ترجمة وتحرير نون بوست
ماذا لو لم تكن الأمم المتحدة موجودة؟ الإجابة عن هذا السؤال سهلة للغاية، لأنه منذ بداية التاريخ البشري، لم تكن الأمم المتحدة موجودة وفي هذا السياق، قال كيفن رود رئيس الوزراء الأسترالي السابق “إن التاريخ يعلمنا أن النظام في العلاقات الدولية هو الاستثناء وليس القاعدة”، وأكد كيفن على هذه الفكرة عندما نشرها في تقرير تحدث فيه عن مستقبل الأمم المتحدة، والذي قال عنه إنه “غير مؤكد”، حيث قال “منذ ظهور الدولة القومية الحديثة، سواء قبل أو بعد معاهدتي السلام (صلح وستفاليا) لسنة 1648، اتسمت العلاقات بين الدول بانتشار عام للفوضى، وقد نعتبر أن الأمم المتحدة جزء لا يتجزأ من الواقع السياسي، إلا أنها ليست إلا إضافة حديثة”.
وأضاف رود أنه على مدى الخمسمائة سنة الماضية، كانت هناك أربع محاولات لوضع نظام في أوروبا بعد أن حصلت فيها العديد من المجازر: الأولى سنة 1648 بعد حربي الثلاثين عامًا وحرب الثمانين عامًا، الثانية بعد الحروب الفرنسية النابليونية سنة 1815، الثالثة بعد الحرب العالمية الأولى سنة 1919، والرابعة والأخيرة سنة 1945 بعد الحرب العالمية الثانية، وقال رود متحدثًا عن هذه المحاولات إن “المحاولات الثلاث الأولى لم تسجل أي نجاحات مهمة، ولازالت المحاولة الرابعة تحت الاختبار“.
المحاولة الرابعة كانت إنشاء الأمم المتحدة والتي تشهد الآن مرحلة انتقالية مهمة، خاصة وأن مهمة أمينها العام تقترب من نهايتها، فالأمم المتحدة تشهد هذه الفترة انتخابات غاية في الأهمية ومن شأنها تحديد مصير المنظمة، وترتبط نتائج هذه الانتخابات بما ستنتجه صناديق الاقتراع السرية في مجلس الأمن، وقد تنشر هذه النتائج في غضون شهر.
أما رود، الذي ورد اسمه مرة واحدة من بين المتنافسين المحتملين ليحل محل بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، فلم يعد طرفًا في هذه الانتخابات المصيرية بعد أن رفض رئيس الوزراء الأسترالي مالكوم تيرنبول ترشحه، لكن الدراسة التي أصدرها رود هذا الأسبوع كرئيس للجنة المستقلة للتعددية، تعتبر مرشدًا للقوى العالمية التي ستواجه من سينال منصب الأمين العام، مع اعتبار إمكانية أن مكانة الأمم المتحدة قد تصبح أضعف مما كانت عليه، لكن إمكانية اضمحلالها لازالت غير مطروحة.
إن مفهوم التدهور هو الأهم في هذا السياق، وهو ما تحدث عنه رود في الدراسة التي قام بها، حيث قال “في ظل هذه الحجة، فإن أي نظام دولي، بعد إنشائه، يخضع مباشرة لإمكانية التدهور والاضمحلال، مما قد يؤدي في آخر المطاف إلى العودة للفوضى”.
“توجد العديد من الدول القومية دائمة التواجد في الأمم المتحدة محاولة إيجاد حل للمشاكل الرئيسية” ولا زالت الأمم المتحدة تتحكم في وضع قواعد لكيفية عيش الشعوب وإدارة الدول، لكن وفقًا لرود، فإن المشكل “يمكن في وضع المعايير وعدم الحرص على أن يتم تنفيذها، وهذه إحدى مهام الأمم المتحدة عندما تم إنشاؤها سنة 1945، إذا ما فشلت الأمم المتحدة في فعل ذلك مرات عديدة، فإنها ستفقد أهميتها شيئًا فشيء”.
وفي إجابة عما إذا كان المرشحون للأمانة العامة سيحرصون على إقرار الإصلاحات اللازمة أم لا، قال رود: “أنا أتفهم أن عملية اختيار تنافسية كهذه، عديد من المرشحين سيختارون التعامل بديبلوماسية عند التعامل مع المشاكل والتحديات المفروضة أمام الأمم المتحدة”، أما رود فهو نفسه سيصبح أقل ديبلوماسية خاصة وأنه لم يعد أحد المرشحين لمنصب أمين عام للأمم المتحدة.
وأكد رود أن “العالم يواجه أكبر مجموعة من التغيرات الخارجية والتحديات التي تواجه النظام العالمي منذ سنة 1991، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، منذ 25 سنة، لم نر وضعًا معقدًا كهذا، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين القوى العظمى، ولم نشهد أيضًا أي حدث مماثل لظهور الإرهاب، الذي أصبح تهديدًا سائدًا في كثير من المجتمعات في جميع أنحاء العالم، هذه كلها ظواهر جديدة لم نعهدها، ولكن عهد ظواهره الخاصة به، لكن بالنسبة لمنظمة أنشئت منذ 70 سنة، فإن ربع قرن من الظروف الصعبة قد لا يكون أمرًا سهلاً“.
