ترجمة وتحرير نون بوست
كان مارتن كوبلر، مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، دائمًا ما يستخدم نكتة مفادها أن الحكومة الفاعلة الوحيدة في ليبيا هي تنظيم الدولة وذلك لأن هذه الأخيرة، خلافًا للحكومات الثلاث الأخرى، لا تسيطر على رقعٍ جغرافية فقط وإنما تفرض قوانينها وتقدم خدمات لمناصريها.
قال كوبلر مؤخرًا أن نكتته أصبحت قديمة بعدما انخفض عدد المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة في المدينة الساحلية سرت إلى ثلاث مناطق وأصبحت مقراتها في أيدي ميليشيات تدعم الحكومة الجديدة المدعومة من الأمم المتحدة، وأضاف كوبلر: ”لقد انتهى الأمر”.
لكن المشاكل في حكم ليبيا لم تنته بعد، وخاصة في الوقت الذي تحاول فيه العديد من الفصائل المتبقية معرفة ما سيحصل في قادم الأيام خلال جولة ثانية محتملة من المحادثات هذا الشهر برئاسة الأمم المتحدة، وبالتالي فإن مستقبل مدينة سرت سيحدد خلال هذه المحادثات.
منذ مقتل معمر القدافي في سرت سنة 2011، تم تقسيم البلاد من قبل الصراعات القبلية والميليشيات، فأصبحت ليبيا، التي لا يزيد عدد سكانها عن عدد سكان ميامي، لا تملك حكومة مركزية ولا تقدر على استغلال احتياطي النفط الهائل.
ولكن سيطرة الميليشيات التي تدعمها الحكومة، والتي بدورها مدعومة من الأمم المتحدة، في طرابلس، على تنظيم الدولة في سرت كان أول فصول الحكم الرشيد بعد خمس سنوات من القتال المميت.
من جهة أخرى، يبقى النصر في سرت مثيرًا للقلق، وذلك لأنه يجب على الميليشيات التخلص من بقايا تنظيم الدولة في مناطقه الثلاثة المتبقية، وقد ذكرت الميليشيات أنها قريبة من تحقيق هذا الهدف، وهو ما يطرح عدة تساؤلات عن الخطوة التالية التي سيتخذها أصحاب القرار في ليبيا.
ونجد في ليبيا فصائل أخرى، الحكومة في شرق مدينة البيضاء، مع برلمانها في طبرق، تمتعت مرة بالدعم الدولي ولكنها الآن تعتمد في الغالب على مصر وبعض حلفائها في الخليج العربي، ولكن يبقى وجود بعد الشبهات حول غضب سكان مصراتة من دعم الأمم المتحدة لها.
قام القائد العسكري الأقوى في البلاد، خليفة حفتر، بتطهير مدينة بنغازي من المتطرفين الاسلاميين الذين كانوا يسيطرون عليها، لكن كانت لديه شكوك عميقة حول الميليشيات بمصراتة، لأنها كانت تحت سيطرة الإسلاميين، وبالرغم من تعيينه كقائد للجيش الوطني الليبي، إلا أن هذا الأخير كان يعمل بشكل مستقل.
كان هنالك أيضًا فرقةٌ ثالثة تدعي حكم ليبيا، وهي ميليشيات إسلامية مجتمعة في برلمان مختلف عن ذلك الذي في حكومة الوفاق الوطني.
وقال كوبلر ”يجب على الحكومة تطبيق القانون على الذين يسيطرون على هذه المناطق”، وأضاف أيضًا أن ميليشيات مصراتة كانت تتصرف نيابة عن حكومة الوفاق الوطني وأن الأطاحة بتنظيم الدولة في سرت إشارة ايجابية للغاية.
من جهة أخرى قال كوبلر إن ما حصل أظهر قوة حكومة الوفاق الوطني وإن الحكومات الأخرى لا وجود لها وذلك لأنها لا توفر الأمن والخدمات الأساسية، وأضاف أنه من المهم أيضًا الاجتماع مع جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي لدعم حكومة الوفاق الوطني وأن النجاح في سرت عزز هذا الاجتماع.
