ترجمة وتحرير نون بوست
شارك حوالي ألف و800 مندوب، من بينهم بان كي مون، في محادثات السلام التي افتتحت أمس، الأربعاء.
وتحاول أونغ سان سو كي، الفائزة في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني التاريخية والمستشارة الحالية للدولة ووزيرة الخارجية؛ استخدام جميع الموارد المتاحة لديها لتحقيق واحد من وعودها الانتخابية الرئيسية، وبطبيعة الحال، الأكثر طموحا. ويتمثل هذا الوعد الانتخابي في تعزيز السلام في بورما، المنطقة التي تواجه فيها القوات الحكومية حوالي عشرين مليشيا متقاتلة فيما بينها.
وضمن هذه الخطوة، يجتمع حوالي ألف و800 مندوب، من بينهم ممثلين عن الجماعات المتمردة والحكومة والأحزاب السياسية والمؤسسات الدولية والمراقبين للمشاركة في مؤتمر بانغلونغ XXI في العاصمة نايبيتاو.
ومن بين الشخصيات الحاضرة في هذا الاجتماع نذكر بان كي مون الذي يعتزم بدء المحادثات مع الجماعات المسلحة التابعة لأقليات أثنية مثل شين، كاشين، كارين، كايا، مون أو شان. ويعتبر الظفر بمزيد من الحكم الذاتي، من المطالب المشتركة بين هذه الأقليات؛ التي يقدر عددها بـ135 صنفا، والتي تمثل مع بعضها ثلث شعب بورما.
كما أن لهذا اللقاء ذكريات تاريخية قوية، تعود إلى حوالي 70 سنة إلى الوراء، وذلك عندما أراد الجنرال “أونغ سان”، رئيس الوزراء السابق والبطل القومي البورمي الحائز على جائزة نوبل للسلام؛ قيادة عملية مماثلة لتوحيد الشعب البورمي و ذلك بعد الاستقلال عن بريطانيا وإيجاد سبل لتقاسم السلطة، تتجسد في مشروع فيدرالي.
إلا أن عملية اغتيال أونغ سان قبل ستة أشهر من تنفيذ الخطة، أجهضت هذه العملية وسقطت البلاد بعد فترة وجيزة، في الديكتاتورية العسكرية التي تواصلت لعقود.
وتجدر الإشارة إلى أن إبنته، أونغ سان سو كي، تطمح إلى استكمال مخطط والدها الذي لم ينتهي أبدا. وبذلك، دخلت هي أيضا تاريخ “التهدئة وتوحيد البلاد المضطربة”. وخلال زيارتها الأخيرة إلى الصين، أوضحت هذه الأخيرة أنه “بدون سلام، لا يمكن أن تكون هناك تنمية مستدامة“.
ويتمثل الهدف الرئيسي من زيارة سان سو كي إلى الصين قبل بضعة أسابيع، في إنجاح عملية محادثات السلام التي افتتحت يوم الاربعاء. كما أن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، عبر بصراحة عن مساندته لمبادرة السلام؛ التي استثمرت فيها بكين الكثير من المال السياسي، بعد عقود من استغلال الجماعات المسلحة في شمال بورما. كما تجدر الإشارة إلى أن مبعوث الصين الخاص إلى بورما، قوه شيانغ، التقى بعديد الجماعات المسلحة في المنطقة وساهم في إقناعهم بالمشاركة في محادثات السلام.
وخلال الأسبوع الفارط، أكدت عدة جماعات مشاركتها في هذه المحادثات التاريخية، وعلى رأسها المجلس الاتحادي للقوميات المتحدة، الذي يجمع 11 مجموعة مسلحة، بما في ذلك منظمة استقلال كاشين. إلا أن الجيش البورمي، الذي تسيطر عليه وزارة الدفاع والداخلية، التي تعترض على مشاركة ثلاث مجموعات رئيسية؛ والتي هي الجيش عن التحالف الوطني الديمقراطي في بورما، جيش التحرير الوطني وجيش أراكان، الذين يقاتلون جنبا إلى جنب في ولاية شان.
ويعتقد كثير من المراقبين أن مجرد وقف إطلاق النار من جانب الحكومة، سيسهل التوافق بين جميع الفئات. كما أن العديد من الجماعات المسلحة تود المشاركة في عملية السلام إلا أن الحكومة لم تدعوهم للجلوس على نفس الطاولة.
