ترجمة من الفرنسية: نون بوست
قتل طاغية أوزبكستان أعداءه، وحبس كل من عارضه وانتهك علنًا حقوق الإنسان، وتعددت خروقاته على مرأى من الولايات المتحدة الأمريكية، القوة العالمية الأولى.
وسيقود موت إسلام كريموف، الرئيس الوحيد الذي عرفته دولة أوزبكستان المستقلة، والذي أعلن عنه رسميًا في وقت مبكر من مساء يوم الجمعة 2 سبتمبر/ أيلول، آسيا الوسطى إلى مستقبل مجهول.
وتحولت دولة أوزباكسان، أهم دولة في المنطقة على المستوى الجغرافي والديموغرافي، في عهد كريموف إلى نموذج لدولة بوليسية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي: دولة فاسدة تكرس ممارسات وحشية وشرسة، ومع وفاة كريموف ستعرف أوزبكستان تجربة جديدة بقيادة مختلفة في الوقت الذي تعرف فيها آسيا الوسطى أزمات اقتصادية ومشاكل جيوسياسية عميقة.
وحتى في هذه المنطقة التي كسرت حكم الطغاة، عرف كريموف بممارسة السلطة بقبضة حديدية، وقد شغل هذا الرئيس، في السابق، منصب أول أمين عام للحزب الشيوعي الأوزبكي خلال الحقبة السوفيتية، ومنذ الاستقلال، عمل على إزالة أول أحزاب المعارضة، فقد تم حظر اثنين منهما وهما بيرليك (بمعنى الوحدة) وإرك (الحرية) وصارت اجتماعات أعضائهما العامة ممنوعة كما نفي قادتهما إلى الخارج في أوائل عام 1990، وقد فر المئات، إن لم نقل الآلاف من المنفيين السياسيين التابعين لهاتين الحركتين أو غيرهما صوب تركيا أو أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية.
وكانت هذه المنطقة هامشية، وسط رقعة جغرافية سبق أن شهدت صحوة دينية كبيرة خاصة بعد أن رفعت بعض القيود التي كانت مفروضة على التعبير الديني وحرية المعتقد من قبل نظام الحكم السوفييتي.
وقد ظهرت جماعات سلفية عنيفة معارضة لدولة كريموف، وشجعتها الحرب الأهلية في طاجيكستان المجاورة على النشاط في أواخر التسعينات، وقد نظمت هذه الحركة الإسلامية ونفذت العديد من الهجمات الإرهابية في البلاد وفي جنوب قرغيزستان، ولكن بعد غزو أفغانستان من قبل الولايات المتحدة، ركزت هذه الجماعات على محاربة قوات التحالف بدلاً عن أوزبكستان، إلا أن حكومة كريموف تناولت جميع التهديدات بنفس هذه النظرة العنيفة.
في عام 2005، بعد أن تجمع المواطنون في الميدان الرئيسي من مدينة أنديجان، في وادي فرغانة، على إثر عملية هروب المساجين من السجن، قتلت قوات كريموف المئات من المدنيين، وفي إطار الحملة القمعية التي تلت ذلك، كما أغلقت الحكومة مكاتب المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني، وبعد ذلك، شنت الحكومة موجة جديدة من العنف والقمع الموجه ضد بعض الجماعات والمنظمات المحلية المدافعة عن حقوق الإنسان وضد المعارضين السياسيين الذين لم ينجوا من بطش الاستبداد السياسي القائم في أوزباكستان.
وبعد أن قامت بإدانة هذه المجزرة، طردت قوات الولايات المتحدة من القاعدة العسكرية في كارشي خان آباد، ولكن بحلول عام 2009، تحسنت العلاقات بين البلدين تزامنًا مع توتر الأوضاع بين الولايات المتحدة وباكستان، التوتر الذي هدد خطوط إمداد قوات التحالف في أفغانستان.
ديكتاتورية رائدة
وتشكل آسيا الوسطى جزءًا هامًا من بديل الشبكة الباكستانية التي وضعتها الولايات المتحدة، حيث تمثل أوزبكستان أهم نقطة عبور للبضائع والمعدات المتجهة نحو القوات الأمريكية المتمركزة على الأراضي الأفغانية، وقد تراجعت واشنطن واتبعت هذه الخطوات دون أن يكون نظام كريموف قد اعترف بجرائمه في أنديجان، كما أن جماعات حقوق الإنسان لم تعد إلى حد الآن للنشاط مجددًا في هذه البلاد، كما قوبلت مطالب الصحفيين ونشطاء المجتمع المدني بالدخول إلى هذا البلد بالرفض في أغلب الأحيان.
وفي السنوات الأولى من القرن الحالي، لم يتبق سوى عدد قليل من الجمعيات وبعض الناشطين في مجال حقوق الإنسان وعدد قليل من الصحفيين المستقلين، الذين يعملون في الخفاء أو – لمزيد من المغامرة – يتحدون علنًا السلطات التي توقفهم وتسجنهم وتغتصبهم، وقد يصل بهم الأمر أحيانًا إلى أن تقدم السلطات على حرق منازلهم كوسيلة للانتقام منهم.
وتمتلئ سجون هذا البلد بالآلاف من المدنيين المتهمين بارتكاب “أنشطة دينية غير مصرح بها”، وفي عام 2013، أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيانًا علنيًا عبرت فيها عن إدانتها لتصلب النظام الذي تدخل حتى في الزيارات التي تؤديها اللجنة للمحتجزين وهو ما جعل من هذه الزيارات إجراءات “غير مجدية”.
