بدأ عهد المسلمين بفن المسرح مع الخلافة العباسية، والذي عُرف حينها بفن خيال الظل، فكان الخليفة المتوكل هو أول من أدخل اللعب والرقص والمسليات والموسيقى إلى البلاط، لتصبح منذ ذلك الحين قصور الخلافة مكانًا لتبادل الثقافة والمعرفة مع البلدان الأخرى الواقعة تحت حكم الخلافة أو البلاد الأجنبية، ليبدأ بعدها فنون شتى بدأت بشكل بدائي في شوارع بغداد، مثل القصاصين، الذين خالطوا الأجانب وبدأوا في تقليد لغاتهم ولهجاتهم بطريقة هزلية وساخرة للعامة، ليبدأ معهم الفن الروائي بدون نص، وبارتجال تام.
احتل المسرح الأوروبي فترة طويلة من الزمن مكان الصدارة في تدريج الفنون على اختلاف أشكالها، واستقطب حوله، برأي الباحث الفرنسي جان ديفينيو، جمهور الصفوة منذ القرن السابع عشر وحتى يومنا هذا، فقد كتبت الأعمال المسرحية، آنذاك، وعرضت أمام طبقة النبلاء والبرجوازيين والمثقفين، كما تم توفير المعلومات الضرورية لأبناء هذه الطبقة كي يفهموا المسرح ويتذوقوه ويدركوا أساليبه الفنية ومضامينه الاجتماعية.
كانت المهمة صعبة أمام المسرح العربي لكي ينافس مسرح عريق كالمسرح الأوروبي، كان الطريق صعبًا أمام فناني العرب، خاصة لأن العرب اعتادوا على تمجيد الشعر لقرون طويلة، ولم يكن لهم باع في فن التمثيل كثيرًا، فكانت عملية “إقحام” أنواع أدبية جديدة على الذوق العربي أمرا ليس يسيرًا ولا سهلًا، فكانت فكرة التجديد في الفن غريبة على العرب، وهو ما واجهه بالضبط كاتبو الرواية، حتى بدأوا يكتبون رواياتهم بأسماء مستعارة في البداية تجنبًا للانتقاد اللاذع للتجديد في فن الكتابة.
نظرة على نشأة فن المسرح في العالم العربي
وُلد فن المسرح الحديث في مصر والشام، فكان لسوريا ولبنان ومصر الدور البارز في تطوير المسرح، وبزوغه لعالم الفن العربي، إلا أن المهمة لم تكن بتلك السهولة، بسبب انتقاد المجتمع ورؤيته لهذا الفن بأنه فن غير أخلاقي بسبب اختلاط الرجال والنساء فيه بشكل مبالغ فيه، مما عرّض بعضهم للاعتداء الجسدي أحيانًا، ففي سوريا هوجم مسرح أبو خليل القباني (1833-1903) وتم إتلاف محتوياته، حيث قام بعد ذلك بتجنيد صبية لأداء دور الإناث في بداية مشواره، فيما قام مارون النقاش اللبناني (1817-1855) بتجنيد أصدقائه وأفراد عائلته من الشباب لعرض مسرحياته وتأدية أدوار الذكور والإناث.
لعب رواد المسرح في كل من سوريا ولبنان دورًا هامًا ومفصليًا في وضع اللبنات الأولى للمسرح العربي، لكن لوحظ تطور هذا الفن في مصر أكثر، يعود ذلك إلى شبه الاستقلال الفكري والثقافي الذي تمتعت به مصر في تلك الحقبة الزمنية، وكذلك البُعد الجغرافي عن مركز الخلافة العثمانية، فقد قام الخديوي إسماعيل ببناء دار للأوبرا (1869)، بينما تعرضت بلاد الشام، في تلك الفترة، لحركة قمع فكرية عثمانية تركية، مما حدا بكثير من الفنانين والشعراء إلى النزوح من بلاد الشام إلى مصر.
