على الرغم من إرهاصتها السابقة والتحذيرات المستمرة إلا أن أزمة نقص الأدوية في مصر وقعت بالفعل وفقًا لما يؤكده أطباء وصيادلة، بل ويؤكد الأطباء أن الأزمة أدت لعدد من الوفيات غير المعلن عنها.
ويعد الملمح الأبرز والمعلن عنه ما كشفته وسائل إعلام مصرية عن توقف عمليات غسيل الكلى في المستشفيات الحكومية ووقوع حالات وفاة بسبب اختفاء المحاليل الملحية من المستشفيات والصيدليات.
أزمة لا مثيل لها
وفي تصريحات خاصة أكد الدكتور وائل هلال، عضو نقابة الصيادلة وأمين صندوق النقابة، أن أزمة الدواء التي تمر بها مصر الآن أدت لعدد من الوفيات كان آخرها وفاة مريض بمستشفى بنها التعليمي لحاجته للجلوكوز “ثمنه أربعة جنيهات، على حد قوله” وعدم توفره في المستشفى.
وأضاف هلال أن “الجهات الرسمية لم تفصح عن ذلك خوفًا من المساءلة وشعور الرأي العام، وتم معرفة ذلك من خلال الزملاء الأطباء المعالجين الذين تحسروا على وفاة مريض بين أيديهم بسبب نقص محلول لم ينقص حتى في حالة الحرب عام 1973 أو 1967 لأنه صناعة شديدة البدائية”.
وأشار هلال لضخامة أزمة نقص الدواء الحالية قائلاً “لأول مرة في تاريخ مصر تكون نواقص الأدوية بهذا الشكل الكبير نوعًا وعددًا، حيث زادت عن 1000 صنف، وكثير منها نقصه يؤدي للوفاة”.
الفوضى تجتاح صناعة الدواء
ونقل هلال خلفية عن صناعة الدواء في مصر مشيرًا لكونها تقترب من عامها الـ 90 منذ تأسيس طلعت باشا حرب شركة مصر قائلًا “منذ ذلك الحين لم يشهد السوق الدوائي تخبطًا وعشوائية تصل لحد الفوضي مثل ما هو حادث خلال السنتين الأخيرتين”.
وواصل ناقلًا مظاهر الفوضى مشيرًا إلى أن مصر تمتلك ما يزيد عن الـ 130 مصنعًا منتجًا للدواء وأكثر من 600 شركة مسجلة، مضيفًا “إلا أنه ورغم ذلك نجد نقصًا حادًا ومرعبًا في الأدوية والتي بعضها يعتبر منقذًا للحياة وغيابها يؤدي للوفاة”.
لأول مرة في تاريخ مصر يباع الدواء في مصر بأكثر من سعر، رغم أنه سلعة مسعرة جبريًا وحدث ذلك بسبب القرار العشوائي غير المدروس من رئيس الوزراء بزيادة 7000 صنف دوائي 20%
وتابع متحدثًا عن الفوضى في تسعير الدواء قائلًا: “لأول مرة في تاريخ مصر يباع الدواء في مصر بأكثر من سعر، رغم أنه سلعة مسعرة جبريًا وحدث ذلك بسبب القرار العشوائي غير المدروس من رئيس الوزراء بزيادة 7000 صنف دوائي 20% (أكبر زيادة في تاريخ مصر من حيث القيمة والعدد في وقت واحد).
وأكد هلال أن تلك الزيادة تمت دون أي دراسة وتحت ضغوط رجال الأعمال، مضيفًا “والأدهى من ذلك أن هذه الشركات لم تعط الصيدلي حقه القانوني في هامش الربح ولا هي وفرت نواقص الأدوية التي وعدت بتوفيرها”، مشيرًا لكون تلك الزيادات تمت لأدوية تربح منها هذه الشركات ملايين سنويًا ولم تكن غير متوفرة بل إن هذه الشركات تنفق عليها الملايين في الدعايا والعمولات”.
