ترجمة وتحرير نون بوست
قررت مصر الدولة الأكثر استيرادًا للقمح في العالم السنة الماضية أنها ستبدأ في فرض حظر على شحنات الحبوب التي تحتوي على الإرغوث، حتى وإن كان بكميات ضئيلة جدًا، فالإرغوث نوع من الفطريات الشائعة التي تؤثر في جودة القمح، وقد أثر هذا الحظر على الأسواق بشكل ملحوظ.
وتجدر الاشارة إلى أن مصر سمحت مثل بقية البلدان بأن تحتوي الحبوب على نسبة 0.05% من الإرغوث، وهي نسبة غير ضارة، لكن القرار الجديد قد يكون أمرًا مستحيلاً، فمن الصعب أن تكون نسبة الارغوث في القمح 0%، ولذلك فإن الموردين رفضوا هذا القرار وقرروا رفع الأسعار، الأمر الذي جعل الحكومة تتراجع عن قرارها بعد أشهر قليلة.
لكن الحكومة أعادت فرض قرارها في عدم التسامح عن تواجد الإرغوث في القمح وذلك يوم 28 آب/ أغسطس الماضي.
ويبدو أن الحكومة المصرية تؤمن أن إعادة القرار قد تنتج عنه نتائجًا وردود فعل مختلفة، ويأتي هذا القرار بعد أن كشفت دراسة للأمم المتحدة أن الفطريات لا تشكل أي خطر على المحاصيل المصرية، إلا أن الحكومة قررت، بدلاً من ذلك، أن تعتمد على مجموعتها من أشباه العلماء، الذين تجاهلوا عقودًا من الأبحاث ليتوصلوا إلى نتيجة معاكسة تمامًا لما هو متداول، ونتيجة لذلك، قام جميع الموردين، ما عدا مورد واحد، بمقاطعة مناقصة حكومية تمت يوم 31 آب/ أغسطس.
ومن الواضح أنه لا يوجد دليل على عدم كفاءة الحكومة المصرية أفضل من تعاملها مع مسألة القمح، فالدولة تشتري ملايين الأطنان من القمح من الموردين المحليين والدوليين كما تقوم بتقديم مساعدات للمزارعين لزراعة مزيد من القمح، ومن ثم تقوم ببيع القمح في الأسواق بعد شراء محاصيل المزارعين.
ويعتبر النظام المتبع من قبل الحكومة مكلفًا للغاية ولا يخلو من عديد مظاهر الفساد، ففي تقرير لجنة برلمانية يحتوي على 500 صفحة، تمت الإشارة إلى العديد من المشاكل التي تتعلق بالنظام المعتمد في التعامل مع محاصيل القمح وقد تم إحالة التقرير على أنظار النيابة العامة يوم 29 آب/ أغسطس، ومن بين المخالفات التي تم رصدها في التقرير بينت أن المسؤولين والموردين المحليين قاموا بتزوير إحصاءات المشتريات المحلية كما قاموا بالتلاعب بدفوعات الحكومة، وبالتحقيق مع النواب، قالوا بأن % من مرابيح هذه السنة قد تكون مفقودة، وأشار بعض منهم إلى أن الحكومة قد تقوم بشراء القمح من الخارج إذا ما كان الإنتاج المحلي غير كافٍ.
ففي دراسة لوزارة الفلاحة الأمريكية، تمت الإشارة إلى أن السياسات الزراعية “غير العادية” ستكلف مصر 860 مليون دولار سنة 2016، حتى وإن اتبعت الحكومة إجراءات تقشف جديدة بموجب مخطط إنقاذ من صندوق النقد الدولي، وقد تعود أسباب هذا إلى السياسة الحمائية التي تعتمدها مصر، فهي تفرض على سبيل المثال حظر توريد الدواجن من الولايات المتحدة لأنها قد لا تكون حلالاً، بينما تقوم دول إسلامية أخرى، مثل الكويت والأردن والعراق والمملكة العربية السعودية، بتوريدها بشكل عادي.
وتعتبر هذه المعايير مثيرة للسخرية، خاصة مع القرارات العشوائية وحملات “التفتيش” التي يقوم بها مسؤولون مرتشون، كل هذا يجعل عمل الموردين صعبًا وغاية في التعقيد.
وعلى الرغم من الضغوط الرسمية لوقف التحقيق في شبهات الفساد المتعلقة القمح، إلا أنه تم سجن العديد من المسؤولين وتم أيضًا تجميد العديد من الأصول، وأهم هذه التحقيقات هي تلك التي أدت إلى استقالة وزير التموين المصري خالد حنفي، والذي قدم استقالته يوم 25 آب/ أغسطس الماضى، على الرغم من أنه لم يتهم بالتربح مباشرة لكنه كان المشرف على برنامج دعم الغذاء في مصر، وكان أيضًا المسؤول عن تعميم نظام البطاقات الذكية لتوزيع الخبز المدعم وخفض التكاليف، لكن تم قرصنة هذه البطاقات وارتفع الإنفاق على دعم الخبز.
والغريب في الأمر هو أن فضيحة الفساد قد تكون السبب وراء وضع القوانين “السخيفة” المتعقلة بمحاصيل القمح، وقد كان خالد حنفي قد حاول وضع قوانين معقولة، لكن الحكومة رفضت ذلك مدعية أنها لا تريد أن تقدم معروفًا للتجار المتهمين بالفساد، فالقوانين الجديدة توضع بتعلة حماية المصريين، لكنها في الواقع تزيد من معاناتهم.
المصدر: إيكونومست