انعقد في مدينة غروزني، عاصمة جمهورية الشيشان، في الـ 25 من الشهر الماضي، ما سُمي بالمؤتمر العالمي لعلماء المسلمين، تحت عنوان: “من هم أهل السنة والجماعة؟…”، برعاية رئيس الجمهورية رمضان أحمد قديروف، وحضور شيخ الأزهر، وأكثر من مئتي شيخ من من أنحاء العالم الإسلامي.
البيان الختامي للمؤتمر خلص لإجابة على سؤاله، وهي أن “أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية في مذاهب الاعتقاد، وأهل المذاهب الأربعة الفقهية الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في الفقه، وأهل ما أسموه “التصوف الصافي”…
هذا التعريف يعني لزامًا إخراج أهل الحديث والآثر “السلفية” من تعريف أهل السنة والجماعة، الأمر الذي أحدث ردود فعل غاضبة وساخطة في أوساط السلفيين، كان أشدها وصف المؤتمر بأنه حلقة في سلسلة مؤامرة تدور على أهل السنة والجماعة.
هذا الخلاف القديم المتجدد الذي يعود إلى عصر نشأة الفرق الكلامية، يتجدد بذرائع سياسية دفينة كل فترة من الزمن حسبما سطوة الذراع السياسية المتترسة سياسيًا وشعبيًا بمذهب عقدي معين.
فلم يكن مستهجنًا قبل ذلك الواقع السلفي المنقض على الصوفية في كل المحافل بذراعه السعودية الأقوى في المنطقة، والذي كان يخرج الأشاعرة والماتريدية من مصطلح أهل السنة والجماعة، وكذلك يشن حملاته على المتصوفة واصفًا إياهم بـ”القبوريين”، وهذا هذا كان هناك رد صوفي بأذرعة سياسية لإيران وغيرها في مواجهة المد السلفي السعودي.
أما الآن فثمة سطوة ظهرت انضم إليها الأزهر بواقعه الحالي، وخرج مؤتمر مدعوم من رمضان قديروف الذراع الروسية الأبرز في منطقته، وبحضور كبار مشايخ الصوفية في العالم الإسلامي، ولا يخفى الدعم الإماراتي لهذا النمط من التدين ومن خلف ذلك الدفع باتجاه إقامة مؤتمر مثل هذا يحدث هجمة على النمط السلفي السعودي المهمين لعقود في الخليج.
واقع من ذهبوا
باستعراض الأسماء التي ذهبت إلى هذا المؤتمر سنجدها جلها من هيئات دينية رسمية، بالإضافة إلى ما يمكن تسميتهم بالمشايخ الدولتية، أو ما يُطلق عليهم في بعض الأوساط “مشايخ السلطان”، فواقع هؤلاء السياسي يؤكد انتقائهم بعناية ما يعطي رسائل سياسية بحتة من بيان هذا المؤتمر.
وتاريخ الحضور يشهد على دعم الأنظمة الاستبدادية في الوطن العربي، والأقل منهم درجة ينتمي لفريق اعتزال السياسة وتركها للحكام، مع الاشتراك في بث هذه الثقافة داخل مجتمعاتهم، مع إطلاق العنان لهم من قبل أنظمة بلدانهم للتبشير بمذهبهم الصوفي أو غيره، في حين يستخدموا في ضرب أي حركات سياسية “إسلامية” لمواجهة الند بالند.
والمراقب للخطاب الديني الإسلامي السلطوي حاليًا سيلاحظ بداية حملا إقليمية تبشيرية منظمة لهذا النمط من التدين، الذي يعتلي منبر الحرب على الإرهاب، لذا فهو مرحب به سياسيًا في الشرق والغرب.
بينما يحاول من ذهبوا إلصاق تهم الإرهاب في جماعات الإسلام السياسي، وكذلك الجماعات السلفية الجهادية، والتي يردون أصلها إلى الفكر السلفي جملة واحدة، لذا لم يكن ليدرجوا السلفية حتى بمعناها العلمي في إجابتهم على سؤال من هم أهل السنة والجماعة.
لذا يمكن الخروج بسمة عامة لواقع من ذهبوا إلى المؤتمر، وهي كونهم ذراع دينية للأنظمة السلطوية في المنطقة، مدعومين من قوى إقليمية ودولية، وقد أشار الكثير من المحللين للدور الروسي في انعقاد مثل هذا المؤتمر.
واقع من لم يذهبوا
من تم إقصائهم من هذا المؤتمر ليسوا أفضل حالًا من الجهة السياسية ممن ذهبوا إلى غروزني، ولكنه الصراع الذي أشرنا إليه في البداية بين الأذرع الدينية التي تخدم “أنظمة ذات طبيعية سلطوية واحدة”، والمختلف هو التخفي وراء خلافات تعود جذروها إلى مئات السنين لم تحل منذ ذلك الحين، ولن تنحل بسبب ظاهرها الديني وباطنها السياسي الحالي.
غالبية المعترضين على المؤتمر بعيدًا عن تيارات الإسلام السياسي، هم أصحاب النسخة السلفية السعودية، التي تقصي الجهة الأخرى من مفهوم أهل السنة والجماعة، والتي تشترك هي الأخرى في دعم الأنظمة السلطوية كذراع ديني أمام المجتمعات.
وهو محترفو صراعات كلامية كهذه بعيدة كل البعد عن واقع المجتمعات الإسلامية وحاجاتها الحالية، بل مع خلافهم الشديد مع مشايخ مؤتمر الشيشان، إلا أنهم يدعمون أوليائهم السياسيين بلا أي حرج، وفي النهاية يحاول هذا التيار أن يثبت ولاءه للسلاطين، ولكن مع نفي فكرة خروج “الإرهاب” من عبائته.
فبتدقيق النظر لن نجد اختلافًا كبيرًا بين من ذهبوا ومن لم يذهبوا في إطار المشاريع السياسية، والاستثناءات في الفريقين لا تنفي القاعدة بل تثبتها، إذ لا يخفي وجود من يغرد خارج السرب هنا وهناك، ولكن المواقف السياسية ذات الصبغة الدينية تقصي أصحابها دومًا من على هذه الموائد، بالإضافة إلى أعداء هذا المؤتمر من التيارات الإسلامية السياسية بشتى تنوعاتها.
لا فرق بين الحضور والغياب في مثل هذه المؤتمرات التي لم تنعقد لمناقشة مشكلة واحدة تلم بالمجتمع الإسلامي، رغم اندلاع حروب هنا وهناك في المنطقة، إلا أن هؤلاء آثاروا أن يذهبوا للعراك التاريخي، وهو ما يثبت شركاتهم مع الأنظمة في تخدير الشعوب بشتى الطرق.
إن تعريف المجتمعات بذواتها وحاضرها ومشكلاتها وتحدياتها هو الأولوية الكبرى، وليس التعريفات الخلافية التاريخية، وفي الواقع لم يقم الحضور بهذا، ويماثلهم من غابوا كذلك.