إن كنت مصريًا، تعاني حاليًا، أو ستعاني قريبًا ويلات الغلاء والقمع، فيكفيك إذن ولا يلومك فيه أحد، أن تلعن الأحلام ومن يحلمونها، وكيف لا وما تعيشه أنت من كابوس يطبق على صدرك هو نتاج حلم ليلٍ كئيبٍ ما أقبحه.
أحلام تحولت إلى كوابيس
فالچنرال لم تقفز فكرة السلطة إلى عقله، هكذا بين ليلةٍ وضحاها، أو حتى في صباح من صباحات حزيران المشمسة في العام الثالث عشر بعد الألفين بعدما سمع بمجموعاتٍ من الشباب يريدون أن يطيحوا بالرئيس الإخواني وجماعته، أصحاب أول تجربة حكم مدني فاشلة منذ إعلان الجمهورية المصرية، بل كان الأمر قديمًا، قِدم التحاقه بالكلية الحربية في نيسان عام 1977، لكنه وحرصًا منه على أمانة الحلم قد حفظه في صدره واتحفنا به بعد انقلابه العسكري في الثالث من يوليو 2013 بعدة أشهر، وتحديدًا في ديسمبر من العام نفسه، العام الكبيس لو استخدمنا توصيفًا أقل حدة مما يصفه الشباب الآن.
حيث حواره مع الرئيس الأسبق أنور السادات في المنام، تنبأ السيسي خلاله بأن يصبح رئيسًا لمصر، في تسريب أذيع في نفس التاريخ من حواره مع رئيس تحرير المصري اليوم وقتها ياسر رزق.
بل إنه، أقرّ بتاريخه، مع الأحلام “أنا من الناس اللي ليهم تاريخ طويل في الرؤى – بس الكلام ده ليك إنت – بس أنا بطلت أتكلم في المنامات والرؤى من 7 إلى 8 سنوات يعني من 2006، أنا كان لي منامات وشفت كتير منها من 35 سنة محدش قدر يفسرها أبدًا، يعني شفت في المنام من سنين طويلة جدًا إنني رافع سيف مكتوب عليه لا إله إلا الله باللون الأحمر وده من 35 سنة”.
أما رئاسته لمصر، لم تكن في البداية سوى محض أضغاث أحلام للچنرال، وتابع “منام ثالث يتقال لي فيه حانديك اللي ما أديناهوش لحد، ومنام آخر مع السادات بكلمه بيقولي أنا كنت عارف إنني حاأبقى رئيس الجمهورية فقلتله أنا عارف إني حاأبقى رئيس الجمهورية”.
لا تبتسم، أنت تعيش في كرب نتيجة أحلام المهووس بالسلطة، منذ سنوات، وعليك أن تتحملها، وستتحمل تبعاتها وتجوع حتى يشتري الرئيس طائراتٍ فخمة.
مهيب الركن
قبل عدة أشهر، شوهد الچنرال وقد فرشت له سجادةً لكيلومترات لتمرّ فوقها سيارات موكبه المهيب، وليطئها بقدمه لثوانٍ، لتبدأ الموسيقى العسكري والتحيات في الترحيب بقدوم صاحب الطلّة البهية ليفتتح مجموعة من المشروعات، عن طريق الفيديو كونفرانس.
وقتها ثارت ثورة الجميع، من جنون عظمته، التي تجاوز بها كُل طواغيت العرب، بل إن في هذه اللقطة، وما سبقها وتلاها، تجلّى السيسي في طلّته، كأن القذافي قد بُعث للدنيا من جديد، لكن في ضاحية من ضواحي القاهرة، وليس في صحراء سرت الليبية.
ظهر الرجل، وكأن هذه هي اللقطة التي يريدها، يريد أن يكون الرئيس المعظّم صاحب الأمر والنهي، من ترفع له الأيادي بالتحية ولا تنخفض إلا بإشارته، تحمله الطائرات الرئاسية يُستقبل في دول العالم بحفاوة رئيس مصر، تصحبه القوات لتأمين شخصه، يُذكر اسمه في أول خبر ضمن نشرة أخبار التليفزيون الرسمي دائمًا، يعيش في القصور الرئيسية، ويتنعم بأموال الشعب.
هذا ماكان يريده الچنرال.
ألغاز لا تنتهي
في كل حديث له، أتساءل ولا أجد إجابةً وافية، متى سينتهي المشير، من كلماته المتقاطعة وحل أضغاث أحلامه وألغازه، وأتمنى، لكن دون جدوى، أن يمن الله علينا، ويلهم السيسي بإطباق صفحة الجريدة التي لا تقطُر إلا دمًا ويتركنا وشأننا، ويستمتع باشتراكه المميز في نادي كبار الضباط العسكريين، ويمارس هوايته في لعب الإسكواش مع أحد أبنائه، ويشارك أحفاده، لحظاتهم الصباحية الجميلة.
فمنذ يومه الأول، اعتاد الچنرال التعامل مع الشعب المصري بلغة الكلمات المتقاطعة، ألغاز نيللي وشريهان، لكن المفاجأة أنها بطابع سياسي هذه المرة، ولا يتوقف طبيب الفلاسفة عن إتحافنا بما تجود به فلتات لسانه في كل حديث وفي كل كلمة، وفي كل مناسبة.
هذه الألغاز التي يتحاكى بها السيسي دومًا، من عينة، أهل الشر والقوى الخفية، لا تعكس إلا ضعف الرجل، وفراغه من أي إثباتٍ أو نجاح، حتى وصل به الأمر، إلى السؤال، عن أسباب مطالبة المصريين بمعرفة دراسات جدوى المشروعات التي تطلقها سلطته كل صباح، وكأنه قد حصل على ورقة بيضاء، يكتب فيها كيفما شاء ووقتما شاء، دون حتى طرح أية أسئلة، وإن كان بريئة.
أقف دائمًا، عاجزًا عن الإجابة عن السؤال الأهم منذ ثلاث سنوات، ماذا يريد هذا الرجل منا كشعب ومن مصر كدولة؟ هذا الرجل غير واضح الهوية ولا المعالم، تلونه غريب وفريد من نوعه، غير مفهومة أسباب تحركاته، حتى كلماته التي تعبر عن مكنونات نفسه، يطلقها هكذا دون حسابٍ أو تفسير وعلينا نحن أن نفك شفراتها، ونصل بها ولو بعد حين، إلى ما مبتغى ومغزى كلامه، الكارثة أن حالة الهلوسة هذه، تنتقل تدريجيًا إلى وزرائه ونواب مجلسه وإعلامه، كل شيء أصبح لغزًا وعلينا أن نفك شفرته، حتى هذه البقعة من أرض المعمورة، أضحت لغزًا كبيرًا.