يبدو أن التحركات العربية التي تقودها “مصر والأردن” نجحت هذه المرة في أن يتصدر النائب في المجلس التشريعي والقيادي المفصول من حركة “فتح” محمد دحلان، المشهد السياسي الفلسطيني من جديد، رغم المعارضة الكبيرة التي يكنها قادة الحركة في رام الله بالضفة الغربية المحتلة لرجل “السلطة القادم”.
في السابق، رفض الرئيس عباس الوساطة المصرية للمصالحة مع دحلان، ولكن يبدو أن هذه المرة انصاع الرئيس الفلسطيني، للضغوطات العربية الهائلة والتي اجتمعت فيها دول عربية ذات وزن ثقيل منهم” مصر، والأردن، والإمارات، والسعودية”، لأجل سبب واحد يتمثل بإعادة دحلان لـ “الحضن الفتحاوي” الدافئ.
التحرك والضغط العربي الكبير لإعادة دحلان من جديد على الساحة السياسية، فتح باب التساؤلات واسعًا حول الهدف الرئيسي من هذا الجهد، وهل الخطوة الأولى هي العودة لفتح، أما الثانية إزاحة كرسي الرئاسة من تحت الرئيس عباس وجلوس دحلان عليه، بدعم عربي؟
تحركات عربية غامضة
معظم قيادات الصف الأول لدى حركة “فتح” والمقربين من الرئيس عباس، لا يجدون أي تفسير واضح للتحرك والاهتمام العربي الكبير في عودة دحلان من جديد للساحة الفلسطينية، عبر بوابة حركة “فتح”، إلا الظفر بكرسي رئاسة السلطة وأن يكون خليفة عباس.
مسؤول رفيع المستوى في حركة “فتح” وعضو في لجنتها المركزية، كشف عن بدء التحركات العربية الساعية لإعادة ترتيب البيت الفتحاوي الداخلي، وتجاوز كل العقبات التي تعيق وحدة صف الحركة وقرارها السياسي.
وأكد المسؤول الفتحاوي، أن الجهود العربية تقودها جمهورية مصر العربية، وبدعم من المملكة الأردنية الهاشمية، وجرت خلال الأيام الأخيرة تحركات بهذا الجانب، وهناك تجاوب من قبل رأس الهرم في حركة “فتح“ مع الجهود العربية.
وذكر أن القاهرة عقدت قبل أيام لقاءً هامًا مع قيادات فلسطينية بارزة، بحثت معها بشكل واضح ترتيب البيت الفتحاوي الداخلي، وإيجاد طرق قانونية ومتفق عليها داخل الحركة لإعادة النائب في المجلس التشريعي، والمفصول من الحركة محمد دحلان، إلى حضن الحركة من جديد.
المسؤول الفتحاوي، لفت إلى أن هناك ضغوط كبيرة من قبل الأردن ومصر على الرئيس محمود عباس، من أجل تليين موقفه تجاه ملف عودة دحلان، وتعهد من الأخير بالتماشي مع لوائح وقوانين الحركة الداخلية في قضيته، كاشفًا أن الاتصالات العربية مع الرئيس عباس تتم مباشرة، والرئيس الفلسطيني لم يعارض جهود القاهرة وعمان، بل رحب بهما على قاعدة حرصه على وحدة الحركة الداخلية، إلا أن “أبو مازن” لم يعطِ وعدًا صريحًا بالموافقة على عودة دحلان للحركة.
بناءً على تلك التطورات، توقع المسؤول الفلسطيني، أن تنجح الضغوط العربية على الرئيس عباس لفتح صفحة جديدة مع النائب دحلان، وعودته للحركة مجددًا خلال الأسابيع المقبلة، وأن لقاءً قريبًا سيجمع عباس ودحلان، مؤكدًا أن كل فلسطيني يرغب في أن تكون فتح قوية ولا توجد بها أي انقسامات داخلية.
وفي الفترة الأخيرة، ظهرت عدة مؤشرات إيجابية تنبئ بفرصة كبيرة لنجاح جهود إعادة لملمة صفوف فتح، بعد إرسال كشف بأسماء 13 قياديًا من “التيار الإصلاحي” لدحلان، لإعادتهم لصفوف حركة فتح، وأن قوائم فتح في الانتخابات المحلية المقبلة، التي قدمت للجنة الانتخابات المركزية، تمت بالتوافق ما بين تيار دحلان وتيار عباس.
بداية القصة
بدأت قصة عودة دحلان، بالزيارة التي قام بها موفد رئاسي مصري قبل أسبوعين إلى رام الله، حاملًا رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى الرئيس عباس، تطرح الرؤية المصرية والعربية لمواجهة التحديات المقبلة، يأتي في صدارتها تسوية الخلافات داخل حركة فتح، كمقدمة لإنهاء الانقسام من خلال حمل حماس على الاستجابة لجهود المصالحة، تحت التهديد برفع الغطاء العربي عنها في حال عدم استجابتها لتك الجهود.
