتلك القدرة ولا الشجاعة للدخول في حوار وطني تشارك فيه كل الأطراف ويخرج بحلول شاملة، ومن هذه المعوقات تجربته السياسية وتعامله مع كل الحوارات التي حاول الموريتانيون تنظيمها لتذليل حالة الاحتقان والأزمة الخانقة التي يعيشها البلد، والذي أوضحت عدم جديته وتلويحه بالحوار فقط لأهداف شخصية تخدم بقاءه في السلطة، حسب قولهم.
من جهة أخرى، أكدت صحف محلية في موريتانيا أن أولى جلسات الحوار الوطني المنتظر، ستعقد بداية شهر سبتمبر المقبل، وأكدت صحيفة “البديل” الإلكترونية الآنية نقلاً عن مصادر في الأغلبية الحاكمة أن جلسات الحوار المقبل ستشهد مشاركة الإسلاميين المنضوين في حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل”، وكذا مشاركة حزب اتحاد قوى التقدم الذي يضم نشطاء ما كان يعرف باليسار الشيوعي سابقًا، وهما من أهم الأحزاب المنضوية تحت لواء منتدى المعارضة.”