ترجمة وتحرير نون بوست
بدعم وتسليح من تركيا، تمكنت وحدات الجيش السوري الحر من السيطرة على مدينة جرابلس، الأمر الذي دفع تنظيم الدولة للتوجه نحو منطقة الباب جنوب غرب سوريا، في البداية، عبرت الولايات المتحدة الأمريكية عن دعمها للعمليات التركية، ووفقا لأحد التقارير، تبين أن وزارة الدفاع الأمريكية عرضت على تركيا إمكانية القيام بعملية مشتركة بمشاركة 40 قائدًا عسكريًا أمريكيًا، لكن هذه الخطة لا زالت تنتظر موافقة البيت الأبيض والتي اتخذت وقتًا طويلاً، لكن مع ذلك، أبدت واشنطن دعمها للعملية التركية.
كما دعا مسؤولون أمريكيون وحدات حماية الشعب الكردية، وهي منظمة شقيقة لحزب العمال الكردستاني، إلى الانسحاب إلى الشرق للابتعاد عن نهر الفرات، كما هددت الولايات المتحدة بسحب دعمها إذا لم تمتثل المنظمة، لكن مع مرور الوقت، تغيرت اللهجة التي تعتمدها الولايات المتحدة، فقد دعت تركيا إلى الامتناع عن التشابك مع وحدات حماية الشعب والتركيز أكثر على العدو الرئيسي، وهو تنظيم الدولة، وكان وزير الدفاع الأمريكي أشتن كارتر والبيت الأبيض قد عبرا على عدم رضائهما عن استهداف تركيا لقوات وحدات حماية الشعب، وبحلول 30 آب/ أغسطس، أعلنت الولايات المتحدة أنها توصلت لاتفاق لإيقاف الصراع بين القوات التركية وقوات وحدات حماية الشعب، الأمر الذي أنكرته تركيا بشدة.
ويبدو أن لتركيا أربعة أهداف تريد التوصل إليها من خلال عملياتها في سوريا، الأول، أنها تريد منع حزب الاتحاد الديمقراطي من إقامة تواصل جغرافي بين الأقاليم التي يسيطر عليها، فالفجوة الوحيدة المتبقية في الأراضي التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي على الحدود التركية تقع بين كوبان وعفرين، وتشكل الهدف الاستراتيجي الرئيسي لهذه العملية.
الهدف الثاني من العملية هو تأمين ممر حلب من خطر الصراعات، سواء كان خطر وحدات حماية الشعب أو تنظيم الدولة، ثالثًا، تسعى تركيا لإلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة والتخلص منه، خاصة وأنه أصبح يشكل خطرًا أمنيًا وتهديدًا استراتيجيًا مباشرًا لحدودها، رابعًا، التخلص من تنظيم الدولة ووقف توسع وحدات حماية الشعب من شأنه أن يمنح مزيدًا من الإمكانيات للمعارضة السورية.
وقد تمكنت تركيا من خلال عملياتها في سوريا من تعطيل تقدم وحدات حماية الشعب، وبالتالي، لم تتمكن القوات الكردية من تنفيذ خطتها التي تتمثل في ربط أقاليمها بهدف خلق دويلة على الحدود التركية، الأمر الذي اعتبرته تركيا خطًا أحمر، وبالتالي قررت أن تتدخل عسكريًا وأن توقف التوسع الكردي.
وعلاوة على ذلك، التقى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بنظيره الروسي سيرجي لافروف يوم 26 آب/ أغسطس لمناقشة الملف السوري، قد تقدم هذه الزيارة بصيصًا من الأمل في التوصل إلى تسوية سياسية، إلا أن كلا الطرفين أكدا أنهما لن يدعما الاستقلال الكردي في سوريا، مؤكدين بدلاً من ذلك على ضرورة الحفاظ على السلامة الإقليمية للبلاد، ورغم أن هذا الموضوع لم يعد محل اهتمام، إلا أن الحفاظ على وحدة الأراضي السورية يعتبر أمرًا غاية في الأهمية الآن.
