ترجمة وتحرير نون بوست
تكشف كل المعطيات المتوفرة حاليًا على الساحة السياسة المغربية أن الانتخابات التي ستُجرى في المغرب بتاريخ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، ستعرف مواجهة حادة بين حزب العدالة والتنمية، الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة، وحزب الأصالة والمعاصرة المغربي، وبعد مرور خمس سنوات على وضع الدستور الجديد، لم تدخل الإصلاحات السياسية التي تضمنها حيز التنفيذ بعد.
وبعد خمس سنوات قضاها على رأس الحكومة المغربية، أعلن عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، عن إعادة تقديم ترشحه للانتخابات التشريعية القادمة التي ستدور الشهر المقبل.
ويسعى هذا السياسي الذي يواجه في السباق الانتخابي حزب الأصالة والمعاصرة، إلى تقديم حزبه في صورة قوة معارضة للنظام وقريبة من الشعب، كما كان منذ خمس سنوات، وتتضمن أجندته الانتخابية أهدافًا تتعلق بمكافحة الفساد والنهوض بالاقتصاد، وتحسين التعاملات بين المواطنين في الحياة العامة، وقد سمحت له هذه الوعود بالحصول على الأصوات في بعض الدوائر المغربية البعيدة عن العاصمة، علمًا وأنه حظي بأصوات بعض المعارضين لأيديولوجية حزبه.
وعلى الرغم من الانتقادات التي توجه إليه، ظلت شعبية بنكيران عريضة، ولازالت خطاباته الصريحة والتلقائية، التي تتحول أحيانا إلى الشعبوية، وهجماته الموجهة ضد الدولة وسياساتها، تستقطب الكثير من المغاربة، ومن السوابق التاريخية، أن بنكيران هو أول رئيس لحكومة منتهية ولايتها في عهد محمد السادس يعلن ترشحه للانتخابات التشريعية.
وفي حديث له عن تقييم مدته النيابية، اعترف بنيكران بمحدودية صلاحياته، وقد صرح في مقابلة نشرت على موقع “الأول” أنه كلف بأعمال محددة ولا يملك سلطات واسعة، ولكن تجدر الإشارة إلى أن السياسة التي اتبعها حزب العدالة والتنمية، سواء على مستوى الإصلاحات السياسية أو مكافحة الفساد، عُرفت بفشلها.
غياب الإرادة السياسية
وأشار محمد العربي بن عثمان، أستاذ القانون في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية في أكدال، إلى أن “حزب العدالة والتنمية ادعى، في البداية، عزمه على تطبيق برنامج تغيير داخلي للنظام، في الواقع، وجد الحزب نفسه عاجزًا على التوفيق بين هدفيه المتمثلان في رغبته في التغيير وعمل ما بوسعه لإثبات ولائه للنظام الحاكم، وانتهى به الأمر إلى أن يجد نفسه مكبلاً غير قادر على تحقيق أي تغيير سياسي يذكر.”
وأضاف بن عثمان قائلاً: “إن سياسة رئيسة الحكومة تفتقر إلى الإرادة السياسية، كما أن حزب العدالة والتنمية لا يمتلك لا رؤية واضحة ولا مهارات، ونتيجة لذلك، كان أداؤه الحكومي مثيرًا للجدل رغم تمكنه من إدارة شؤون الدولة بصفة نسبية، ورغم عمله، في درجة أولى على الحصول على دعم شعبي من المغاربة دون أي اعتبارات أخرى، لذلك حاول تنفيذ توصيات المانحين الأجانب، بما في ذلك إعادة النظر في قواعد عملية التعويض، وإصلاح خطة خدمة تقاعد الموظفين.”
