ترجمة حفصة جودة
كما حدث في حياته، فالأمر كذلك في وفاته، لقد كان نظام حكم إسلام كريموفيتش واحدًا من أكثر الأنظمة السرية والغامضة في العالم لربع قرن من الزمان، والآن يكتنف وفاته نفس هذا القدر من الغموض.
ترددت الكثير من شائعات وفاة رئيس أوزبكستان يوم الإثنين الماضي، هذا الديكتاتور الذي كان قاسيًا مع خصومه، حتى إنه قام بحبس ابنته، لكن لم يرد أي تأكيد رسمي حتى الآن، وفي يوم الثلاثاء، ظهرت الفواكه والخضروات لاحتفالات يوم الاستقلال المقبلة دون ذكر كلمة واحدة عن صحة الرئيس.
أكدت ابنة الرئيس لولا كريموفا شائعات مرض والدها على إنستجرام يوم الإثنين، وقالت إن حالته مستقرة في المستشفى بعد إصابته بنزيف في المخ، وكانت وكالة أنباء “فرغانة” ومقرها في روسيا، أول من أعلنت عن تدهور صحته ثم أعلنت مساء يوم الإثنين أنه توفي ظهر هذا اليوم.
كان دانيل كيزلوف – مدير فرغانة – قد صرّح للغارديان يوم الثلاثاء أنه متأكد بنسبة 99% من وفاته، واتفق مراقبو أوزبكستان الآخرون على أن الرئيس قد مات أو أنه على أسوأ الظروف لن يستطيع إدارة البلاد مرة أخرى، رغم قلة التفاصيل المتاحة.
قال ستيف سويردلو – باحث في شؤون وسط آسيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش وقضى سنوات عديدة في العمل على قضايا أوزبكية – “لا فكرة لدينا عن يوم وقوع الحادث لأول مرة، فالبعض قالوا إنه الخميس والبعض قالوا بأنه السبت، يبدو أن نظام كريموف جبان وغامض لدرجة أنه لا يستطيع أن يعطينا معلومات مؤكدة، فحتى في الموت مازال كريموف ثعلبًا ماكرًا”.
إذا افترضنا أن كريموف قد مات، فالسؤال الذي يلوح في الأفق الآن من سيكون خليفته؟ عندما مات ديكتاتور تركمانستان بعد فترة طويلة في الحكم، قبل عقد من الزمان، تم استبداله سريعًا بوزير الصحة السابق والذي سارع بتفكيك هذا التمجيد لشخصية سلفه، حتى يستطيع بناء شخصيته.
شكك المحللون أن تكون هناك خطة ما في أوزبكستان؛ نظرًا لضعف كريموف في السنوات الأخيرة، وحتى لو كان هناك خطة فربما لن يتم الالتزام بها.
تعتبر هذه الدولة واحدة من أكثر الدول سرية وانغلاقًا في العالم، فنادرًا ما يسافر كريموف للخارج أو يقوم بعمل مقابلات صحفية، ويستطيع القليل من المنافسين إبصار الصراع على السلطة وما يحدث خلف الأبواب المغلقة، بينما ينتظر المحللون والدبلوماسييون لمشاهدة هل سيكون انتقال السلطة سلسًا أم وعرًا.
وبغض النظر عما سيحدث، فإن الفوضى ستدب في البلاد التي لم تختبر الحياة بدون كريموف أبدًا، والذي كان آخر رئيس للحزب السوفيتي عندما كانت أوزبكستان جزءًا من الاتحاد السوفيتي، وحكم البلاد منذ استقلالها عام 1991، وكان من المفترض أن تحتفل أوزبكستان بعيد استقلالها الـ 25 يوم الخميس، لكن مراسل “بي بي سي المحلية” قال بأن الاحتفالات قد أُلغيت.
قال كيزلوف إن هناك معلومات وردت من مصادره الخاصة أن هواتف جميع المسؤولين الرئيسيين مغلقة منذ يوم الثلاثاء، ربما لمنعهم من تنظيم أو مناقشة أي مؤامرات محتملة،
وأضاف كيزلوف “إننا لا نعرف الكثير حقًا، قد يكون هناك خطة مسبقة الفعل، وربما تحدث معركة الآن، أو ربما هناك مفاوضات، لا توجد معلومات مؤكدة بالفعل”.
تشترك أوزبكستان في حدودها مع أفغانستان وينظر إليها روسيا والغرب على أنها ذات أهمية استراتيجية، وكانوا على استعداد لغض الطرف عن انتهاك كريموف لحقوق الإنسان عقب هجمات 11 سبتمبر، مقابل الحصول على قواعد جوية هناك، وفي عام 2004 أقالت بريطانيا سفيرها في البلاد اعتراضًا على انتهاك حقوق الإنسان.
في العام التالي، قتلت قوات أمن كريموف مئات المتظاهرين العزل في مدينة أنديجان، وأدانت جماعات حقوق الإنسان تلك المجزرة لكن لم يتم التحقيق فيها بشكل صحيح، ويقول سويردلو “هذا الحدث هو الأكثر دموية خارج نطاق الصراعات المسلحة على أراضي الاتحاد السوفيتي السابق، وأظهر هذا اليوم وحشية كريموف أكثر من أي شيء آخر، وحقيقة رحيله عن العالم دون الإجابة على أي من ذلك، هو أمر محزن للضحايا بشدة”.
كان كريموف متهمًا بالتعذيب وانتهاك جميع حقوق الإنسان، وفي السنوات الأخيرة أصبح التركيز منصبًا على عائلته، وحتى الآن لا يستطيع أن يعرف أحد مكان ابنته الكبرى جلنار كريموف، والتي كانت تُعتبر خليفة أبيها المحتمل لسنين طويلة، فقد كانت شخصية عامة وأطلقت العديد من العلامات التجارية في عالم الموضة والموسيقي تحت اسم “جوجوشا”، حتى إنها قامت بأداء دويتو “الحب الغريب” مع الممثل الفرنسي جيرارد ديبارديو.
في عام 2014، صرّح ابن جلنار للغارديان، إسلام كريموف الأبن، الذي يدرس في جامعة أكسفور بروكس، أنه يخشى على حياة والدته، وكشف عن وجود عداء غير عادٍ من أسرته الأولى، ثم قال إنه تم منعه هو ووالدته من زيارة جده الرئيس لفترة طويلة وعندما حظى أخيرًا بمقابلته، واجه تعاليًا ظاهرًا من الرئيس وزوجته وابنتهما، وبعد فترة وجيزة، تم وضع جلنار تحت الإقامة الجبرية ولم يعد معروفًا مكانها حتى هذا الحين، وإذا ما زالت على قيد الحياة.
ربما تصبح التفاصيل واضحة في وقت لاحق هذا الأسبوع، فمن الصعب على السلطات أن تستمر في إخفاء ذلك، ناهيك عن تفسير غياب كريموف عن الاحتفالات إذا لم يتم إلغاؤها، ومن المعتقد أن تكون جلنار خارج سباق السلطة، بينما يرى المحللون أن رئيس الوزراء ومدير الأمن هما القوتان الرئيسيتان في البلاد.
يقول ديدري تينان – مدير مشروع آسيا الوسطى في منظمة “International Crisis Group” -: “إذا كان هناك نزاع بين عدة جهات، فسوف يحرصون على أن يكون ذلك خلف الأبواب المغلقة، فالمخاطر قد تصبح مضاعفة إذا لم يستطيعوا الاتفاق على جبهة عامة موحدة”.
المصدر: الغارديان