ويتضمن تقرير رود عديد الطرق التي يمكن من خلالها إعادة بناء المؤسسات وإقامتها، كما يتطرق التقرير إلى قضايا مثل إعادة توطين اللاجئين وقضايا أخرى أكثر تعقيدًا وحدة، وأكد رود أيضًا أن الأمم المتحدة تتعامل بشكل أفضل مع الأزمات بعد حصولها، إذ تبدو عاجزة عن التنبؤ بها أو منع حدوثها، ويقترح رود اختيار مسؤولين يهتمون بوضع سياسات يتم من خلالها تحليل الوضعيات السياسية الحالية وما يمكن أن يحصل في المستقبل، وهو ما أطلق عليه رود اسم “الوقاية من الديبلوماسية”، وكمثال على ذلك، تحدث رود عن تعيين الأمم المتحدة لرئيس جمهورية تيمور الشرقية الديمقراطية خوسيه راموس هورتا في خطة كممثل خاص عن شعوب غرب إفريقيا (غينيا/ بيساو) والتي شهدت انقلابًا، وفي غضون سنة واحدة، ساعد راموس هورتا على التوصل إلى إجماع سياسي لإجراء انتخابات.
الوقاية قد تعني أيضًا توزيع مساعدات غذائية في الدول التي تهددها المجاعة، ويمكن أيضًا تتبع نسب البطالة لكي يتم التنبؤ بإمكانية تطرف المجتمعات التي تنتشر فيها البطالة والفقر، ويقول رود أيضًا أن كل التحديات التي تواجهها الأمم المتحدة اليوم تبدو مستعصية وبدون حل، مثل ظهور الجماعات الإرهابية، والعلاقات المتسمة بالتوتر بين روسيا والصين وغيرها من القضايا.
ويقول رود بأن إخفاق الأمم المتحدة في حل العديد من القضايا يجعلها “أسوأ نظام حكم دولي” لكن الأمم المتحدة ساعدت في تفادي حرب عالمية أخرى ولعبت دورًا في الحد بشكل كبير من نسبة سكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع، كما خلقت نظامًا من المؤسسات لتسوية النزاعات ولمواجهة “التاريخ الطويل والخبيث من النزاعات الإقليمية والتجارية” التي تسببت في مزيد من الصراعات، كما أحبطت الأمم المتحدة “انتشار الأسلحة النووية”، الأمر الذي بدا ممكنًا في ستينات القرن الماضي، وعملت الأمم المتحدة أيضًا على تقديم الإغاثة الإنسانية للأمم الفقيرة التي كانت على وشك الموت.
رغم هذه النجاحات، أصبح من الواضح أن الأمم المتحدة باتت عاجزة عن مواجهة التحديات في السنوات الأخيرة الماضية، كما توجد عديد من الأدلة على ضعف المنظمة مقارنة بما كانت عليه في الماضي، فالأمم المتحدة لم تكن أحد المشاركين في المحادثات الدولية لتقييد البرنامج النووي الإيراني، رغم أن إحدى مؤسسات الأمم المتحدة (الوكالة الدولية للطاقة الذرية) كانت مكلفة بالمساعدة في تنفيذ بنود الاتفاقية النووية مع إيران، وقد كانت الأمم المتحدة متغيبة أيضًا عن الجهود الرامية للتصدي للتحديات الأمنية مثل الحرب في أوكرانيا والتهديدات التي يفرضها البرنامج النووي لكوريا الشمالية.
هذا بالإضافة إلى أن استجابة الأمم المتحدة لانتشار مرض الإيبولا في غرب إفريقيا لم تكن ناجعة كما أن المنظمة فشلت أيضًا في التعامل مع أزمة اللاجئين في الشرق الأوسط وأوروبا، وفشلت أيضًا في منع جرائم الحرب وحل النزاعات القائمة في بلدان مثل جنوب السودان وسوريا.
وبعد سنوات من النكران، اعترفت الأمم المتحدة بدورها في نشر وباء الكوليرا في هايتي من خلال ممارسات غير صحية تقوم بها قوات حفظ السلام، وفي الوقت نفسه، تزايد التوتر بين الولايات المتحدة والصين بسبب المنافسة على الملاحة الجوية والنزاعات الإقليمية، كما دخلت الولايات المتحدة في صراع مباشر مع روسيا وذلك بسبب توسع نفوذ الناتو وتدخل روسيا في أوكرانيا؛ الأمر الذي أكسب الصراع بين هذه القوى الرئيسية الثلاث بُعدًا استراتيجيًا، نظرًا لكون الدول الثلاث، أي الصين والولايات المتحدة وروسيا، لهم حق النقض الدولي (الفيتو) في مجلس الأمن. وهو ما يذكرنا بطبيعة الصراع الذي كان قائمًا بين هذه الدول خلال الحرب الباردة.
ويضيف رود أن التهديد الذي يفرضه انتشار الإرهاب في جميع أنحاء العالم أصبح أولوية بالنسبة للأمم المتحدة ولعديد من الدول حول العالم، لكن الأمم المتحدة فشلت في التعامل بطريقة ناجعة وحاسمة مع ملف الإرهاب، وفي الحقيقة، أكثر ما يلفت الانتباه هو تقييم رود للمأزق الذي قد يواجه القادة السياسيين، خاصة وأن رود نفسه كان قائدًا في فترة ما، وفي هذا السياق، قال رود “إن هؤلاء القادة لم يعودوا قادرين على طرح حلول عملية وناجعة للقضايا التي تواجهها شعوبهم، مما يؤدي إلى أزمة شرعية”.
وللأزمة الشرعية هذه تأثير مباشر على مستقبل الأمم المتحدة، وهذا بدوره يعتبر بداية لخلق فضاء سياسي خصب للحركات السياسية الأكثر تطرفًا، سواء من أقصى اليمين أو أقصى الشمال.
المصدر: ذي أتلانتك