ويفسر هذا الماضي العنيف سبب اعتقاد عدد قليل من المراقبين السياسيين المنتمين والعاملين في آسيا الوسطى بإمكانية وقوع “الربيع الأوزبكي” بعد وفاة كريموف، فالمعارضة السياسية قد نفيت إلى الخارج، وتزاول نشاطاتها، في المقام الأول، انطلاقًا من شبكة الإنترنت، من خلال مجموعة من المواقع والمجموعات المنشقة التي تقضي الكثير من الوقت في نقاشات حادة وعنيفة لمحاولة الهروب من قتلة كريموف، كما أن هذه الفئات لا تمتلك أي خبرة في إدارة الشؤون الداخلية للبلاد، بالإضافة إلى عدم وجود أي منظمات مستقلة يمكن الاعتماد عليها، وأنا لا أتكلم فقط عن المنظمات غير الحكومية الدولية، فالهياكل القضائية والنقابات العمالية والمساجد غير مستقلة أيضًا وحتى دوري كرة القدم.
وكانت أخبث ملامح خطة النظام تتمثل في تسلل أجهزة الدولة إلى كل مجالات الحياة، حيث أصبح القادة المحليون موظفين لدى الدولة، يتحملون مسؤولية الحفاظ على النظام ونقل معلومات عن أنشطة جيرانهم إلى رؤسائهم.
نهاية الانعزالية؟
وعلى أي حال، جاءت وفاة كريموف في وقت حساس للغاية بالنسبة لأوزبكستان ومختلف دول آسيا الوسطى، فقد تسبب انهيار أسعار النفط والعقوبات الغربية التي فرضت على روسيا في انهيار مفاجئ لاقتصادات دول آسيا الوسطى، التي تعتمد على النفط من ناحية، وعلى روسيا من ناحية أخرى.
ولكن في منطقة طغى عليها الفساد والتدخل المفرط للدولة في الحياة الاقتصادية، بدت أوزبكستان من بين الدول التي تتبع سياسة الاكتفاء الذاتي، كما أنه ليس من الغريب أن تتم مصادرة الشركات الأجنبية في هذا البلد بدون أي سابق إنذار، أو أن تتجاوز أسعار الصرف الرسمي أسعار السوق السوداء بمرتين، فالإحصاءات الاقتصادية الرسمية في أوزبكستان منبع لتفاؤل مثير للسخرية، ولكن ما تمكننا من الحصول عليه من التقارير بخصوص التدابير الإقليمية يكشف واقعًا صعبًا، يتجلى من خلال انخفاض قيمة العملة المحلية في مقابل الدولار وكذلك انخفاض معدل الدخل الأسري.
ومن المؤكد أن الإعلان عن وفاة كريموف سيخلق صدمة جديدة داخل نظامه حكمه الذي بدا دائمًا، حتى في فترة أوجه وازدهاره، نظامًا هشًا.
إن أكبر تغيير يمكن أن يحدث هو نهاية الانعزالية التي رسخها كريموف، فأوزبكستان، هي الدولة الوحيدة التي لها حدود مشتركة مع أربع دول من آسيا الوسطى ومع أفغانستان كذلك، كما أنها قلب المنطقة والبلد الذي يعد أكبر نسبة من السكان، وقليلة هي المشاريع الإقليمية التي تنفذ دون مشاركته، ولكن كريموف لم يجعل لنفسه أصدقاءً من بين جيرانه، فقد رفض التفاوض مع طاجيكستان على حقوق استخدام المياه ومشروع سد روجون، وأدار ظهره على ما تبقى من خطط الحقبة السوفيتية بخصوص تقاسم مشاريع الإضاءة، وترك قيرغيزستان تبحث وحدها عن حلول مكلفة لإعادة بناء وطنها، كما لم يتخذ أي مبادرة لمساعدة أو للتخفيف من الأضرار التي لحقت بمنطقة بحر آرال، التي تتقاسمها مع كازاخستان، كما حافظ هذا الرئيس أيضًا على مسافة بينه وبين القوى العظمى، وتحت حكم كريموف، بقيت أوزبكستان ظاهريًا من البلدان التي لم تحظ بالمشاريع الإقليمية الروسية، ما إذا كان الأمر يتعلق بمنظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
ثلاث شخصيات سياسية مؤهلة لأخذ مكان كريموف
إذا كان كريموف لم يترك “خليفة” واضح، فإن ثلاثة رجال، وهم رستم إيناياتوف مدير رفيع المستوى في جهاز الأمن الوطني، ورستم عظيموف وزير المالية، وشوكت ميرزييويوف رئيس الوزراء، هم الأقدر على تولي زمام السلطة حسب الرأي العام الأوزباكستاني.
كان جهاز الأمن الوطني وراء النفوذ الواسع الذي تمتع به عرش كريموف، وكان رئيسه هذا شخصًا شديد الانعزال، حيث إنه لم تنشر له سوى صورة واحدة فقط على مدى السنوات العشر الماضية (مما يجعله المرشح المحتمل للرئيس)، أما عظيموف، فيعتبر الأكثر خبرة وربما الأكثر انفتاحًا من باقي الشخصيات السياسيات على تغيير السياسات الاقتصادية الأوزبكية، وبالنسبة لرئيس الوزراء الذي تولى هذا المنصب منذ عام 2003، فقد عرف بقبضته الحديدية في إدارة شؤون الدولة، وحتى قبل الإعلان عن وفاة كريموف، فإن شوكت ميرزييويوف كان أبرز مرشح للوصول إلى السلطة.
لا وجود لوقت مناسب لانتقال السلطة في نظام مركزي مثل الذي تعتمده أوزبكستان، وكبقية الدكتاتوريات، كان حكم كريموف يقوم على منطق واحد: الاستقرار أم الفوضى، وسيكشف لنا المستقبل عما سينجر عن حالة الفوضى.
المصدر: سلايت