في 8 أبريل 2013 ولد تنظيم الدولة الإسلامية بعد مراحل من التطوير الذي بدأ مسيرته في سبتمبر 2003 تحت اسم جماعة التوحيد والجهاد وتحت قيادة أبي مصعب الزرقاوي، لكن هذه المرة تطور تنظيميًا وعسكريًا وسياسيًا، ومقومات دولة استطاع في غضون أشهر مد نفوذه من سوريا والعراق إلى معظم أرجاء العالم المتمثلة في تلك الجماعات التي أعلنت مبايعتها لخليفتهم أبي بكر البغدادي.
أعلنت داعش بتاريخ 29 يونيو 2014 عن الخلافة الإسلامية ومبايعة أبي بكر البغدادي خليفة المسلمين، وقال الناطق الرسمي باسم الدولة أبو محمد العدناني – قتل في غارة جوية في أغسطس 2016 أثناء مشاركته في إحدى المعارك بحلب بحسب ما أعلنته وكالة أعماق التابعة لداعش – “إنه تم إلغاء اسمي العراق والشام من مسمى الدولة، وإن مقاتليها أزالوا الحدود التي وصفها بالصنم، وإن الاسم الحالي سيُلغى ليحل بدلاً منه اسم الدولة الإسلامية فقط”.
كان حلم البغدادي وأتباعه المقدر عددهم وقت إعلان اسم “دولة الخلافة” أربعة آلاف مقاتل بالدولة الواحدة، لكن تشددهم وتطرفهم ألب العالم ضدهم، واتفقت دول العالم التي لم تتفق يومًا على رأي واحد (السعودية وإيران مثلاً) على أنهم إرهاب ولا يمتون للإسلام بصلة.
واستغل هذا التنظيم الحرب الأهلية التي اندلعت في سوريا عقب انتفاضة شعبية تطالب الرئيس السوري بشار الأسد بالرحيل، لكنها اتخذت فيما بعد طابعًا قمعيًا وسرعان ما تحولت من ثورة سلمية إلى مسلحة، ودخلت الجماعات الجهادية إلى سوريا من كل الدول التي وجدت في سوريا أرضًا خصبة لزرع نبتة الخلافة الإسلامية من الشام.
حظيت في البداية تلك الجماعات بدعم لوجستي وبالعدة والمال والسلاح من قبل دول خليجية على رأسها المملكة العربية السعودية التي كانت تأمل بأن تنتهي الحرب السورية سريعًا برحيل بشار الأسد، على غرار دعمها للجماعات الجهادية في حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي.
لكن تنظيم الدولة شكل نفسه، وبدأ يتوسع في الانتشار ويزداد قوةً ووصل الأمر باحتلاله مناطق واسعة في العراق واستولى على محافظات عراقية بدون أي مقاومة من قبل الجيش العراقي، وتقدم نحو كردستان العراق، وبدأ بتنفيذ إعدام جماعي بحق مسيحيين ومواطنين من ديانات أخرى وهو ما أثار حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية.
في 7 أغسطس 2014، توجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بكلمة للشعب، يصف فيها الاعتداءات العنيفة الموجهة ضد اليزيديين (مجموعة دينية صغيرة في العراق)، ويقرر أنه من الضروري تتدخل القوات الأمريكية، وأضاف أن هذه العملية تهدف إلى حماية المواطنين الأمريكيين في المنطقة إضافة إلى الأقلية اليزيدية، إلى جانب وقف تقدم المسلحين إلى أربيل، عاصمة كردستان العراق.
ومنذ 8 أغسطس 2014 وبتكوين تحالف دولي وصل تعداده حاليًا إلى بضع وستين دولة، لم يستطع التحالف القضاء بشكل نهائي على التنظيم الذي وسع عملياته إلى خارج قواعده (دول في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية نفسها)، مع انحساره في العراق وسوريا وليبيا.
بدأ ينحسر التنظيم في العراق وسوريا، وأيضًا في ليبيا التي كانت مرشحة بأن ينتقل التنظيم إليها مستغلاً الفراغ السياسي الذي أحدثته الأطراف المتنازعة على السلطة، لكنه ووفقًا لتقارير استخباراتية روسية وسورية مشتركة، فإن التنظيم بدأ يحمل حقائبه متجهًا إلى اليمن
لكن مع دخول روسيا بشكل رسمي لإنقاذ نظام الرئيس السوري بشار الأسد، واشتداد المعارك ضد التنظيم من قبل الجيش السوري الحر والعراقي والنظام السوري بدعم روسي والتحالف الدولي ومؤخرًا تركيا، بدأ ينحسر التنظيم في العراق وسوريا، وأيضًا في ليبيا التي كانت مرشحة بأن ينتقل التنظيم إليها مستغلاً الفراغ السياسي الذي أحدثته الأطراف المتنازعة على السلطة، لكنه ووفقًا لتقارير استخباراتية روسية وسورية مشتركة، فإن التنظيم بدأ يحمل حقائبه متجهًا إلى اليمن مستغلاً الأوضاع هناك منذ إعلان السعودية تحالف عاصمة الحزم ضد الحوثيين الذين أجبروا الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي على تقديم استقالته في سبتمبر 2014 ليستولوا على السلطة بالقوة.
نهاية داعش في سوريا والعراق
تصريح وزير الدفاع الأمريكي في يوليو الماضي عن تجهيز قوة عسكرية سوف تدخل من الجنوب السوري بمساعدة الأردن لضرب داعش، أمر ينبئ بأن أيام داعش في سورية باتت معدودة، وكذلك يقدم مؤشرًا عن فصل الساحة العراقية عن سورية لمطاردة تنظيم داعش خاصة وأن الأخير تلقى هزيمة كبيرة في العراق خسر على إثرها مناطق مهمة كان قد استولى عليها في السابق، والتي ضمنت له التحرك باتجاه سورية والعودة منها بسلام.
