ترجمة وتحرير نون بوست
في 31 آب/ أغسطس، وقعت مصر وقبرص اتفاقًا مبدئيًا يتعلق بخط أنابيب تحت الماء، بالنسبة لمصر، يعتبر الاتفاق جزءًا من استراتيجية أوسع لفرض نفسها كمركز لتنمية الطاقة واستهلاكها.
وسيلفت شرقي البحر الأبيض المتوسط اهتمامًا كبيرًا من شركات النفط والغاز الطبيعي العالمية على مدى العقد المقبل، لذلك، فإن مصر تحاول، على أمل الاستفادة من موقعها الاستراتيجي، فرض نفسها كمركز للطاقة في المنطقة، لكن، على الرغم من أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي جعل إصلاح قطاع الطاقة أولوية، فإن أهداف سياسية أخرى قد تبطئ مساعيه في مجال تنمية الطاقة واستغلالها.
تم التوصل لسلسلة من الاكتشافات في مجال الغاز الطبيعي في شرقي البحر الأبيض المتوسط على مدى العقد الماضي، وتأمل مصر أن يكون لها النصيب الأكبر من الأرباح، ففي 31 آب/ أغسطس، وقعت القاهرة اتفاقًا مبدئيًا مع قبرص لبناء خط أنابيب تحت الماء، وسيربط هذا الأنبوب حقل الغاز أفروديت بقبرص مع الساحل المصري، وإذا ما تغلب المشروع على العقبات الكبيرة التي لا تزال ماثلة في الطريق، بما في ذلك التمويل غير المؤكد، فإن خط الأنابيب قد يكون جاهزًا بحلول عام 2020، الأمر الذي من شأنه أن يعود بالربح على قبرص أيضًا.
أما بالنسبة لمصر، فإن الصفقة ليست إلا جزءًا واحدًا صغيرًا من استراتيجية أوسع، فالاكتشافات الجديدة في مجال الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط من شأنها أن تجلب العديد من الاستثمارات الأجنبية، وتأمل القاهرة أن تصبح مركزًا لتطوير الغاز الطبيعي، الأمر الذي سيعود بالنفع على مصر بلا شك، إذ بدون اللجوء للبنية التحتية المصرية وسوقها الاستهلاكية الضخمة، قد لا تنجح المشاريع قيد النظر.
مصر: إعادة بناء قاعدتها الخاصة
لكن مصر تدرك جيدًا، أنه لا يمكن أن تصبح مركزًا للغاز الطبيعي في المنطقة إن لم يكن لها قاعدة خاصة بها، ففي العقد الماضي، أصبحت مصر دولة مصدرة للغاز الطبيعي، وذلك بفضل اكتشاف عدة مصادر للغاز قبالة سواحلها، ومع ذلك، بعد أن بلغ إنتاج الغاز ذروته، أي قرابة 20 مليار مترمكعب في سنة 2009، انخفضت صادرات الغاز الطبيعي المصري بشكل حاد مع تراجع التنقيب والاستثمار، وبحلول سنة 2015، أغلقت مصر منشأتين لتسييل الغاز الطبيعي وخط أنابيب، وبذلك، أصبحت مصر مرة أخرى مستوردةً للغاز الطبيعي.
وفيما يتعلق بمجال الطاقة، فإنه، مثل بقية قطاعات الاقتصاد، فإن المشكلة تكمن في المقام الأول في تضخم الإعانات، الأمر الذي يزيد من الاستهلاك المحلي ويخفض من الإنتاج، فمنذ سنة 2008 كانت مصر قد حددت سعر الغاز الطبيعي بـ 2.65 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، الأمر الذي كان عاملاً مساعدًا بالنسبة للمستهلكين المصريين لكن عائقًا أمام الاستثمار الخارجي.
وفي محاولة لكبح جماح الاستهلاك، بدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي تنفيذ إصلاحات تتعلق بالأسعار، وقام أيضًا بالرفع من الإعانات الموجهة لشركات الغاز الطبيعي في سنة 2014، فالمستخدمون الصناعيون يقومون الآن بدفع 7 دولارات لكل وحدة حرارية بريطانية، وبذلك، بدأت القاهرة في سداد ديونها لشركات النفط والغاز الطبيعي العالمية، (بلغت هذه الديون 6.3 مليار دولار في نهاية عام 2013) وعلاوة على ذلك، في أعقاب اكتشاف حقل زهر في مصر، عقدت القاهرة اتفاقًا مع شركة إيني الإيطالية، والتي تعهدت بدفع 4.00 دولارات/ 5.88 دولارًا لكل وحدة حرارية بريطانية من الغاز الطبيعي، وهو سعر يتماشى مع الأسعار المتداولة في السوق العالمية.
