بعد الجدل الكبير الذي خلفته كلماته الصوتية، انتهت المسيرة الجهادية لطه أسعد فلاحة المُكنى بـ “أبي محمد العدناني” عن عمر يناهز 39 سنة، قضّى ثلثها مقاتلاً في صفوف تنظيم القاعدة ثم دولة العراق الإسلامية ثم الدولة الإسلامية في العراق والشام وصولاً إلى “الدولة الإسلامية”.
يوم الثلاثاء 30 أغسطس 2016، لن يكون يومًا عاديًا في الذاكرة الأمريكية، بل سيكون يومًا للذكرى، يحتفل فيه مسؤولو البيت الأبيض وكبار مسؤولي الاستخبارات الأمريكية ووزارة الدفاع “البنتاغون” بمقتل “أبي محمد العدناني” الناطق الرسمي باسم تنظيم الدولة، والذي لم يترك فرصة ظهر فيها إلا وهددهم بحرب “لا هوادة فيها ولا تراجع”.
فجأة ودون سابق إنذار أو إعلام، نشر الجهاز الإعلامي لتنظيم الدولة بيانًا عاجلاً أعلن فيه عن مقتل أبي محمد العدناني أثناء تفقده العمليات العسكرية في ولاية حلب، ليعلن عقب ذلك مسؤول دفاعي أمريكي أن بلاده نفذت ضربة جوية استهدفت العدناني.
العدناني “خطيب الدولة المفوه” أو “المنجنيق” كما يطلق عليه مراقبون، بلا شك سيشكل فقدانه خسارة كبيرة للدعاية الإعلامية لتنظيم الدولة، فالرجل الّذي اشتهر بتهديداته وتصريحاته التي طالت العديد من دول العالم، من أبرزها “إننا نريد باريس قبل روما، ونريد كابول، وكراتشي، والرياض، وعمّان، وأبو ظبي وغيرها”، يكاد يجمع الباحثون في الشأن الجهادي أن لا بديل له ولا نظير لخبرته وسيرته الجهادية مهما حاول أنصار التنظيم جاهدين التقليل من تأثيرات مقتله.
بمقتل “طه صبحي فلاحة”، يتأكد فعليًا أن تنظيم الدولة الإسلامية لم يعد ذلك التنظيم المستحيل اختراق صفوفه الأولى، بل كشف النقاب عن حقيقة أراد البعض إخفاءها وهي أن التنظيم نخرته الاختراقات ونجحت في كشف أوراقه لدى التحالف الدولي الّذي نجح في استهداف عشرات القياديين في الصفوف الأولى والثانية والثالثة رغم حملة التخويف والتنكيل التي قام بها مقاتلو التنظيم ضدّ جواسيس التحالف الدولي على الأرض.
أبو محمد العدناني كان “دينامو” الجهاز الإعلامي لتنظيم الدولة، حيث كان أول من ظهر وأعلن كسر الحدود وإعلان “الدولة الإسلامية” جنبًا إلى جنب مع أبي عمر الشيشاني الّذي لقي هو الآخر حتفه في 13 من شهر يوليو 2016، كما يعدّ الرجل الأخطر في “الدولة” لأنه من القياديين القلائل الذين واكبوا التحول الكبير في المسيرة الجهادية لتنظيم القاعدة في العراق، كما أنه شغل منصب الناطق الرسمي لجهاديي بلاد الرافدين منذ عقد من الزمن وكان من خاصة تلاميذ أبي بكر البغدادي وفق ما ذكر ذلك الشرعي العام للدولة تركي البنعلي.
العدناني أو منجنيق تنظيم الدولة كما يحلو لأنصاره أن يسمّوه خالط كبار قادة القاعدة ومشتقاتها بدءًا من أبي مصعب الزرقاوي وصولاً إلى أبي بكر البغدادي، كما تدرّج في الرتب الجهادية منذ بداية الاحتلال الأمريكي للعراق، وهو ما يؤكد أن خسارة الصندوق الأسود لتنظيم الدولة كان أكبر ضربة ناجحة في تاريخ عمليات التحالف الدولي التي انطلقت منذ عامين بهدف هزيمة التنظيم في كل من العراق وسوريا.
العدناني الذي “حُبس في سجون الأمريكيين مرتين، وقضى في أحد محبسيه قرابة الست سنين، وقد وضع في خيمة الزرقاويين التي كانت تضم أبرز الأعيان الذين عرفوا بالخط الأول من المقاتلين حول الشيخ أبي مصعب الزرقاوي، لم يكن أول قيادي كبير يتم استهدافه من قبل طائرات التحالف عام 2016، بل هو ثالث شخصية كبيرة في صفوف قيادة التنظيم يقتل هذا العام، بعد مقتل أبي علي الأنباري نائب البغدادي، وأبي عمر الشيشاني قائد التنظيم العسكري.
لكن رغم مقتل كبار قادة “الدولة” السابق ذكرهم، إلا أن العدناني الذي هاجم أيمن الظواهري زعيم القاعدة، وقال في بيان له حمل عنوان “عذرًا أمير القاعدة”: “إنّ الدولة ليست فرعًا تابعًا للقاعدة، ولم تكن يومًا كذلك، بل لو قدر لكم الله أن تطئ قدمكم أرض الدولة الإسلامية لما وسعكم إلا أن تبايعوها وتكونوا جنودًا لأميرها القرشي حفيد الحسين كما أنتم اليوم جنود تحت سلطات الملا عمر”، بلا شك قد أحدث مقتله فرحة كبيرة لدى أنصار القاعدة وبقية الفصائل المقاتلة في سوريا، خاصّة وأنّ العدناني كان أول جهة رسمية من الدولة الإسلامية تقوم بتكفير علني لكلّ المنضوين في صفوف الجيش السوري الحر وجبهة النصرة وحركة أحرار الشام وجيش الإسلام وغيرهم كثيرين.
إنّ أبا محمد العدناني هو الرجل الأخطر في صفوف تنظيم الدولة، فتمحيص بسيط في سيرته وسيرة “أميره” أبي بكر البغدادي، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن العدناني يتفوق بخبرته الميدانية والقتالية بل والسجنية أيضًا على البغدادي، فابن مدينة “بنش” السورية الّذي خدع المخابرات الأمريكية باستخدامه اسمًا مزورًا، وهو ياسر خلف حسين نزال الراوي خلال فترة سجنه في معتقل “بوكا” في 31 مايو/ أيار 2005، ما أسفر عن الإفراج عنه عام 2010، كان داهية جهادية، يستحيل تعويضها سواء تعلق الأمر برسم الخطط العسكرية أو بالخطابة وتجنيد المقاتلين الجدد.
العدناني الذي وصفته الولايات المتحدة بأنه “إرهابي عالمي”، وقالت إنه أحد المقاتلين الأجانب الأوائل، والذي أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في الخامس من مايو/ أيار 2015، أنها ستمنح مكافأة يبلغ قدرها خمسة ملايين دولار مقابل معلومات عنه، سيشكل مقتله أحد أمرين، فإما ثأر وهجمات جديدة تحمل اسمه مستقبلاً، وإما تقهقر دعائي وخطابي وتراجع ميداني على الأرض في كل من سوريا والعراق، فهل يشكّل مقتل العدناني شعلة لمقاتلي تنظيم الدولة للأخذ بثأر “شيخهم” أم سيكون الضربة التي ستقسم ظهر التنظيم وتتسبب في تفكيكه وتشتيته وانحداره في كل من العراق وسوريا؟