هزيمة داعش منذ بداية وجوده في سورية كانت عملية مضمونة ولكن تم تأجيلها، لصالح أطراف دولية يهمها أن تتحول الثورة السورية من ثورة شعب ضد نظام ظالم إلى حملة عسكرية دولية على الإرهاب، ولخلط الأوراق في المنطقة، وإعادة رسم خارطتها ربما قد تبدأ مرحلتها الثانية من اليمن بعد أن ضمن الغرب تقسيم سوريا ثلاثًا.
لماذا اليمن؟
كانت أطماع تنظيم داعش تتجه نحو الدول النفطية مباشرة وبسرعة كبيرة، وجاء يقطف ثمار المشاكل الأمنية في العراق وسوريا وليبيا دون عناء وتخطيط استراتيجي لتثبيت قواعده أولًا، وهو ما قوبل بقوة عسكرية عالمية لا محدودة جعلت التنظيم يتوارى ويتلقى الخسائر تلو اﻷخرى نتيجة للاستراتيجية التي اتبعها منذا البداية.
العراق وسوريا وليبيا كانت وجهته طالما يريد أن يحقق الثراء السريع والفاحش، من خلالهم يستطيع أن يؤمن رواتب خيالية ﻷتباعه، ويستقدم آخرين من مناطق عدة في العالم تمكنه من مد خلافته من الشرق إلى الغرب، لتكون بذلك الخلافة التي لا تغيب عنها الشمس، لكن يبدو أن ذلك فشل، وبدأ يعيد حساباته ويريد أن يؤسس ذلك من الصفر، يريد أن يبدأ من جديد وفي مناطق يصعب على أي دولة أن تجزه من حذافيره أو من بداية، مستكفيًا بتجربة الأرض المكشوفة في سوريا والعراق وليبيا التي انهارت أحلامه بمجرد عزم النية للقضاء عليه.
اليمن بيئة مناسبة جدًا لتنظيم الدولة، والتي يبدو أنه قد يغير استراتيجية التأسيس وسيعود إلى الأساس الذي يمكنه من إقامة دولة تستطيع الحفاظ على بقائها مستفيدًا من التجربة المريرة له في سوريا والعراق وليبيا، واتجه إلى اليمن مستفيدًا من عدة عوامل لعل أهمها الطبيعة التضاريسية الصعبة التي تتمتع بها الجمهورية اليمنية، إضافة إلى الفراغ الأمني وانشغال أطراف يمنية على السلطة.
إضافة إلى ذلك فاليمن يسيطر على أهم مجرى ملاحي عالمي (باب المندب) وكذلك منتج للنفط، وشعب فقير زادت الحرب إنهاكًا له، فضلًا عن فقدان نحو 3 ملايين عامل لوظائفهم، وغالبية هذا العدد مسؤولين عن أسر، يجعلهم عرضه لاستقطاب جماعات جهادية مقابل ما يسد به رمق جوع أسرته، إضافة إلى النقطة الأكثر خطورة وهو ما يلعب عليها الإعلام بأن الحرب مذهبية بين مجوس شيعة تسعى للسيطرة على اليمن وتحالف سني ينقذها من هذه الفرقة، وقد يستغلها تنظيم داعش لتجييش الكثير من اليمنيين في سبيل محاربة “المجوس”.
رسم بياني لعمليات تنظيم داعش في اليمن منذ فبراير 2015 إلى يناير 2016
ووفقًا لمعلومات أكيدة يتحملها كاتب السطور فإن داعش تتفاوض مع المتشددين المحليين في اليمن، على تجييش أكبر قدر من الشباب المحتاجين، وغرس فيهم الولاء الديني والحفاظ على أركانه من “المجوس” (يقصدون بها الحوثيين) ومساندة أهل السنة للقضاء عليهم، ليتم توسيع قاعدة لهم كبيرة في أكبر مناطق في اليمن شمالاً وجنوبًا وفي انتظار معركة ما يسمونها هرمجدون “دابق” في سوريا، وهو الموقع الذي تقول كتب إسلامية إنه سيشهد معركة حاسمة بين “المسلمين والكفار”، وتشير إليها دعاية التنظيم على أنها من علامات يوم القيامة.
وإن خسر التنظيم في تلك المعركة، فإن عاصمة الخلافة سيتم نقلها إلى اليمن، لتكون العراق وسوريا وليبيا تجربة عسكرية، يستفيد منها التنظيم في إعادة بناء دولته بأساس جيد، متخذ من جبال اليمن وكهوفها، منطلقًا لعملياته الانتقامية نحو الدول التي شاركت في طرده من العراق وسوريا.
إن العمليات الانتحارية التي يعلن عنها التنظيم في اليمن بين الفينة والأخرى والتي تستهدف قوات التحالف العربي في عدن أو حضرموت أو المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية وصنعاء (وصلت 38 عملية اغتيال و10 هجمات بسيارات مفخخة، خلفت عشرات القتلى والمصابين) تشير إلى أن تلك مناورة حربية تؤكد تواجده بقوة ويشق طريقه وفقًا لمخطاطته المرسومة، أكثر من كونه ضعيفًا، ويعد ذلك شبيهًا لبداية ظهور التنظيم في العراق عام 2003 عندما استغل الأوضاع الأمنية هناك والانقسام في النسيج العراقي تحت يافطة (سنة وشيعة) وهذا مشابه لحد كبير في اليمن، وهو يعمل على تثبيت أركانه لقادم أشد خطورة قد يصعب استئصاله، ومن هناك يستطيع التمدد أكثر نحو الجزيرة العربية والسيطرة على ممرات الملاحة الدولية.