ويلات الحصار الإسرائيلي تُنسي سكان غزة أضحية العيد

للعام العاشر على التوالي، يعاني ما يقارب الـ 2 مليون فلسطيني في قطاع غزة، من حصار “إسرائيلي – عربي” مطبق ومشدد يشمل “البر والبحر والجو”، أفقدهم فيه كل مقومات العيش بكرامة وإنسانية كباقي شعوب العالم الحر.
فيعيش سكان القطاع، على الأمل بغدٍ أفضل عله يطفئ شمعة الحصار الحارقة التي انكوى الغزيون بنيرانها كثيرًا، ودفعوا أرواحهم ثمنًا، للحقد “الإسرائيلي” والتجاهل “العربي” لمعاناة سكان القطاع المحاصرين، والتي باتت معدلات الفقر والبطالة المترفعة تهدد حياتهم يومًا بعد يوم.
سكان القطاع ينظرون دائمًا بعيون الأمل لكل عيد يقترب منهم، باقتراب موعد الفرج وفك الحصار، ولكن هذه المرة سيكون عيد الأضحى ضيفًا ثقيلاً على آلاف الأسر الفقيرة في القطاع، والتي لا تملك ثمن أضحية العيد التي أوصى بها الإسلام.
معاناة وألم
وعلى الرغم من توافر الأضاحي في قطاع غزة وانخفاض أسعارها مقارنة بالأعوام الماضية، إلا أن سوق الماشية يشهد كسادًا كبيرًا لأسباب عدة أبرزها ضعف القوة الشرائية للمواطنين بسبب الواقع الاقتصادي المرير.
وأبدى عدد كبير من المواطنين في قطاع غزة عدم قدرتهم على شراء الأضحية للعيد المقبل جراء ارتفاع أسعار الأضاحي هذا العام مقارنة بالأعوام الماضية، فضلاً عن تدهور القدرة الشرائية على إثر الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها القطاع وتؤكدها تقارير محلية ودولية في ظل استمرار الحصار وعدم تجاوز تداعيات الحروب الإسرائيلية على القطاع.
وتعاني مزارع الماشية في قطاع غزة من ركود اقتصادي حاد، ويُرجع أصحابها ضعف إقبال المواطنين على شراء الأضاحي إلى الواقع الاقتصادي السيء المترتب على الحصار الإسرائيلي المستمر للعام العاشر على التوالي.
أبو أحمد البطنيجي صاحب مزرعة للمواشي أكد أن إقبال المواطنين على شراء العجول “ضعيف للغاية”، وأن غالبية الزبائن تأتي للسؤال دون الشراء، مشيرًا إلى أن الواقع الاقتصادي الصعب في غزة وعدم انتظام صرف رواتب الموظفين العموميين دفع الكثيرين للعزوف عن شراء الأضاحي.
البطنيجي يضيف: “الأضاحي موجودة وأسعارها منخفضة وعيد الأضحى يقترب، وعلى الرغم من ذلك هناك عزوف من الناس على الشراء”، متوقعًا تحسن سوق الماشية مع اقترب عيد الأضحى، نظرًا لوجود عدد من الناس ينتظرون ثبات سعر الأضاحي ويتوقعون انخفاضها.
ولفت إلى أن الأضاحي في قطاع غزة بحالة صحية ممتازة وتخضع للفحوصات الطبية اللازمة، مع الإشارة إلى وجود بعض الوفيات في بعض المزارع جراء إصابتها بحمى “الملاريا” الناتجة عن ارتفاع حرارة الجو.
صاحب مزرعة أخرى، يقول: “إن الظروف الصعبة التي يمر بها القطاع نتيجة ارتفاع معدلات البطالة والفقر لمستويات غير مسبوقة، أثرت على شراء الأضاحي هذا العام”، مضيفًا أن سوق المواشي يعتمد في مبيعاته على الجمعيات الخيرية التي تشتري كميات كبيرة في كل عام، إلا أن عددًا من الجمعيات لم تتقدم لعرض مناقصاتها لشراء الأضاحي هذا العام.
وبين التاجر أن تجار المواشي تكبدوا خسائر فادحة جراء انخفاض أسعار الماشية، قائلًا “عدد من التجار اشتروا قبل شهرين مجموعة من المواشي بأسعار مرتفعة، وتفاجأوا بانخفاض الأسعار خلال الأيام الماضية، الأمر الذي عرضهم للخسارة”.