وعلى الرغم من حدود تجربة هذا الحزب في الحكم، فإن بعض المراقبين السياسيين يدافعون على إنجازاته القليلة ويعتبرونها خطوة في المسار الديمقراطي، وإذا كانت سياسات هذا الحزب قد خلفت خيبة أمل على المستوى السياسي والاجتماعي، فلا زال هؤلاء المراقبون يعتقدون أن حزب العدالة والتنمية يشكل بديلاً عن حزب الأصالة والمعاصرة، الذي يصطف حاليًا بين المعارضة ولكنه تأسس في عام 2008 من قبل فؤاد علي الهمة شرم، الوزير السابق للداخلية المغربية والمستشار الحالي والموالي للملك محمد الخامس.
وعن كل هذه التصريحات، رد النائب مهدي بن سعيد، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين بالخارج قائلاً “إن حزب الأصالة والمعاصرة لا يسعى إلى الوصول إلى الحكم، فقد تم إنشاؤه منذ تسع سنوات ولم نشارك بعد في أي تشكيلة حكومية.”
وبدا هذا النائب الشاب واثقًا من أن الانتخابات القادمة ستحسم الخيارات الحقيقية للمجتمع المغربي، وبالنسبة لأعضاء حزب الأصالة والمعاصرة، فإن رهانات هذه الانتخابات لا تتمثل في تقاسم السلطة التنفيذية ولكن في دعم نموذج مجتمع حداثي مخالف لرؤى حزب العدالة والتنمية “الرجعي”، وعلى المستوى المؤسساتي، ووفقًا لبن سعيد، فإن الدستور الجديد لسنة 2011 الذي نظّر للفصل بين السلطات الثلاث كاف لإحداث تغيير ديمقراطي، وللتذكير، فإن 98% من المغاربة صوتوا على هذا الدستور الجديد الذي يوسع من صلاحيات الحكومة والبرلمان ولكنه يحافظ على نفوذ الملك على رأس السلطة التنفيذية.
حزب العدالة والتنمية؛ حزب معارض للمخزن؟
خلال الانتخابات المبكرة التي نظمت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، فاز حزب العدالة والتنمية الإسلامي بـ107 مقاعد، وهو ما لم يحصل قبل في تاريخ المملكة المغربية، وعلى الرغم من ذلك، وجد نفسه مجبرًا على قيادة حكومة ائتلافية مع أطراف سياسية تبعد كل البعد عن توجهاته مثل الحزب الشيوعي السابق، الذي صار اسمه حزب التقدم والاشتراكية، في يناير/ كانون الثاني 2012، ترأس حزب العدالة والتنمية لأول مرة في تاريخه الحكومة المغربية، مستفيدًا من النسخة المغربية للربيع العربي، ومن حركة شباب 20 فبراير/ شباط، التي تشترك معه في أولوياته الرئيسية، المتمثلة في مكافحة الفساد.
إن حزب العدالة والتنمية لا يشبه بقية الأحزاب السياسية في المغرب، ذلك أنه أنشئ في عام 1998 من قبل عبد الكريم الخطيب، المقرب من القصر الملكي، وللاندماج في اللعبة السياسية، تحول هذا الحزب تدريجيًا إلى حزب محافظ ضمن مكانه بين الطبقة السياسية، بأفكار رجعية لا تثير سخطًا من الأطراف السياسية، والانتقادات التي توجه اليوم إلى حزب العدالة والتنمية من قبل معارضيه تعود إلى سوء إدارته لشؤون الدولة في الفترة التي ترأس فيها المملكة وليس إلى توجهاته الإيديولوجية.
وبعد هجمات 16 مايو/ آذار 2003 التي هزت الدار البيضاء، والتي حُمل حزب العدالة والتنمية مسؤوليتها الأخلاقية، دعا بعض المعارضين للإسلاميين إلى حل هذا الحزب، بحجة أنه لا يتبنى إسلامًا معتدلاً، إلا أن أطرافًا أخرى رأت أن ممارسة إسلاميين معتدلين للحكم يمثل حصنًا ضد الإسلام الراديكالي والمتطرف؛ لذلك، وفي مناسبات عديدة، وافق الحزب على تقديم عدد محدود من المرشحين للانتخابات لطمأنة الرأي العام، مدعيًا أن ذلك يعود إلى نقص الخبرة السياسية لأعضائه، وحتى عام 2011، بدا حزب العدالة والتنمية حلاً سياسيًا للحد من وطأة موجة الاحتجاجات المستمرة منذ عدة أشهر.
