“الرجل الحقيقي لا يطبخ”، جملة سمعتها أغلب النساء حول العالم، فبعيدًا عن العنصرية، تشير الأرقام الواقعية إلى أن النساء تقضي وقتًا في قضاء الأعمال المنزلية كالطهو والتنظيف والترتيب والعناية بالأطفال أكثر من الرجل بحاولي 3 مرات، حتى وإن كانت امرأة عاملة، ليبدو في أذهان مجتمعاتنا العربية أن مشهد المرأة تطبخ، والرجل يعود من عمله ليستعد لتناول الغداء مشهدًا تقليديًا بحتًا، وإن كان العكس فيه هو الموجود، فسيبدو غير مألوف، بل وسيُلام الرجل على فعلته تلك متهمينه بعدم السيطرة وعدم امتلاكه القوة الكافية ليتحكم في المرأة وجعلها هي من تطهو في المنزل.
لا يعود الأمر في الحقيقة إلى سبب حب السيطرة عند الرجل الشرقي فحسب، فعلى الرغم من أن حب السيطرة وإظهار القوة هي صفة غالبة في عموم الرجال الشرقيين، إلا أن أسباب عدم طهي الرجال للطعام مختلفة، وعلى اختلافها، ستجدها أغلب النساء في غاية التفاهة والسطحية، فمثلًا، يمكن للرجل ألا يطهي مطلقًا لأنه ببساطة لا يستطيع تحمل حرارة المطبخ أثناء طهي الطعام، أو أنه بالفعل لا يستطيع تمييز مكونات الطعام من بعضها، ولا يستطيع معالجتها ولا يعرف من أين تُقطع ومن أين تُقشر، أو هل مازلت بحاجة للتقشير والتقطيع من الأساس أم لا!
الطهي نشاط نسائي
“من يطبخ من الرجال ليس رجلًا بما فيه الكفاية”، هي صورة نمطية يطلقها الرجال أنفسهم وعلى بعضهم البعض حينما يوجد من بينهم من هو بارع في الطهي، فالطهي بالنسبة للعديد منهم هو عمل نسائي، والبراعة فيه هي موهبة نسائية، لذا من يفعل ذلك من الرجال يتحلى بتلك الصفات النسائية، بل وينعتوه بها وكأنها مسبة.
لا يكون توصيف الطهي على أنه نشاط نسائي على المستوى المجتمعي فقط، بل تسير العديد من الإعلانات التسويقية على أغلب القنوات العربية على نفس المنهاجية، فدائمًا وأبدًا ما تكون المرأة هي من تطهي في الإعلان، أو دومًا هي من تحضر الصحون للطاولة التي ينتظر الرجل عليها الأكل بكل حماسة، لتكون تلك هي الصورة النمطية في أذهان المجتمع العربي عن الطهي.
فالمجتمع والدعاية والإعلان يروجون بكونه عملاً خاصًا بالنساء، وهو ما يشعر الرجال بالإحراج بالتحدث عن الطهي بينهم وبين نظائرهم من الرجال، فيتجنبه أغلبهم ليتركوه للنساء، حتى كان من هو بارع في الطهي يتجنب أن يتحدث عن موهبته أمام أصدقائه من قبل، إلا أن الآن بدأت حدة تلك الصورة النمطية تخف قليلًا، مع انتشار برامج الطهي على القنوات العربية والتي يحتلها الرجال كما تحتلها النساء بالضبط.
على جانب آخر، يبدو المطبخ متاهة لأغلب الرجال الشرقيين، خصوصًا بالنسبة لمن لم يتحمل مسؤولية الحياة وحيدًا لفترة من حياته، واعتمد على أهله في إطعامه وتوصيل الطعام حتى مكان جلوسه على الطاولة، فما عليه إلا أن يأكل فقط، ومنهم من منعته الأم منعًا باتًا من الاقتراب من المطبخ، لأنها تتوقع أن يتحول المطبخ إلى كارثة إن حاول ابنها طهي ما يشتهيه من الطعام، لذا في النهاية ومع اختلاف الأسباب والمسببات، نجد أن أغلبية الرجال يهابون المطبخ بالفعل، فما الذي يجب على كل رجل فعله تجاه ذلك؟
وسيلة للفن أم لإشباع الجوع؟
يرى الرجل أن في الطعام وسيلة لإشباع جوعه فحسب، أما المرأة فتراه وسيلة للإبداع والفن والابتكار، لذا يحاول الرجل أن يسد جوعه بأسرع الوسائل، وبالتالي يتجه إلى الوجبات السريعة، فكلما كبر حجم الوجبة وكثرت مكوناتها كلما شعر الرجل بالشبع السريع، لذا لن يتجه الرجل إلى طهي الطعام وهو جائع إلا في حالات نادرة، فسيشعر بالملل بسبب طول فترة الطهي نفسها ومن ثم انتظار الطعام حتى ينضج، أما المرأة فلا تجد ضررًا من الانتظار والصبر مادامت النتيجة سترضيها في النهاية وستزيد من ثقتها بنفسها وبقدراتها.
