في طريقهم لتخطي عتبات الانتخابات وسحق أنصارهم، دائمًا ما يعتمد المرشحون على البرنامج الانتخابي القوي الذي تدعمه حملات إعلامية ممولة بسخاء، ومستشارون يفكرون له في الطرق الأسهل لإقصاء خصمه أو خصومه في المناظرات السياسية، وكيفية الحشد للتجمعات الانتخابية.
تعد هذه هي الوسائل والطرق التقليدية التي يتبعها كل مرشح لانتخابات ما، لكن البعض يقرر في لحظات ما اللعب بشكل مختلف، وفعل أمور غريبة، وأشياء غير معتادة لجذب انتباه الجماهير، والحصول على أصواتهم.
انتخابات القوارض
البداية كانت مع عشرينات القرن الماضي حينما تمكن وليام هيل تومسون، من الاعتماد على القوارض خاصة “الفئران”، للفوز بمنصب عمدة شيكاغو الأمريكية، في توقيت كانت تلقب فيه بـ “المدينة الغائمة” نظرًا لكم الفساد فيها، حتى إن نهاية أربعة من محافظيها كانت هي دخول السجن.
“تومسون” كان أحد عمداء شيكاجو، وحاز لقب “أسوأ عمدة في تاريخ الولايات المتحدة”، وهو الصديق المقرب لرئيس العصابات المشهور وقتها “آل كابوني”، ولقب تومسون نفسه بـ”المنجل الكبير Big Bill”، أثناء ولايتيه في الفترة بين 1915-1923، وبعد ثماني سنوات من إدارته للمدينة بشكل سيء للغاية كانت خسارته للمنصب في الانتخابات، لكنه عاد ليرشح نفسه من جديد في انتخابات 1927 وكان وقتها يحتاج لطريقة يعيد بها كرامته وقوته السياسية، فقرر أن يلفت أنظار العامة إليه بإطلاق الألعاب النارية الضخمة في المدينة، الأمر الذي لم يلقَ قبولاً لديهم، وفي تلك الأثناء تحدد موعد الانتخابات، وقبل ثمانية أيام من تحديد الحزب الجمهوري لمرشحه القادم في انتخابات رئاسة مدينة شيكاجو، نظم تومسون جلسة مناظرة سياسية، وظهر على المنصة أمام آلاف من الجماهير، وفي كلتا يديه قفص فيه فأران، وقدمهما للعامة على أنهما المرشحان المتنافسان على المنصب، ولمدة دقائق أقام تومسون مناظرة على لسان الفأرين مطلقًا جمل تسخر من تصريحات للمرشحين.
وخلال المناظرة انتقد تومسون على لسان الفأرين إخفاقاته السابقة أثناء إدارته للمدينة، فكانت رسالته من تلك المناظرة الساخرة أنه تعلم من أخطاء الماضي، وبالفعل فقد اقتنعت الجماهير، وفاز تومسون بمنصب عمدة شيكاجو واستعاد مكتبه عام 1927، وكانت تلك البداية لأسوأ ولاية على الإطلاق، وفيها ظهر “آل كابوني” على الساحة بشكل غير مسبوق وزادت جرائمه، بالإضافة إلى تضخم ثروته بشكل لافت.
مناظرة مثيرة
في بداية الثمانينات كانت معركة الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة على أشدها، مثلما هي الآن بين كلينتون وترامب، حيث واجه جيمي كارتر الرئيس المتطلع لولاية ثانية، منافسًا شرسًا وهو رونالد ريجان، وخلال الجولة الأولى، تعادل المتنافسان تقريبًا، وكانت لحظة الحسم هي المناظرة النهائية بين المرشحين، ففكر ريجان في حيلة لم تكن تخطر ببال أحد.
وقتها حضر كارتر أوراقه وكلف مساعديه أن يقوموا بعمل مذكرات تختصر كل تلك الأوراق لتعبر عن اللستراتيجية التي سيتبعها في المناظرة، بالإضافة إلى بعض النقاط الهامة التي يجب أن يتذكرها، ففكر ريجان في سرقة نسخة من تلك الأوراق ليعلم ما قد يقوله كارتر كلمة بكلمة، الأمر الذي ساعده بالطبع وجعله مستعدًا لكل كلمة ونقطة يمكن لكارتر أن يطرحها، وكيف يمكن أن يرد الرد الأمثل عليها، ونجحت الحيلة، وبعد أسبوع واحد من المناظرة احتفل ريجان بفوزه بالانتخابات الرئاسية.
يلسن وتروبيكانا
الحيل لم تنته، والغاية دائمًا تبرر وسيلة الباحثين عن الكراسي في أي دولة أو أي نظام حول العالم، وهي الفكرة التي اعتمد عليها الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلسن للفوز بالانتخابات الروسية خلال العام 1996، وهي الانتخابات الثانية في تاريخ البلاد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينات، وكان يلسن المتحمس لكرسي الرئاسة عليه أن يقود حملة انتخابية تبقيه في المنصب متفوقًا على منافسه جينادي زيوجانوف من الحزب الشيوعي، وكان هناك تقاربًا شديدًا بين برنامجي المرشحين، فقررت الدولة أن يكون يوم الانتخابات إجازة لإعطاء الفرصة للناحبين للتفكير بروية.