وعلى الرغم من الدعم غير المشروط الذي يقدمه هذا الحزب إلى الملك، فإن انتقاداته، المزدوجة، للنظام و”للحاشية الملكية”، هي التي جعلت نسبة هامة من الشعب المغربي تتأثر بتوجهاته، ولكن منذ ذلك الحين، خفف حزب العدالة والتنمية من حدة خطاباته الموجهة للسلطة، وبدا متأرجحًا، حسب تغير المعطيات والمناخ السياسي، بين مناهضة النظام والخضوع والرضوخ التام له، وظهر هذا التردد على مستوى تصريحات أمينه العام، وعلى أي حال، فإن هذا الحزب أيد بشدة، في السنوات الخمس الماضية، الوضع الراهن المؤسساتي، وقد أكدت تصريحات بنكيران بخصوص محمد السادس ودفاعه عن النظام الملكي ذلك، فقد أعلن مؤخرًا عن مواصلته دعم ومساندة الملك المغربي “حتى إذا ألقي في السجن.”
انحدار الديمقراطية؟
تركت تجربة حزب العدالة والتنمية في الحكم وداخل المجتمع المدني شيئًا من المرارة، فبالنسبة للكثيرين، كان هذا الحزب قوة صورية موالية للملك واصلت الحملة القمعية التي أطلقها النظام المغربي منذ ربيع 2011، لإخماد صوت الشارع المغربي.
وفي السنوات الأخيرة زادت الضغوطات والقضايا المرفوعة ضد الصحفيين، وتراجعت حرية الصحافة في المغرب، علمًا وأن هذا البلد يحتل المرتبة 131 في تصنيف منظمة مراسلون بلا حدود، ولم يحتو قانون الصحافة الجديد الذي وافق عليه وزير الاتصالات والمتحدث باسم حكومة حزب العدالة والتنمية مصطفى الخلفي، والذي انتظرته الساحة المغربية سنوات طويلة، أي إصلاحات حقيقية، وقد عمل الخلفي على سن قانون ينظم قطاع الصحافة ولا يضم عقوبات تحد من الحريات، ولكنه يحيل، بطريقة غير مباشرة، إلى مادة من مواد القانون الجنائي نشرت هذا الشهر في الرائد الرسمي تنص على عقوبات جنائية شديدة تصل إلى حبس كل شخص يخالف الدين أو النظام الملكي أو الوحدة الإقليمية مدة سنتين و/ أو إجباره على دفع غرامة مالية بين 20 ألف و200 ألف درهم، وتقسو العقوبات إلى أن تصل إلى السجن مدة خمس سنوات ودفع غرامة يمكن أن تبلغ 500 ألف درهم إذا حدث ذلك في خطاب عام أو عن طريق الصحافة.
في الختام، يعتبر المستاءون من الأزمات المتواصلة التي عرفتها عملية التحول الديمقراطي في المغرب التي استمرت ما يقارب عشرين عامًا، والمتمثلين في نشطاء تابعين لليسار المتطرف والمدافعين عن حقوق الإنسان أن الوضع في المغرب لا يتغير، إلى حد أن البعض منهم يشكك في مصداقية الانتخابات أصلاً ويقولون إنه يمكن للفائزين فيها تبادل المناصب، فقد فقد الرأي العام المغربي الثقة في الطبقة السياسية، كما أن الإجراءات المقررة بخصوص الفصل بين السلطات والمطالب الداعية إلى ضرورة مساءلة حركة شباب 20 فبراير/ شباط لم تؤخذ بعين الاعتبار إلى حد الآن.
المصدر: ميديا بارت