لم تقف الأزمات السياسية والاقتصادية التي تشهدها تونس حائلاً أمام نجاح “مهرجان دوز الدولي للصحراء”، جنوبي البلاد، فمنذ انطلاقه يوم الخميس، وفي أول أيامه، زار المهرجان آلاف السياح الأجانب وكذلك مئات العائلات التونسية للاحتفاء بعرس الصحراء التونسية الدولي، الذي يحتفي بالصحراء في أبعاد ثقافية متعدّدة، ويخلق كعادته حالة من البهجة والفرح لدى جمهور المهرجان من التونسيين والأجانب.
مجموعة سياح يجربون ركوب الخيول في الصحراء
ويعنى المهرجان، الذي تتواصل فعالياته حتى الـ 29 من الشهر الجاري، بالخصائص الثقافية وعادات سكّان المناطق الصحراوية الممتدة بالجنوب التونسي، وتشارك فيه فرق فولكلورية وتنشيطية وجمعيات ثقافية محليّة ومن دول عربية وأجنبية.
وخلال مشاركته في حفل افتتاح المهرجان، قال الرئيس التونسي المنصف المرزوقي: “المغزى من وجودي هنا في دوز-المدينة التي يقام فيها المهرجان-، أننا شعب يفرح رغم الأزمات وأن الثورة متواصلة، والفرحة التونسية متواصلة”، وكان واضحًا أن المرزوقي، وهو أصيل مدينة دوز، حرص على دعوة الشعب للفرح من خلال هذه المحطة الثقافية رغم الأزمات السياسية والاقتصادية.
“محمد”، وهو رجل في العقد الرابع من عمره، اعتاد كل سنة أن ينصب خيمته التقليدية قرب ساحة المهرجان، كما هي أصول المنطقة وعاداتهم، لاستقبال السيّاح الذين يقودهم فضول كبير لتجربة الجلوس تحت خيمة صحراوية وتذوّق عدد من أطعمة الصحراء مثل خبز “المطبقة”، ويقول محمد لوكالة الأناضول: “باب الرزق يفتح بفضل كبير من الله خلال هذه الفترة أمام شباب دوز.. خاصة من يعمل منهم في المجال السياحي مثل الفنادق أو تأمين الرحلات الصحراوية للسيّاح على الجمال والخيل”.
ساحة “حنيش” التي تقام فيها فعاليات المهرجان، والتي تشمل “عراك فحول الجمال”، وسباق الخيل و”المهاري” وعروض الفروسية، وعروض الفرق الفولكلورية التي تأتي من دول مختلفة.
ومن بين أنشطة المهرجان التي تجذب اهتمام الزائرين، عرض صيد الأرنب البرّي باستعمال كلاب “السلوقي” الذي يحظى أيضا باهتمام خاص من قبل الضيوف الرسميين والدبلوماسيين الأجانب، وكذلك حفل العُرس التقليدي، ومعارك فرسان القبائل في الماضي، و”عكاضيات” الشعر الشعبي باللهجة المحليّة القديمة القريبة من اللغة العربية الأصلية، بالإضافة على عروض أخرى.
الحاج علي، بائع حليب الإبل، قال أنه “بفضل عرس الصحراء بدوز أصبحت المدينة مزارًا مضيافًا من مختلف دول العالم”، ومضيفا أن هذا المهرجان “سيظّل شاهدًا حيّا ومتحفًا محافظًا على عادات صحراوية فريدة، وثقافة مميّزة قوامها الكرم والشهامة والضيافة في أرض المرازيق”.
وتعتبر قبيلة “المرازيق”، والتي ينحدر منها الرئيس التونسي، من السكّان الأصليين لمدينة دوز، التي ما زالت تعرف لدى الكثير من سكّان الجنوب الغربي في تونس بـ”أرض المرازيق”، وتعود أصولهم إلى قبائل الجزيرة العربية التي هاجرت نحو شمال أفريقيا في ظلّ الفتوحات الإسلامية والتي فضّلت الاستقرار بالمناطق الصحراوية نظرا للتشابه في المناخ بين المنطقتين.
وتمثّل “دوز”، التابعة لمحافظة قبلي الصحراوية، جنوب غربي تونس، “المتحف الصحراوي” الأصيل لجملة من العادات والمواريث الحضارية لسكّان الجهة برمّتها، حيث تحتفي المدينة سنويًا بـ “عُرس الصحراء” فتتزيّن البيداء في مثل هذه الفترة من كل عام بعاداتها وتقاليدها وتزفّ في أبهى صورة إلى قوافل عشرات الآلاف من الزائرين التونسيين والأجانب الذين يقبلون بشغف لاكتشاف المدينة وصحرائها من خلال المهرجان الدولي للصحراء بـ”دوز”.
وترجع أصول مهرجان “دوز” الدولي للصحراء إلى ما يزيد عن قرن، عندما كانت تتقابل القبائل التي تقطن المنطقة الصحراوية الغربية، في “عيد الجمل” حيث يحتفل بالجمل، كركيزة سكّان المنطقة في التّنقل والعيش ضمن البيئة الصحراوية، وكان زعماء العشائر يقيمون الولائم، وتنظّم مسابقات “عراك الفحول”، وأجمل النوق، ويصل عدد المقبلين على المهرجان إلى ما أكثر من 100 ألف سائح سنويا، يتوافد أغلبهم على تونس مباشرة بعد انتهاء احتفالاتهم المقدسة بميلاد المسيح في 24 من شهر ديسمبر/كانون الأول .