كانت أول فرقة مسرحية وفدت آنذاك (1876-1877) هي فرقة سليم النقاش حيث نزلت في الإسكندرية الأكثر تحررًا في ذلك الوقت، تألفت الفرقة من اثني عشر ممثلًا وأربع ممثلات، قامت بتقديم بعض التمثيليات المترجمة عن اللغة الفرنسية، ومن ثم خلف سليم النقاش في الإشراف على الفرقة زميله يوسف خياط (1877-1895)، كما ظهرت فرق شامية أخرى لعبت دورًا مهمًا على ساحة المسرح المصري وهي فرقة سليمان القرداحي (1882-1909)، وفرقة سليمان الحداد (1887)، وفرقة إسكندر فرح (1881-1909)، هذا إضافة إلى فرقة أبو خليل القباني التي وصلت مصر هي الأخرى في نفس الفترة الزمنية (1884-1909) لتتابع عملها المسرحي الذي بدأته في سوريا.
نظرة على المسرح العربي الحديث
عاش المسرح العربي فترة ليست بوجيزة في التقليد، واقتباس النصوص الغربية من الأدب الإنجليزي والروسي والفرنسي، وذلك بسبب كون العرب أمة جديدة في فن المسرح، وكان الكتاب والمخرجون والممثلون يكتشفون أنفسهم من جديد من خلال ذلك الفن عن طريق البحث والتجريب من أجل صقل الظاهرة المسرحية الجديدة، وهنا بدأ جيل العرب الجديد من فناني المسرح العربي.
ذكر كتاب المسرح الفني المعاصر للكاتب عبدالله رؤوف رؤيته للمسرح المعاصر وارتباطه بالقضايا الوطنية والسياسية كالتالي: في مصر العربية، رافق إنجاز تأميم قناة السويس، نشوء الجيل الثاني من كتّاب المسرح المصري مثل نعمان عاشور ويوسف إدريس ورشاد رشدي وسعد الدين وهبة وألفريد فرج وعبد الرحمن الشرقاوي وصلاح عبد الصبور ولطفي الخولي، وفي سورية ظهرت مع الثورة طلائع المسرح الجديد مثل علي كنعان ووليد إخلاصي وعلي عقلة عرسان وسعد االله ونوس ومحمد الماغوط.
وفي الجزائر، شهدت حركة الاستقلال ولادة رجال مسرحيين وكتّاب مرموقين مثل كاتب ياسين، فانتقلت الحركة المسرحية شيئًا فشيء بريادة الكتّاب الجدد من المشكلة الاجتماعية إلى القضية الوطنية، أو بتزواجهما أحيانًا، ومن ثم ازداد الحس النقدي باتجاه التقدم الاجتماعي والتحرر الوطني مع الوعي السياسي لهؤلاء الكتّاب أنفسهم، وربما كان هذا النمو ذا صلة بالواقع السياسي والاجتماعي حيث يرتبط الفنان اليوم بحياة شعبه ارتباطًا وثيقًا، وبخاصة في حال المسرحيين العرب المذكورين سابقًا.
نجم عن هذا النمو عدة مسائل تكاد تغطي المشهد المسرحي العربي المعاصر، وفي مقدمتها انتعاش المسرح النقدي أو الانتقادي باعتباره وجهًا من وجوه المسرح السياسي والصحي، وأن السمة الغالبة على حركة المسرح العربي في العقدين الأخيرين هي مباشرة العمل الفني لصالح الأهداف السياسية.
نماذج من الفن المسرحي الحديث
- دريد لحام
هو ممثل كوميدي سوري، بدأ مشواره الفني في حقبة الستينات من القرن العشرين حينما عرض عليه المخرج صباح قباني أن يشارك في بطولة مسلسل (سهرة دمشق) مما دفعه إلى التخلي عن التدريس في الجامعة، وشكل في نفس الوقت ثنائيًا فنيًا مع الفنان نهاد قلعي حتى منتصف السبعينات، ومن بعدها قام بكتابة وإخراج وبطولة كافة أعماله منذ الوقت، وقد تعاون كذلك مع الشاعر والكاتب المسرحي محمد الماغوط في عدة أعمال ناجحة، منها (لحدود، التقرير، كأسك يا وطن).