يلسن برؤيته أدرك أن مواطني البلاد “حديثي العهد بالديمقراطية” سوف ينتهزون فرصة الإجازة لقضاء وقت ممتع خارج المدينة، بعيدًا عن مقار الانتخاب وستضيع عليه الولاية الثانية، وكان عليه أن يجد طريقة لإبقاء مؤيديه في المدينة ليدلوا بأصواتهم، فقرر اللجوء إلى عرض مسلسل تلفزيوني برازيلي يسمى “تروبيكانكا” والذي كان مشهورًا بشدة في روسيا حينها، وهي استراتيجية عبقرية وقتها، حيث اتصل بالمحطة التلفزيونية التي كانت تعرض المسلسل حينها، وطلب منهم إذاعة ثلاث حلقات جديدة من المسلسل بشكل متواصل يوم الانتخابات في روسيا، وبالفعل حينما أعلنت المحطة عن قرار إذاعتها للحلقات، أعاد الكثير من الروس تنظيم خطتهم للإجازة، خصوصًا وأن أغلب المنتجعات الروسية في ذلك الوقت لم يكن فيها أجهزة تلفزيون، مقررين ألّا تضيع عليهم ثلاث حلقات من مسلسلهم المفضل، وفي الوقت الذي ينتظرون فيه إذاعة الحلقات سيكون لديهم متسع من الوقت للاهتمام بما يحدث في البلاد من انتخابات رئاسية وخوض تجربة الإدلاء بأصواتهم فيها، وفاز وقتها بالانتخابات بنسبة 54.4%!!
وعود فكاهية
في بداية العام 2010 قرر الممثل الكوميدي جنار الترشح لانتخابات مجلس مدينة ريكجافيك “عاصمة أيسلندا”، بدون برنامج انتخابي، أو أي وعود انتخابية صادقة، واعتمدت حملته فقط على الفكاهة والسخرية من السياسيين، حتى إنه أطلق على حزبه الذي رشحه للانتخابات اسم “بدون هراء: الحزب الأفضل”، وبنى منصة لحملته الانتخابية في مطار المدينة على شكل علامة مدينة ملاهي ديزني، ومن ضمن الدعاية لحملته كان توزيع فوط مجانية في مراكز العناية بالجسم في المدينة، ووعد الناخبين بأنه سيكسر كل الوعود التي سيطلقها، حتى إن شعارات حملتة كانت “نعدكم بإيقاف الفساد، وسنحقق ذلك بالاشتراك فيه علنًا”.
وبعد أن أضحك سكان المدينة، وأطلقوا عليه التعليقات الساخرة، وأعجبوا بأدائه الكوميدي، قرر البعض إعطاء أصواتهم، من باب التمادي في الكوميديا، متوقعين أنه لن يحصل على أكثر من صوتين، ولكن المفاجأة أن جنار فاز بمنصب عمدة المدينة، وحصل حزبه على أغلبية مقاعد مجلس المدينة!!
الفوز بأغنية راب
حينما قرر فرانسوا أولاند منافسة الرئيس الفرنسي وقتها نيكولا ساركوزي، في الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2012، فضل اتباع سياسة مختلفة عن السياسات التي تتبعها الحملات الانتخابية في أوروبا، واستخدم وقتها نفس أسلوب أوباما في حملته لرئاسة الولايات المتحدة عام 2008 تقريبًا، من حيث الضغط على الأفراد للتسجيل في قاعدة بيانات المصوتين، وطرق أبواب المواطنين، وحتى محاولة جذب الأقليات الذين لهم حق التصويت، مع إضافة بسيطة رآها أكثر جذبًا، حيث قررت حملته التوجه إلى الشارع، وقدمت إعلانًا يتضمن نسخة غير خاضعة للرقابة من أغنية راب غناها المطربان الأمريكيان الأسودان “جاي زي وكاتي ويست” بعنوانها المثير “الزنوج في باريس”.
فكان للأغنية تأثيرٌ كبير خاصة مع معرفة أولاند بما قاله ساركوزي من قبل عن الضواحي التي تحتاج إلى التنظيف ورش الماء فيها بقوة، وهي الضواحي التي غالبًا ما تسكنها الأقليات، ولذلك قرر أن يستخدم أصوات هؤلاء الأقليات لصالحه، وظهر بعد عرض الأغنية الأول في إعلان آخر وهو رافع لورقة التصويت في وجه الكاميرا، ثم لثلاث دقائق أخرى وهو غارق مع تفاصيل حياة الأقليات في ضواحي باريس، ويتحدث معهم ويصافحهم، وبالفعل فقد فاز بالرئاسة.