الخوف من الفشل
يخشى الرجل أن يفشل، فيهاب أن يبدأ الخطوة الأولى من البداية، لأن لديه هاجسًا بأن كل ما سيفعله سينتهي في صندوق القمامة، وأنه سيفشل فشلًا ذريعًا في طهي ما يريده، ولكن يجب على الرجل أن يحاول اعتبار طريقة طهي الوجبات وكأنها تعليمات لقيادة السيارة، كلاهما سيؤدي إلى الطريق الصحيح في النهاية، نحن نعلم كيف يحافظ الرجال على تعليمات القيادة، لا يختلف الطهي كثيرًا، فكل ما يحتاجه هو معلومات أساسية يشير عليها من يطهي لتكون النتيجة ناجحة في النهاية.
الطهي والمجهول
لا يحب الرجال كل ما كان مجهولًا، لذا عندما لا يجد الرجل من يعتمد عليه من أجل أن يطهي إحدى الوجبات، سيستسلم تمامًا ولن يعيد الكرة مرة أخرى أبدًا، لأن كل أدوات المطبخ بالنسبة إليه مجهولة، كما تكون مكونات الوجبات أكثر تهديدًا بالنسبة إليه، لأنه لا يستطيع التمييز بينها كما تفعل النساء بنظرة عين واحدة، لذا من الممكن أن تكون الاستعانة بشريك أثناء الطهي من النصائح المفيدة على تشجيع الرجل على كسر خوفه من المطبخ وأن يبدأ في الطهي بالفعل.
الخوف من الظهور بمظهر عاجز
لا يحب الرجال أن يتهموا بالعجز أو عدم المهارة أو عدم القدرة على إتمام المهام بالشكل المطلوب، وهذا لا ينطلق على الطهي فحسب بل يشمل جميع جوانب الحياة، سواء كانت اجتماعية أو عملية، فيحب الرجل دومًا الظهور بمظهر قوي، يوحي بقدرته على إتمام كل المهام على النحو المطلوب، وأنه لن يخطئ أبدًا، وسيكون أهلًا لما كُلف به، لذا يهاب الرجال الطهي لأنه من الممكن أن يظهره بمظهر العاجز، وخصوصًا إن كان ذلك أمام شريكته، لذا يفضل ترك زمام الأمور لها خشية أن تختل نظرتها له، ولكن على الجانب الآخر، تحب النساء رؤية الرجل في المطبخ، ويرون أن في ذلك شيئًا من تحمله المسؤولية وحبه لمساعدتها والتخفيف عنها.
إذا نظرنا للطهي من وجهة نظر مختلفة، فيراه بعض الرجال بأنه تحدٍ، فهو فرصة لإثبات أن الرجل يمكنه أن ينتج شيئًا مختلفًا ولذيذًا مما لديه من إمكانيات ومكونات، كما يراه الآخرون من النساء والرجال بأنه وسيلة للتأمل، حيث يمكنهم أن يقوموا بالتركيز الكامل على إنهاء الوجبة بشكل جيد، لذا فهم ينسون كل شيء في العالم الخارجي ويحاولون أن يفصلوا أنفسهم عن الواقع عن طريق الطهي.
يمكن استخدام الطهي لإسعاد الآخرين سواء كانوا من العائلة أو الأصدقاء، كما يمكن استغلاله لتعلم الصبر، أو استخدامه كوسيلة للتأمل وتعلم التركيز، والآن، وبعد كل ما سبق، هل يمكن للرجل العربي أن يكسر حواجز الصور النمطية، وأن يقوم بنسيان كل مخاوفه على أرض الواقع، ويحاول تجربة المطبخ من جديد، ولكن بوجهة نظر مختلفة هذه المرة؟