كانت مسرحيات دريد لحام شديدة الجرأة السياسية، فكانت مسرحيات نقدية للوضع السياسي في البلاد العربية بشكل صارم وحاد، حتى إنه تم حذف العديد من المشاهد من مسرحياته وقت عرضها على التلفزيون إلى الآن، منها مسرحية غربة، حيث أظهرت تلك المسرحية واقع الوطن العربي في فترة السبعينات بشكل كوميدي ساخر ونص منقطع النظير، تدور أحداثها حول قرية اسمها غربة يحكمها أحد الباشاوات و يقوم باستعباد المواطنين وسلب خيراتهم وتركهم يعانون التخلف، قصة المسرحية للكاتب محمد الماغوط.
مسرحية غربة لدريد لحاد
جورج خباز
هو مؤلف ومخرج وممثل ومؤلف أغاني وملحن من مواليد لبنان 1976، وهو ابن الممثلين جورج خبّاز وأوديت عطيّه، من أشهر مسرحياته مسرحية غادة الكاميليا لجيزال هاشم زرد 1996، وهاملت في ورطة 1997، ومن أهمها مطلوب 2011 ، ومش مختلفين 2012 ، والأول بالصف 2013، وناطرينو 2014.
يعد جورج خباز أحد منقذي المسرح اللبناني وجعله موجودًا على الساحة الفنية حتى الآن بعد تدهوره في الفترات السابقة، فهو يكتب ويخرج مسرحياته بنفسه، وهو مشهور بجملته “ما نقيت وين خلقت، وما نقيت وين علقت، ما نقيت شو اسمي، ولا طولي قديشو، ما نقيت شكلي كيف، عادي ناصح ولا ضعيف، ما نقيت أهلي مين، ولا المذهب ولا الدين، ما نقينا نحن مين، ع شو دخلك مختلفين”.
مقطع من مسرحية مش مختلفين
عادل إمام
هو ممثل كوميدي، ويعتبر من أهم ممثلي مصر والوطن العربي أجمع، اشتهر بأدائه التمثيلي المتميز في كل من الأفلام والمسرحيات، وشب الوطن العربي على مسرحياته الناقدة للأوضاع السياسية والاجتماعية، اشتهرت مسرحياته منذ فترة السبعينات، فكانت الأكثرهم شهرة في 1973 مدرسة المشاغبين، التي تنقد وضع التعليم في مصر، ومن ثم تأتي مسرحية شاهد مشافش حاجة، ومن ثم مسرحيتي 1984: الواد سيد الشغال والزعيم عام 1998 وتناولا القضايا السياسية في مصر بشكل هزلي.
مشهد من مسرحية مدرسة المشاغبين
انهيار المسرح العربي
أصابت حالة من الركود الفني المسرح العربي لمدة العقد الماضي، فشباب العرب الآن قليل ما يبحثون عن العراقة والأصالة، وكثير ما يبحثون عن كل ما هو متطور وحديث وسريع في نفس الوقت، لدرجة أن لا مشكلة عند الجيل الحالي في عدم الدراية والمعرفة الكافية بالتاريخ، مادام الأمر يسير نحو ركب التكنولوجيا والتطور، ففقد المسرح هيبته، وتحول إلى نصوص هشة، تعتمد على العروض الراقصة والألوان البراقة، وفقد مغزى واضح للقصة، ولا يعتمد على رواية قوية ونص ذا قيمة.
لم تعد المسرحيات تمتد للساعتين والثلاث ساعات، فلا نص يكفي كل هذا الوقت، ولا يوجد جمهور سيطيق الجلوس لمدة 3 ساعات لمشاهدة مسرحية كما كان من قبل، تحولت مصر من رائدة في عالم المسرح إلى ساحة لكل الهواة أن يعتلوا خشبة المسرح من أجل أداء ضعيف، وما بين ذلك وبين إهمال واضح لأصحاب موهبة التمثيل على خشبة المسرح من الشباب، اعتمادًا على الرشوة والوساطة.
تدمرت أغلب مراكز الثقافة في سوريا تقريبًا، ولم يعد هناك مجال لأداء عمل فني هزلي وساخر إلا عن الثورة السورية والحرب الأهلية والمؤامرات الدولية، أما في لبنان، فتدهور الوضع منذ زمن، ولم يتبق الكثير من المدافعين عن فن المسرح، ما دام نجم الأغاني اللامع يسرق الأضواء والجمهور في الحفلات، فمن يبالي بخشبة مسرح، ونص مهترئ؟