مع ذلك، وكما أكدت وزارة الدفاع الأمريكية والبيت الأبيض، لا تزال مواقف الولايات المتحدة وتركيا مختلفان حيال وحدات حماية الشعب، فرغم الطموح الإقليمي للقوات الكردية، إلا أن الولايات المتحدة ليست على استعداد للاستغناء عنها، فهم بحاجة إليهم، ليس فقط في الحرب ضد تنظيم الدولة، لكن أيضًا في مرحلة ما بعد الأزمة السورية.
لكن الأكراد يعانون من العديد من الأزمات، فالدعم الروسي للأكراد كان بسبب العلاقات المتوترة بين موسكو وأنقرة، أما الآن مع تحسن العلاقات الثنائية بين روسيا وتركيا، فإن الدعم الروسي للأكراد تراجع بشكل كبير، وقد أظهرت أحداث الأسبوع الماضي أيضًا أن التعاطف مع الأكراد لا يمكن أن تكون نتيجته تشكيل تحالفات قوية، ويبقى الأكراد الطرف الوحيد الذي ليس له حليف ملتزم.
وبدا هذا واضحًا وجليًا خلال محادثات جنيف الثالثة، فعندما عبرت تركيا عن معارضتها الشديدة لمشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي في المحادثات، فإن حلفاءه المزعومين لم يصروا على إدراج الجانب الكردي، وعلى الرغم من محاولات الولايات المتحدة لكسب رضاء تركيا، بعد أن راجت أنباء عن ضلوع واشنطن في محاولة الانقلاب الأخيرة، إلا أنه من الواضح أن الولايات المتحدة ليست مستعدة للتضحية بحزب الاتحاد الديمقراطي.
لكن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل في الوقت ذاته على تسليط ضغط على حزب الاتحاد الديمقراطي من أجل التنازل عن طموحاته، لكنها ليست على استعداد في نفس الوقت لخسارة حليفها الكردي، وهو ما تأكده التحذيرات المتكررة التي يصدرها البيت الأبيض والبنتاغون للأكراد.
نشر بريت ماكغورت، مبعوث الرئيس الأمريكي للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، في تغريدة له على موقع تويتر أن الويلات المتحدة “تريد أن تؤكد أن هذه الاشتباكات (بين تركيا ووحدات حماية الشعب الكردية) في المناطق التي لا يسيطر عليها تنظيم الدولة، أمرًا غير مقبول ويسبب قلقًا كبيرًا للإدارة الأمريكية”.
تكشف هذه التصريحات من جهة عن تناقضات مؤسساتية غريبة داخل الإدارة الأمريكية في موقفها من وحدات حماية الشعب الكردية، التي تشكل جزءًا من القوات المعارضة لتنظيم الدولة، وفي طبيعة موقعها في المشهد العام للحرب السورية، ومن جهة أخرى، تثبت رغبة الولايات المتحدة الأمريكية مسك العصا من الوسط، في محاولة منها لاستغلال شراكتها مع وحدات حماية الشعب في مواجهة تنظيم الدولة، والمحافظة على علاقات جيدة مع شريكها الرئيسي في حلف الناتو.
إذا كانت الولايات المتحدة قد حثت وحدات حماية الشعب الكردية على الانسحاب من الجزء الشرقي للفرات، فإنها لم تمانع في غض النظر عن التحركات التي تقوم بها الوحدات الكردية من أجل السيطرة على الأراضي السورية في مناطق أخرى.
تحاول الولايات المتحدة الحد من آفاق العمليات العسكرية التركية، من أجل تفادي دخول تركيا في مواجهة مباشرة مع وحدات حماية الشعب الكردية، في الحقيقة، إن كل المواقف التي تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية تعارض نفوذ الأكراد في مناطق محددة دون غيرها، وهو ما يدل على أن الإدارة الأمريكية لا تتوقع وجود سوريا مركزية في المستقبل، وستشكل وحدات حماية الشعب وفقَا لهذه الرؤية جزءًا من سوريا في مرحلة ما بعد الأزمة.
المصدر: الجزيرة