ويبلغ سعر كيلو العجل الهولندي 16.5 شيكل مقارنة مع 21 شيكلاً العام الماضي فيما انخفض سعر العجل الأوروبي 19 شيكلاً مقارنة مع 23 وكذلك انخفض سعر كيلو العجل البلجيكي إلى أقل من 20 شيكلًا مقارنة بـ 26 شيكلاً العام الماضي، فيما انخفض سعر الخروف الروماني إلى خمسة دنانير مقارنة مع 7 دنانير العام الماضي.
وبدأ التجار بعرض مواشيهم وأغنامهم على الطرقات وفي الشوارع وأمام مزارعهم لاستمالة المواطنين، ويرى التاجر محمد يوسف بأن الموسم الحالي سيكون أفضل من العام الماضي من حيث المبيعات بسبب انخفاض الأسعار وحصول موظفي غزة على راتب كامل، بالإضافة إلى استلام الموظفين رواتبهم قبل العيد.
ويأمل يوسف أن يتمكن من بيع كل ما يملك من مواشٍ خلال موسم العيد حتى لا يتعرض لخسائر كبيرة نظرًا لكساد سوق بيع الأغنام بعد العيد والذي يستمر لأكثر من شهر.
ويأتي انخفاض أسعار المواشي والأغنام بسبب انخفاض الأسعار عالميًا وأيضًا لوجود كميات كبيرة منها في قطاع غزة.
عبد الجواد جودة مدير جمعية خيرية في قطاع غزة، لا يتوقع أن يتحسن أداء الجمعيات في شراء الأضاحي لهذا العام مقارنة بالعام الماضي، مبينًا أن الجمعيات الكبرى تعتمد على الدعم الخارجي وخصوصًا الدعم الإسلامي والخليجي والذي تم توجيه الجزء الأكبر منه لصالح تنفيذ مثل هذه المشاريع لصالح السوريين واليمنيين وفي بعض البلدان العربية الأخرى التي تشهد قلاقل وحالات تشرد ونزوح بسبب الأحداث.
أيدٍ خفية
صلاح هنية، رئيس جمعية حماية المستهلك قال إن هناك أيدٍ خفية تلعب في سوق المواشي واللحوم الحمراء، وتفرض أجندتها على السوق، ولا تقبل شكوى المستهلك الفلسطيني، الذي بات محرومًا من شراء اللحوم الحمراء، رغم انخفاض الأسعار للخراف والعجول من مصدرها حسب الأرقام العالمية.
وأعلن هنية، أن مجموع ما تم استيراده من رؤوس الأغنام، بلغ في المرحلة الأولى بعد عيد الفطر 9100 رأس غنم، مضيفًا وصول 7100 رأس غنم إلى الموانئ مؤخرًا، و 16200 رأس غنم عدا العجول، ولم يتم تحقيق أي انخفاض على الأسعار في السوق الفلسطيني للمستهلك، وهذه المؤشرات إضافة لإنتاج مربيي الثروة الحيوانية الفلسطينيين الصامدين على أرضهم رغم المعاناة تدق ناقوس الخطر لمؤشرات احتكار واستئثار بقطاع اللحوم الحمراء، ما يعني رفعًا وهميًا لهذه الأسعار دون أي سند منطقي.
بدوره، يرجع الخبير الاقتصادي الدكتور معين رجب حالة الركود العام التي تشهدها أسواق غزة إلى الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها قطاع غزة وما صاحبها لإغلاق الأنفاق والمعابر، وكذلك عدم سداد حكومة التوافق لرواتب موظفي غزة، وهو ما أثر على حركة المعاملات والشراء في الأسواق.
ويقول رجب: “في الأوضاع الطبيعية من المفترض أن تنشط حركة الشراء والبيع خلال الأعياد والمناسبات من قبل المواطنين لتوفير احتياجاتهم، ولكن في موسم عيد الأضحى تتزامن الأضحية والهدايا المقدمة للأرحام، لذلك فيعمل المواطن على الوفاء بالأهم بالنسبة له وحسب إمكانياته”.
ويوضح أن حركة النشاط مرهونة أيضًا بما يتوفر لدى المواطنين من أموال كافية لشراء ما يحتاجونه وما يرغب فيه أبناؤهم، ولكن عند المرور بالأزمات الاقتصادية والمادية فيقتصر الأمر على الضروري جدًا.
وتشكل الأضحية بالنسبة لغالبية العائلات في قطاع غزة المحاصر عبئًا ماليًا لا يستهان به، وكثير منها تستعيض عن لحوم المواشي بالدواجن لتوفير وجبة العيد لأفراد الأسرة.