اِنطلقت بالأمس فعاليات مهرجان البندقية للسينما أو ما يُعرف بالبيانالي Biennale di Venezia في دورته الثالثة بعد السبعين وتستمر حتى العاشر من الشهر الجاري من خلال أقسامه الثمانية المتنوعة وأهمها قسم المسابقة الرسمية، حيث يتسابق عشرون فيلمًا بعرضهم الأول من أجل نيل الأسد الذهبي.
مهرجان البندقية الإيطالية هو أعرق مهرجان سينمائي في العالم، إذ تعود دورته الأولى إلى سنة 1932وهو جزء من مجموعة التظاهرات الفنية الدولية التي تنظمها هذه المدينة العريقة منذ سنة 1895 تحت اسم بيانالي البندقية، وهو أيضًا أحد المهرجانات الثلاثة الكبرى في العالم مع مهرجانيْ كان الفرنسي Cannes وبرلين الألماني Bernale، وهو ثالثهما في الترتيب الزمني كل سنة، حيث يقام قبيل بداية الموسم السينمائي في هوليود، ما يجعله قبلة أهم الأعمال المرتقبة في هوليود.
لقد أحسن مهرجان البندقية استغلال توقيته الزمني، فخلال السنتين الماضيتين، افتتح المهرجان بالفيلم الذي حاز فيما بعد على أوسكار تلك السنة، كان ذلك مع فيلم “الرجل الطائر” Birdman الذي افتتح دورة 2014، ومع فيلم دائرة الضوء Spotlight الذي افتتح دورة السنة الماضية قبل أن يظفر بأوسكار هذه السنة، هل يمكن لهذه المصادفة أن تجعل من فيلم La La Land أول مرشح لأوسكار السنة القادمة؟
يبدو أن منظمي المهرجان وعلى رأسهم المدير ألبرتو بربيرا Alberto Barbera لم يندموا على اختيار الفيلم الجديد للمخرج الأمريكي داميان شازل Damien Chazelle، حيث إن الأخبار القادمة من البندقية، تؤكد أنه أثار حماسة النقاد بشكل كبير، ويبدو أنه أول الأعمال التي يُنتظر حضورها في حفل الأوسكار السنة القادمة.
بعد فيلمه المتميز Whiplash، اِقتحم المخرجُ الشاب داميان شازل عالمًا صعبًا وغير مضمون، من المؤكد أن غنائيات قليلة جدًا عرفت النجاح المنتظر خلال الأعوام العشرين الماضية، يمكن أن نتذكر أعمالاً مثل “الطاحونة الحمراء” Moulin Rouge وشيكاجو Chicago بشيء من الحنين، ولكن الغنائيات في الولايات المتحدة صارت أكثر اقترانًا بالمسرح، لقد انتهت أيام جين كيلي الذهبية، والغناء تحت المطر Singin in the rain، وأمريكي في باريس American in Paris، وقصة عن الجهة الغربية West side story، وساحر أوز Wizard Of Oz أو صوت الموسيقى The sound of music، يبدو أن داميان شازل لم يكن مقتنعًا كثيرًا بهذه الحقيقة، أو لعله يحاول تغييرها.
يروي فيلم La La Land قصة عازف الجاز سيبستيان Sebastian (ريان غوسلنغ Ryan Gosling) الذي يقع في هوى الجميلة ميا Mia (إما ستون Emma Stone) لكن الطموح الفني والمهني لكل منهما، بات يحول ما بينهما، يخوض الفيلم في تلك الحدود الشائكة بين الحياة الشخصية والمهنية، وعلاقة الإنسان بفنه، ولقد نوه النقاد كثيرًا بأداء الممثلة الحسناء إما ستون Emma Stone.
أما عن باقي الأعمال المشاركة في المسابقة الرسمية، فيمكن أن نخص بذكر فيلم الخيال العلمي للمخرج الكندي دنيس فيلنوف Denis Villeneuve بعنوان وصول Arrival وهو كما يبدو فيلم آخر عن التواصل الأول مع الفضائيين.
ويشارك المخرج الصربي أمير كوستوريتسا Emir Kusturica بعمله الجديد “على طريق اللبانة” On the milky road الذي يقوم هو نفسه ببطولته رفقة الممثلة الإيطالية الشهير مونيكا بلوتشي Monica Bellucci ليعود فيه إلى موضوعه المفضل بخصوص بحثه الأنطولوجي عن الوطن.
ويسجل المخرج الأمريكي تيرنس مالك Terrence Malick حضوره من خلال فيلمه الوثائقي الأول رحلة في الزمن الذي قدم جزءًا منه في مهرجان كان، هذه المرة يقدم الفيلم كاملاً في عرضه الأول على أحد مسارح جزيرة ليدو بالبندقية، ويروي الفيلم بصوت النجمة كايت بلانشت Cate Blanchett قصة العالم منذ التكوين وحتى النهاية، معتمدًا أساسًا على الصورة في تحدٍ تعبيري عودنا عليه مالك منذ فيلمه المتميز “شجرة الحياة” Tree of life.
وخارج المسابقة الرسمية، سيستضيف المهرجان العروض الأولى لبعض الأفلام المنتظرة، حيث سيسجل المخرج الأسترالي المغضوب عليه (لمواقفه المعادية لإسرائيل) ميل غبسون، عودته إلى الإخراج بفيلم منشار ريدج Hacksaw Ridge، كما يعرض الإيطالي باولو سورنتينو Paolo Sorrentino آخر أعماله البابا الصغير The young pope، بالإضافة إلى بعض الأعمال المرتقبة الأخرى مثل “المدهشون السبعة” The magnificent seven والنسخة السينمائية لسلسلة الأنيمي الشهيرة Gantz بعنوان Gantz:O.
ورغم مشاكل التوزيع، ومصاريف جلب الأفلام من هوليود وبقية دول العالم إلى البندقية، يبدو المهرجان العريق صامدًا أمام منافسيه الكبار وعلى رأسهم مهرجان تورونتو الكندي، كما تبدو علاقته بهوليود أوثق شأنًا من مهرجان كان الذي ينظم في توقيت مبكر جدًا من السنة، كل ذلك يجعله أشبه بالدور التمهيدي الأول قبل جوائز الجولدن جلوب Golden Globe، في سباق الظفر بالأوسكار، فهل يحذو فيلم شازل الجديد حذو الافتتاحيات السابقة لمهرجان البندقية؟