إثر الحادث المروع الذي حصل صبيحة يوم الأربعاء 31 أوت/ أغسطس بمدينة خمودة من ولاية القصرين والذي راح ضحيته 20 قتيلاً وأكثر من 50 جريحًا، وما كشفه من ضعف للبنية التحتية وانعدام لأسس العيش الكريم في تلك المناطق، لخصها أحد الجرحى بالقول “ينقصنا كل شيء، ينقصنا مستشفى لهذا المستشفى وولاية لهذه الولاية باختصار تنقصنا دولة”، عاد عدد من الناشطين للمطالبة بالعدالة الاجتماعية.
حادث أليم حصل مباشرة بعد عملية عسكرية في قلب مدينة القصرين استشهد خلالها شاب من أبناء المنطقة وبعد يومين من استهداف إرهابي في جبل السلوم من نفس الولاية استشهد خلاله 3 بواسل من جيش تونس الوطني.
3 حوادث تصيب نفس المنطقة في غضون 48 ساعة، جعل بعضهم يعلق بأن قدر هذه الولاية وغيرها من ولايات الداخل ألا يكون لها نصيب غير الموت والإرهاب والفقر وقساوة الحياة.
القصرين وسيدي بوزيد وقفصة، 3 ولايات تونسية كان لها نصيب الأسد من عدد شهداء مقاومة استبداد وظلم نظام بن علي، وكان لها الدور الريادي في ثورة الحرية والكرامة، فمنها انطلقت شرارة الثورة وفيها انتصرت، منها رفعت الشعارات المطالبة بالكرامة والعدالة الاجتماعية ورفض التمييز بين الجهات إضافة إلى مطالب الحرية والديمقراطية والعدل.
اللافت للانتباه أيضًا أن هذه الولايات تزخر بالثروات الطبيعية، فسيدي بوزيد توفر أكثر من 20% من الإنتاج الفلاحي في تونس وبفضل خيرات قفصة تونس تحتل المرتبة الخامسة عالميًا في إنتاج الفوسفات بمعدل 8 مليون طن سنويًا، القصرين أيضًا تزخر بثروات طبيعية على غرار الرخام والحلفاء والمنتجات الفلاحية.
في المقابل تسمى هذه المناطق بخط الفقر بالنظر للظروف الاجتماعية الصعبة التي يعيشها أهلها، حيث تبلغ نسبة البطالة وفق آخر الإحصائيات في القصرين 21.7% وفي سيدي بوزيد 15.4% أما قفصة فقد احتلت المرتبة الثانية وطنيًا بنسبة 28.2%، وانعدام مقومات العيش الكريم فيها بما جعل عدد من أبنائها ينزحون للعاصمة والمدن السياحية، حيث بلغ عدد النازحين من دواخل تونس إلى العاصمة بين سنتي 2011 و2012 أكثر من 62.9 ألف نازح.
بالعودة في التاريخ نلحظ أن هذا الوضع هو نتاج سياسات تنموية ركزتها دولة الاستقلال بقيادة الرئيس الحبيب بورقيبة، سياسة ميز فيها بين المناطق والجهات بتمييز المناطق الساحلية على حساب المناطق الداخلية، تمييز يتجلى بوضوح في مساهمة الدولة في تنمية الجهات وفي التفاوت في نسب البطالة والتعليم وحتى النجاح أيضًا وفي ظروف المنشآت الصحية وغيرها، تمييز واصل فيه بعمق نظام بن علي؛ مما جعل أهل هذه المناطق مساهمين رئيسيين كما أسلفنا في ثورة الحرية والكرامة.
فماذا أضافت الثورة لأصحابها؟
لقد قامت الثورة التونسية على مطلبين أساسيين هما الحرية والكرامة أي مطلب سياسي وآخر اجتماعي، ولئن توفقت النخب السياسية إلى حد الآن في الإنجاز السياسي من خلال تثبيت معالم الحرية والديمقراطية عبر التداول السلمي على السلطة من خلال انتخابات حرة ومن خلال منجز دستور 2014 مع تحقيق مكاسب أخرى في حرية التعبير والمساواة بين الجنسين، فإنه لا معنى لهذه المنجزات وهي مهددة بالتراجع عنها أو الانقلاب عليها ما لم ترتبط بالمطلب الاجتماعي، والمقصود بالمطلب الاجتماعي هنا هو العدالة الاجتماعية أي تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص بين الفئات والجهات من خلال منوال تنموي جديد يكون مرجعيته الدستورية الفصل الـ 12 من الدستور التونسي الجديد الذي جاء فيه “تسعى الدولة إلى الاستغلال الرشيد للثروات الوطنية وإلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة والتوازن بين الجهات استنادًا إلى مؤشرات التنمية واعتمادًا على مبدأ التمييز الإيجابي”.
منوال تنموي جديد تكون الأولوية فيه النهوض بواقع الفئات الضعيفة والمناطق المهمشة، منوال تنموي جديد يضمن العيش الكريم للمناطق الريفية بتوفير مقومات الصحة والتعليم وغيرها من الحاجيات الأساسية، منوال تنموي جديد يدفع أبناء هذه المناطق للمبادرات الخاصة والاستثمار في خيراتها ويضمن مساهمة الدولة في توفير مناخات مشجعة على الاستثمار والعمل.
خيارات يبدو أنها سهلة لكن يحول بينها وبين التحقق مجموعة من التحديات أهمها تحقيق الأمن والاستقرار ومن خلال القضاء على الإرهاب والانتباه لما قد يزعزع السلم الأهلي في تلك الربوع.
تحد آخر متعلق بضرورة إيمان أصحاب القرار بجدواها وبالتالي انتهاج خيارات اقتصادية واجتماعية على أساسها و إرادة سياسية تفعلها.
تحد مهم متعلق بأهالي هذه المناطق من خلال الاستعداد للبذل والعطاء والتضحية في سبيل خلق الثروة فيها عملاً بالمثل التونسي “كل بلاد تخدمها رجالها” أي كل منطقة ينهض بها رجالها.