بدأت استراتيجية النظام السوري تتضح مع مرور الأيام، فمنذ تهجير داريا من ثوارها وسكانها بشكل كامل بدأ الكلام يثار عن مناطق مثل معضميةالشام ودوما وجوبر والوعر في حمص ومناطق أخرى يسعى النظام لتفريغها بغية أهداف مبيته لديه، إلا أن تلك الأهداف أصبحت اليوم أكثر وضوحًا ولم تعد تخفى على أحد، فالأسلوب التهجيري المتبع بإشراف من روسيا وإيران يوحي بالذهاب إلى سورية مختلفة تمامًا عن سورية المعهودة.
فبعد درايا توجهت أنظار النظام إلى معضميةالشام وهي محاذية لداريا وتخضع لحصار مضنٍ منذ عامين ونصف تقريبًا، وما تبين من اجتماع وفد المدينة الذي استمر لأربع ساعات أمس الأربعاء، مع وفد النظام بقيادة العميد غسان بلال ضابط أمن الفرقة الرابعة وبحضور وسيط روسي، أنه تم تخيير الوفد ما بين التسوية الشاملة أو مواجهة مصير مظلم، مبينًا أحد أعضاء الوفد بحسب ما جاء في أحد التقارير على صحيفة العربي الجديد، أن الاجتماع في الأساس حمل لغة التهديد والوعيد، ولم يأت النظام للتفاوض، ولكن لفرض شروطه التي تقضي بتسليم السلاح وتسوية أوضاع المقاتلين ومن يرفض ذلك عليه المغادرة مع سلاحه إلى حلب أو إدلب، ودخول الجيش للمدينة وتشكيل جهاز شرطة وتشكيل لجنة لمتابعة موضوع المنشقين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية وفتح مكتب لتسوية أوضاع المسلحين، وسوى ذلك ستواجه المعضمية الموت والدمار.
النظام السوري يتفاوض مع معضميةالشام إما برضوخ الثوار لشروط النظام أو مواجهة الموت والدمار
معركة ريف حماة الشمالي قرار وطني أم حجر شطرنج؟
أعلنت فصائل المعارضة السورية في ريف حماة الشمالي عن بدء معارك استطاعت في ظرف أيام قليلة السيطرة على عدة قرى وتحريرها من النظام السوري، لتقدر المنطقة المحررة بأكثر من 80 كيلو مترمربع، ويقترب الثوار من مدينة حماة على أن الهدف القادم للمعارضة بحسب ما أعلنته سيكون مطار حماة العسكري.
حيث واصلت قوات المعارضة في الأمس تقدمها لتحكم سيطرتها على بلدة صوران شمال حماة، بعد سيطرتها على حلفايا وطيبة الإمام، في الوقت الذي غابت فيه مقاومة كبيرة للنظام وتحليق بدون فاعلية للطيران الروسي والسوري في أجواء الريف الشمالي لحماة.
والأمر الذي أثار الريبة والشك، عدم مقاومة النظام وانسحاب أرتال كبيرة له من ريف حماة باتحاه المدينة، هو بداية القصف الوحشي للنظام وروسيا على البلدات التي أتمت المعارضة السيطرة عليها، ما أدى وبسبب شدة القصف إلى تهجير الأهالي باتجاه ريف إدلب الجنوبي، وفي نفس الوقت تمتنع قوات المعارضة من مهاجمة بلدات تقطنها أغلبية علوية أو مسيحية أو إسماعيلية مثل محردة والسقيبلبية وقرية معان وغيرها، بحجة ألّا يتذرع النظام بحماية الأقليات.
الطريقة التي أدار بها النظام السوري المعركة في حماة توشي أنه تعمد الانسحاب وعدم المقاومة، لتدخل فصائل المعارضة للبلدات التي تسكنها أغلبية ساحقة من العرب السنة، ويبدأ قصفًا شديدًا يهجر فيه أهالي بلدات حلفايا وطيبة الإمام وصوران، ومن ثم يعاود النظام الهجوم على تلك المناطق بغية السيطرة عليها بعد تفريغها من سكانها.
فصائل المعارضة استطاعت السيطرة على عدة بلدات في ريف حماة الشمالي إلا أن شدة القصف أجبر الأهالي للنزوح باتجاه ريف إدلب الجنوبي
في حال صح هذا التحليل، عندها ستتحول انتصارات المعارضة في تلك المناطق إلى حجر شطرنج تم تحريكه، وأداة تم استخدامها بغرض تحقيق هدف معين، ليس أقله إعادة السيطرة على المنطقة وهي خالية من سكانها الأصليين.
وستكون مقاومة النظام لفصائل المعارضة على أشدها للحؤول دون سيطرتها على مطار حماة العسكري ومدينة حماة، فسيطرة المعارضة على المطار والمدينة تعني ضمنيًا خارطة قتال جديدة بالنسبة للنظام وحلفائه، فالمعارضة ستتجه بعدها لتحرير بلدات في ريف حماة الجنوبي ليُفتح الطريق أمامها باتجاه ريف حمص الشمالي وفك الحصار عن الرستن وتلبيسة وتكون قوات المعارضة على بعد خمسة كيلومترات من مدخل مدينة حمص الشمالي مع ضمان خطوط إمداد مفتوحة من الحدود السورية التركية.
وفيما يخص الحسكة فقد أشارت مصادر أن النظام السوري يعمد إلى نقل مؤسسات مدنية مثل السجل المدني والجوازات والمصارف والتربية ومؤسسات أخرى إلى العاصمة دمشق، بحسب اجتماع عقد في مبنى المحافظة في الحسكة بحضور ممثلين عن النظام، بحث فيه مسألة نقل المؤسسات بحجة تزمت الإدارة الذاتية وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية على مؤسسات ومناطق خاضعة للنظام.
وهذه الخطوة من شأنها أن تكون تمهيدًا لمنح الحسكة ذات الغالبية العربية للأكراد، واستكمالًا لمشروع التغيير الديمغرافي والجغرافي لسوريا الذي يقوم به النظام برعاية دولية من حلفائه الرئيسيين روسيا وإيران.
حركات النظام السوري الأخيرة في ريف دمشق وحماة والحسكة، توشي أنه يعمل لتطبيق مخطط سورية المفيدة من جهة نظره بالتعاون مع روسيا وإيران، وحتى الولايات المتحدة بشكل غير مباشر تقف إلى جانب النظام، ففيلقاء مطول مع روبرت مالي أحد أكثر المستشارين موثوقية لدى الرئيس الأمريكي، ذكر أن أولويات السياسة الأمريكية تجاه القضية السورية هي تحقيق التوازن بين الضرورات الإنسانية والحفاظ على مؤسسات الدولة، وتجنب حدوث فراغ في السلطة قد يفضي إلى فوضى عارمة.