وكان الرئيس عباس أوفد خمسة من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح إلى القاهرة الأسبوع الماضي، للتباحث حول الآليات العملية لتطبيق المقترحات المصرية، التي تضمنت دعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على إدارة الأوضاع في القطاع، مع تواجد للحرس الرئاسي على معبر رفح، لتسهيل حركة المواطنين عليه.
القاهرة أعربت عن مخاوفها من تنامي الحضور لدولتين لا ترتبط بعلاقات حسنة معهما في غزة، هما، تركيا وقطر، الأمر الذي اعتبرته القاهرة تهديدًا لأمنها القومي، بينما اعتبرت عمّان المصالحة داخل حركة فتح جزءًا من أمنها القومي، معربةً عن مخاوفها من حدوث فوضى في الأراضي الفلسطينية في حال نشوب خلافات داخل الحركة التي تعتبر العمود الفقري وصمام الأمان للشعب الفلسطيني.
وتعيش “فتح” صراعًا داخليًا منذ أن قررت لجنتها المركزيّة (الجهة القيادية الأعلى فيها)، برئاسة الرئيس محمود عباس، فصل القيادي الفتحاوي ومستشار الأمن القومي للسلطة الفلسطينية محمد دحلان في أيار/ مايو من عام 2011، وتحويله إلى النائب العام الفلسطيني بتهمة الفساد المالي وقضايا قتل، منها المشاركة في اغتيال صلاح شحادة القائد العسكري في حماس الذي اغتالته إسرائيل في غزة عام 2002، واغتيال عدد من قيادات فتح عام 1993 في غزة، وهم: “محمد أبو شعبان وأسعد الصفطاوي“، وعلى إثر ذلك تعمق الخلاف بين دحلان وعباس، رافقته موجة من التراشق الإعلامي وتبادل الاتهامات بينهما، رغم سعي مصر ودول أخرى لوضع حد لهذا الخلاف.
تطور جديد في فتح
وأعطى اجتماع اللجنة المركزية الأخير أملًا في قرب وضع حد للانقسامات التي تعصف بالحركة، حيث شدد في بيان عقب نهاية مداولاته، على أهمية وحدة فتح، داعيًا إلى ضرورة النظر في تظلمات الأعضاء المفصولين.
وأكدت اللجنة المركزية في بيانها تصميمها على إنجاح الانتخابات المحلية وإجرائها في موعدها المحدد، ودعت أبناءها وكوادرها كافة إلى تعزيز وحدتهم وتعاضدهم وتضامنهم، والتعالي عن الخاص للعام.
البيان لاقى ترحيبًا كبيرًا داخل الأوساط الفتحاوية، واعتبر عضو المجلس الثوري لحركة فتح سمير المشهراوي (الذراع اليمني لدحلان)، أن بيان اللجنة المركزية للحركة “جاء في لحظات حرجة من عمر قضيتنا الوطنية، ونحن في أمس الحاجة لرص الصفوف ومواجهة التحديات“.
وقال المشهراوي في تدوينة له عبر صفحته علىفيسبوك: “إنني هنا أثمن هذا الخطاب الوحدوي المسؤول، والذي جاء في لحظات حرجة من عمر قضيتنا الوطنية وحركتنا الأبية، ونحن في أمس الحاجة لرص الصفوف ومواجهة التحديات“،وأضاف: “إن إيماننا الراسخ بأن قوة فتح في وحدتها، وفي وحدتها قوة لفلسطين وشعبها، يجعلنا دائمًا سباقين لدعم أي جهود صادقة لإنجاز هذا الهدف، والذي يقودنا لإنجاز أهدافنا الوطنية“.
وفي هذا الإطار، وصف المحلل السياسي، عادل سمارة، الدور العربي الرسمي بأنه “تخريبي” في مسيرة القضية الفلسطينيّة، والأطراف الساعية إلى تحقيق المصالحة الفتحاوية، وهي السعوديّة ومصر والأردن والإمارات، تقود محورًا معاديًا لدولة قطر والإخوان المسلمين وحماس، وهي ترتبط جميعا بعلاقات وثيقة، وتشكل فيما بينها محورًا يحظى بدعم تركيا، لاسيما بعد الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي في تموز/ يوليو 2013، من قبل الجيش المصري“.
وأضاف المحلل السياسي: “قد تنجح الجهود العربية هذه المرة في مصالحة فتح الداخلية، وتؤدي إلى أن يرشّح دحلان نفسه للانتخابات الرئاسية ما بعد عباس“.