وأضاف أن كل تلك الفوضى في السوق الدوائي “كان يوازيها في نفس التوقيت تسجيلاً بشكل سريع جدًا بالإدارة المركزية بوزارة الصحة لأدوية تابعة لجهة سيادية، وبقرار جمهوري وباستثناء عامل الوقت المتبع مع كل الشركات fast track”.
ورفض هلال اعتبار أن الفوضى هي السبب الوحيد في تلك الأزمة، مضيفًا “أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الحديث عن هذه الأزمة بمنأى عن أزمة الدولار ونقص العملة الصعبة خاصة إذا علمنا أن كل المواد الخام وحتى مواد التعبئة والتغليف الداخلة في صناعة الدواء في مصر هي مستوردة من الخارج”.
أطماع شركات الدواء متعددة الجنسيات
وفي السياق ذاته قال الدكتور أحمد رامي الحوفي أمين صندوق نقابة الصيادلة الأسبق إن مصر لا تصنع الأدوية بشكل فعلي وإنما تقوم بصياغة الشكل الخام للمادة العلاجية في أشكال صيدلية (حبوب – أقراص ..)، مؤكدًا أن ما تدعيه الحكومة المصرية من أن مصانع الأدوية في مصر لا تحقق أرباح أمر عارٍ من الصحة.
وأضاف الحوفي في تصريح خاص أن أرباح شركات الأدوية في مصر غير كافية في نظر المستثمرين والمسيطرين على السوق، خاصة أن نسبة المصانع المملوكة للدولة تقل كل عام ووصلت لـ 8 مصانع فقط.
ولفت إلى أن انخفاض نسبة إنتاج الدولة من الدواء أضعف قدرتها على مواجهة ضغوط الشركات متعددة الجنسيات عند محاولتها زيادة الأسعار.
30% من دخل الأسرة يتم إنفاقه على الأدوية
وأكد أن مصر من الدول القليلة في العالم التي يقوم المواطن فيها بالدفع مقابل علاجه، مشيرًا لإحصائية صدرت قبل الثورة أكدت أن 30% من دخل الأسرة يتم إنفاقه على الأدوية، لافتًا إلى أن منطق الدولة الآن “أنها ترفع السعر بدلًا من اختفاء الدواء”.
ويرى الحوفي أنه من المفترض على الدولة توفير الدواء وليس رفع سعره خاصة أن المواطن محمل بالضرائب والتأمينات سواء كان رب عمل أو موظف.
تخطي الأزمة
وأشار أمين عام صندوق الصيادلة الأسبق إلى أنه توجد أمور كثيرة قادرة على تقليل الاحتياج للدواء والتصدي للأزمات المستقبلية من بينها تصنيع المواد الخام غير الفعالة، مثل السائل الذي يذاب فيه المواد العلاجية، مشيرًا لأنها صناعة تعد أولية، بالإضافة لتطوير المصانع المملوكة للدولة.
ورفض الحوفي القول بأن أزمة الدواء مفتعلة، مشيرًا لصعوبة وجود رابط بينها وبين تدخل القوات المسلحة في صناعة الأدوية، مشيرًا إلى أن أثر تدخل القوات المسلحة في صناعة الدواء يفتح تساؤلات أخرى حول مراقبة الإنتاج ومن سيكون مسؤول عنها، وهل ستفلح آليات المراقبة نفسها ضد هيئة تابعة للقوات المسلحة.
وتابع متسائلًا “فكرة إنشاء القوات المسلحة مصنع أدوية تدور حولها محاذير كثيرة، فالمصنع تابع للجيش والمفترض أن من يراقب جودة الإنتاج وزارة الصحة من أول السماح بدخول مادة خام وتحديد هل المصنع تتوافر فيه اشتراطات صحية أم لا وصولًا لكون المنتج الناتج عن المصنع صالحًا للاستخدام الفعال أم لا”.