لكن لا يبدو أن الاجتماع نفسه موجود في أجزاء كبيرة من ليبيا، حيث استنكرت الحكومة الموجودة في مدينة البيضاء حكومة الوفاق الوطني، ومن جهة أخرى، قاطع الجنرال حفتر الاجتماعات التي عقدتها الأمم المتحدة والتي جمعت فيها جميع الفصائل.
وقال أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الليبي في الشرق، إن الميليشيا تخلت عن حكومة طرابلس الجديدة بعد سقوط سرت، وأضاف المسماري أنه لا يمكن لأي أحد التحكم في الفوضويين والمتطرفين وذلك لأنهم أقرب إلى القاعدة من أي شخص آخر، وهو ما يجعل ترويضهم أمرًا صعبًا.
حتى على الصعيد الدولي، يمكن للصورة أن تكون مركبة، كانت بعض القوات الخاصة من الولايات المتحدة وبريطانيا تقدم إشهارًا للميليشيات في مصراتة حول قتالها ضد تنظيم الدولة، كانت القوة الجوية الأمريكية حاسمة في التقدم ضد المتطرفين، وقامت إيطاليا، وفقًا لتقارير الأنباء الإيطالية، بإرسال عناصر الخدمة السرية الخاصة بها إلى طرابلس للعمل مع حكومة الوفاق الوطني.
وتم تجزئة طرابلس نفسها من خلال العديد من الميليشيات، حيث إنهم لا يؤيدون في المجمل الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة، وقال المسماري إنه يوجد 40 مليشيا وعصابة في طرابلس وإن المدينة بمثابة البرميل المتفجر الذي ينتظر الانفجار، ويعتبر انتقاده شائعًا بين السياسيين الليبيين في شرق البلاد.
وقال أبو بكر بويرا، العضو في برلمان طبرق، إن هذه الحكومة ميتة ومحكوم عليها بالفشل، مضيفًا: “نحن بحاجة فقط لوضع الجميع في غرفة واحدة لكن ذلك سيستغرق بضع ساعات، هذه المشكلة ستضع الجميع في غرفة واحدة”.
في الواقع بدا غياب الشرقيين أمرًا واضحًا، وذلك من خلال رفض العديد من الأعضاء الانضمام إلى محادثات الاتفاق السياسي الليبية العام الماضي، مما أدى إلى نشوء حكومة الوفاق الوطني في طرابلس هذا العام.
وقال علي بوستة، الموظف البلدي في مصراتة، إنه يتوقع بمجرد إخلاء سرت من تنظيم الدولة، ستواصل الميليشيات دعمها الحكومة الجديدة، وأضاف أن مسؤولين محليين وزعماء أمنوا هذا الاتفاق وهذا هو السبب الذي يجعل من الحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة قادرة على دخول طرابلس من دون قتال.
وتابع قائلًا إنهم بحاجة إلى التوقف عن التفكير في مثل هؤلاء الناس على أنهم ميليشيات لأنهم لم يعودوا ميليشيات منذ فترة، وذكر أنهم أكثر تنظيمًا الآن لأنهم يطيعون الأوامر، ولديهم هياكل وهويات عسكرية، وهذا ما يجعلهم جيشًا، وبالتالي لا يوجد سبب للقلق حول طرابلس على حد تعبيره.
قال كوبلر إن الخلط بين الفصائل العسكرية والسياسية في ليبيا لم يكن مفاجئة، بل كان إرثًا من تاريخها، وأضاف أن ليبيا لم تمتلك مؤسسات قوية حتى في عهد القذافي، وأن المفاوضات حول مستقبل ليبيا لن تكون سهلة وستستغرق الكثير من الوقت.
كما قال كوبلر إنه من الصعب تتبع كل ما يحدث في ليبيا، وأن التفسير الوحيد لكل هذا هو أن جميع الأطراف تبحث عن السلطة والنفط والمال، وهذا كل ما يجب عليك معرفته.
المصدر: نيويورك تايمز