عزل مجلس الشيوخ البرازيلي الرئيسة ديلما روسيف من منصبها أمس الأربعاء، بتهمة التلاعب بالحسابات العامة لإخفاء حجم العجز الفعلي، وذلك بعد أن صوت 61 سيناتورًا من أصل 81 من أجل إقالتها، وهو ما يعني موافقة أكثر من ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ على هذه الإقالة، في ختام إجراءات قضائية تداخلت فيها السياسة وأثارت جدلًا واسعًا في البلاد.
وبذلك انتهت حقبة الرئيسة اليسارية التي كانت انتخبت عام 2010، وتنطوي معها بذلك فترة حكم استمرت 13 عامًا لحزب العمال الذي أسسه الرئيس السابق دا سيلفا، على أن يتسلم السلطة مكانها نائب الرئيس السابق ميشال تامر، الذي يدير البلاد منذ وقف روسيف عن العمل في 12 من مايو الماضي، وحتى نهاية الفترة المتبقية من ولايتها للعام 2018.
جدير بالذكر أن مجلس الشيوخ صوت بالمقابل على عدم حرمان الرئيسة السابقة ديلما روسيف من حقوقها المدنية ما يعني السماح لها بتولي مناصب حكومية.
وقد واجهت المناضلة السابقة البالغة من العمر 68 عامًا لأكثر من 14 ساعة سيلًا من أسئلة أعضاء مجلس الشيوخ خلال جلسة الإثنين رغم أنه يشتبه بتورط أكثر من نصفهم في الفساد أو تستهدفهم تحقيقات.
روسيف دافعت عن نفسها بنفي التهم
روسيف كانت قد دافعت عن نفسها وقالت أمام مجلس الشيوخ يوم الاثنين الماضي إنها “لم ترتكب أي جريمة”، مع بدء إجراءات إقالتها بتهمة التلاعب بالحسابات العامة لإخفاء حجم العجز الفعلي.
وأضافت الزعيمة اليسارية “لم أرتكب أي جريمة” وتابعت “لم أرتكب الجرائم التي أحاكم عليها بشكل ظالم”.
وتصر روسيف أنها ضحية “انقلاب ضد الدستور” رغم أن 54 مليون برازيلي أعادوا انتخابها عام 2014.
وفي نظر دفاعها كل الرؤساء السابقين فعلوا الأمر نفسه، والأمر ليس سوى “انقلاب” مؤسساتي دبرته المعارضة اليمينية بقيادة تامر الشريك الذي أصبح خصمها، ليخبو بهذه النهاية نجم فترة تاريخية طويلة تمثلت بإخراج نحو أربعين مليون برازيلي من دائرة الفقر.
وفي النهاية خرج القرار رغم هذا الدفاع بالإقالة الرسمية النهائية تحت سبب رسمي معلن لإقالة روسيف، وهو اتهامها بـ”جريمة مسؤولية” في إطار تلاعب بحسابات عامة لإخفاء عجز كبير جدًا، وتوقيع مراسيم تنص على نفقات غير مقررة في الاتفاق المسبق مع البرلمان.
إلا أن أنصارها في الواقع يقولون إن مصير روسيف أصبح هكذا لأنها تجرأت على الفوز في انتخابات أحبطت مصالح أولئك الذين يريدون تغيير مسار البلاد والفشل في منع التحقيقات حيال الفساد في البرازيل، وهو ما أكده محاميها وزير العدل السابق جوزيه إدواردو كاردوزو.
أما محامية الادعاء جاناينا باسكول فاعتبرت أن الإقالة “علاج دستوري عليهم اللجوء إليه عندما يصبح الوضع خطيرًا”.
وفي أول تعليق لها بعد إقالتها قالت روسيف من منزلها في قصر الفورادو أمام مجموعة صغيرة من أنصارها بينما كان الرئيس السابق لويس ايناسيو لولا دا سيلفا إلى جانبها “سنعود، لا أقول وداعًا بل إلى اللقاء”، متوعدة بمقاومة شرسة “للحكومة الانقلابية”.
تامر يؤدي القسم الدستوري
فيما أدى ميشال تامر أمس الأربعاء اليمين الدستورية كرئيس للبرازيل بعد ساعات على إقالة الرئيسة ديلما روسيف، لتنتهي بذلك 13 سنة من حكم اليسار للبلاد، وأقسم تامر من حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية، بالحفاظ على الدستور البرازيلي أمام مجلس الشيوخ، ليتسلم بذلك رئاسة أكبر دولة في أمريكا اللاتينية.
ومارس تامر مهام الرئاسة بالنيابة منذ أن علق مجلس الشيوخ مهمات أول امرأة انتخبت عام 2010 على رأس خامس بلدان العالم من حيث عدد السكان.
وقال تامر في أول جلسة لمجلس الوزراء بعد تسلمه الرئاسة، بثها التلفزيون مباشرة “اليوم نفتتح عهدًا جديدًا من عامين وأربعة أشهر” حتى الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة في نهاية 2018.
وأضاف أنه يجب الخروج من هذه المرحلة “وسط تصفيق البرازيليين”، مشددًا على أن “ذلك سيكون صعبا”.
حيث يشهد أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية انكماشًا تاريخيًا منذ إعادة انتخاب روسيف العام 2014، وتوترت الأجواء السياسية كثيرًا وازداد الاستياء الشعبي بعد كشف فضيحة بتروبراس، المجموعة الحكومية النفطية، وأظهرت أرقام رسمية صادرة مؤخرًا أن الانكماش أصبح واقعًا في البرازيل.
تتهم روسيف نائبها تامر بتدبير “انقلاب برلماني” بحسب وصفها لإزاحتها من سدة الحكم، وقد حاولت روسيف مع أنصارها في اللحظات الأخيرة قبيل صدور قرار إيقافها عن منصبها أن تلتف على هذا القرار.
وهو ما أوقع انقسامًا حادًا بين غرفتي البرلمان البرازيلي فيما يتعلق بالموقف من روسيف، فقد حاول القائم بأعمال رئيس مجلس النواب، وولدير مارانهاو، عرقلة التصويت على إقالتها بإعلان أن قرار الإحالة باطل والدعوة إلى إجراء تصويت جديد على محاكمة روسيف، لكن مجلس الشيوخ مضى في الأمر وخرج بتنفيذ القرار بأغلبية أعضائه.
وكانت ديلما روسيف قد انتقدت ما اعتبرته “انتخابات غير مباشرة على شكل إقالة”، وما أسمتهم “مغتصبي السلطة”، التي اعتبرت من بينهم نائبها ميشال تامر، المتواطئ في إجراء الإقالة.