ومن جهته أكد المحلل هنري ستيمسون، الخبير في السياسة الخارجية الصينية، أن “الصين لها دور بالغ الأهمية، لكن هذا لا يعني أنها يمكن أن تتدخل في النتائج”، مضيفا أنه “يمكن للصين إقناع عديد الجماعات المسلحة، التي سبق ذكرها، بالانضمام إلى مؤتمر السلام، ولكن لا يمكنها إجبارهم على التوقيع على أي شيء لا يريدونه”. وعموما، تعتبر مشاركة هذه المجموعات في مؤتمر بانغلونغ، تصويتا بالثقة لصالح أونغ سان سو كي.
التحديات المعلقة
بالنسبة لهذه الأقليات، هناك المزيد من التحديات التي ستواجهها في المستقبل، على رأسها الخلافات حول تقاسم الموارد الطبيعية، إذ أنه هناك العديد من الأقليات التي تعيش في مناطق غنية بالذهب أو القصدير. من ناحية أخرى، هناك بعض المشاريع التي قامت الحكومة السابقة بعرقلتها، مثل المشروع الصيني لتوليد الطاقة الكهرومائية.
وفي هذا الإطار، صرح المقرر الخاص للأمم المتحدة لبورما، يانكي لي، أن “التمييز، حقوق الأرض، التوزيع العادل للموارد الطبيعية في قلب الصراع في بورما، وينبغي أن تكون في قلب مناقشات وحلول السلام“.، مضيفا: “فقط من خلال معالجة ووضع هذه القضايا في قائمة الأولويات، يمكن تحقيق السلام الدائم والمنشود من قبل الشعب البورمي”.
كما بين يانكي لي أن “بورما تملك الآن فرصة لتحويل البلاد إلى ما يطمح فيه الشعب البورمي منذ عقود من الزمن”، مضيفا: “إنها لحظة تاريخية، فهذه اللبنة الأولى والتي تمهد إلى طريق طويلة جدا. هناك الكثير لمناقشته والتفاوض فيه خلال مؤتمر بانغلونغXXI “.
وكتبت الصحيفة البورمية “إيراوادي” في مقال بعنوان “السلام والمصالحة تتطلب طرق جديدة للنظر إلى الوراء”؛ قالت فيه إن “البورما قد خطت خطوة في الاتجاه الصحيح، وهي تكوين نظام فيدرالي. كما أن هذا الإجراء هو نتيجة لالتزام متبادل بين الحكومة والجماعات العرقية المسلحة وجزء من اتفاق وقف إطلاق النار. كما أن هذه العملية تعرض جدول أعمال للحوار السياسي بين الحكومة والجيش والجماعات المسلحة والأحزاب وسيكون هذا جزءا أساسيا من عملية السلام والمصالحة الوطنية“.
التمييز ضد الروهينغيا
على الرغم من هذه الجهود، إلا أن هناك شكوك حول وضع الروهينغيا، الأقلية المسلمة في البورما، وذلك لأن هذه الفئة تعاني من الاضطهاد والتمييز من قبل الحكومة المركزية منذ زمن طويل.
وفي هذا السياق، وخلال القرن الحادي والعشرين شهدت “بانغلونغ” مؤتمراً للحوار حول الأديان برعاية “بان كي مون” وحضره زعماء الطوائف الرئيسية: كالبوذيين ،المسيحيين، المسلمين، الهندوس، البهائيين واليهود، إلا أن ذلك لم يقلص من التمييز الذي تعاني منه الروهينغيا من قبل الحكومة المركزية. لكن بعد ذلك ظهر نوع من التعاطف الدولي وتم إظهار الالتزام بالسلام تجاه هذه الأقلية.
كما أن بعض المراقبين يعتقدون أن أونغ سان سو كي، تعتزم مع عملية السلام هذه، تحقيق الهدف النهائي الذي يطمح حزبها إلى التوصل إليه؛ المتمثل في السعي إلى حل مشاكل الأقليات العرقية. هذا إضافة إلى ضمان أعلى مستوى من الحكم الذاتي بما يتماشى مع حقوق الأقليات ورفاهية الأمة كلها.
ومن الأهداف الأخرى، يبدو أن سو كي تسعى إلى حشد التعاطف الدولي وإظهار التزامها بالسلام ردا على الانتقادات التي وجهت إليها بعد إدلائها بموقفها تجاه أقلية الروهينغيا، التي أنكرت خلاله حقوقهم.
المصدر: صحيفة إلموندو الإسبانية