على الرغم من أن الإصلاحات التي أراد أن يضعها السيسي قوبلت بالرفض، عادت شركات الطاقة للعمل في مصر لكن “بغاية الانتقام”، ففي مقابل ارتفاع الأسعار، وافقت شركة إيني تتبع تطور حقل زهر، أفضل حقول الغاز في مصر، فمن المتوقع أن ينتج وحده 10 مليار مترمكعب في السنة بحلول سنة 2017، و28 مليار مترمكعب سنويًا عند اكتمال مرحلته الثانية في سنة 2019، وليست إيني الشركة الوحيدة التي تنوي تكثيف أنشطتها في مصر، فشركة “بي بي” سارعت للانتهاء من مشروعيها في مصر، الأول مشروع دلتا النيل الغربية بقيمة 12 مليار دولار، أما المشروع الثاني فهو مشروع أتول، ومن المتوقع أن يضيف المشروع الأول 12.4 مليار مترمكعب من الإنتاج، أما المشروع الثاني فيتوقع أن يضيف 3.1 مليار مترمكعب من الإنتاج الإجمالي للغاز الطبيعي في مصر.
ولكن على الرغم من هذه المشاريع، فإنه من غير المرجح أن تصبح مصر من أكبر مصدري الغاز الطبيعي كما كانت في الماضي، فمصر تستهلك حاليًا حوالي 50 مليار مترمكعب سنويًا، وقد يزيد الاستهلاك في السنوات القليلة القادمة ليبلغ 70 مليار مترمكعب سنويًا، وفي الوقت نفسه، فإن مصر لا زالت تواصل رفع أسعار الطاقة، بما في ذلك رفع كلفة استهلاك الكهرباء بالنسبة للمنازل، وذلك لكي تتمكن مصر من الاستمرار في شراء الغاز الطبيعي من المنتجين، ففي آب/ أغسطس الفارط، قامت الحكومة بزيادة أسعار الكهرباء المنزلية بنسبة تصل إلى 40%.
كل الأنابيب تؤدي إلى مصر
قبل الاكتشافات الجديدة في مجال الطاقة في مصر، كانت إسرائيل وقبرص تستغلان حقول أفروديت وتمار وليفياثان، أما الآن فإن إسرائيل تأمل في بناء علاقات أوثق مع مصر المجاورة والأردن وذلك من خلال التوصل إلى اتفاقات في مجال الطاقة تكون ذات منافع لكل الأطراف، ومع ذلك، أحبطت خطط إسرائيل بسبب استراتيجيات مصر الجديدة والاكتشافات الجديدة ويعود فشل مساعي إسرائيل أيضًا إلى بيروقراطيتها وإلى الإجراءات المعقدة للموافقة على اتفاقيات الطاقة.
لكن بعد مقاومة شرسة من قبل حكومته واستقالته في نهاية المطاف من وزارة الاقتصاد، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فرض اتفاق في مجال الطاقة من خلال استغلال صلاحياته الأمنية الوطنية، وهي تعتبر خطوة نادرة الحدوث وفي نفس الوقت مثيرة للجدل، وعلى الرغم من أن أعلى محكمة في البلاد منعت محاولة نتنياهو، لكن إسرائيل تمكنت في آخر المطاف من تسوية خلافاتها مع “نوبل إنرجي” وتم سنة 2016 الموافقة على صفقات الطاقة، ومع ذلك، فقد أثر التأخير في اتخاذ قرار على الأهداف الإسرائيلية، ولن يتم العودة لاستغلال حقل ليفيان إلا بعد أن تبدأ المشاريع المصرية في العمل.
ورغم بعض العقبات التنظيمية التي تسببت فيها “نوبل إنرجي” إلا أنها لا زالت تمضي قدمًا في المشاريع الإسرائيلية في حقول ليفيثان وتامار، ومن المتوقع أن تنتج حوالي 12.4 مليار مترمكعب سنويًا في المرحلة الأولى، وهذا الرقم يمكن أن يزيد بـ 9.3 مليار مترمكعب عندما يصل مشروع للمرحلة الثانية.
بعد التوقعات التي أشارت إلى إمكانية ارتفاع إنتاج حقول ليفيثان وتمار، وقعت “نوبل إنرجي” عقودًا مع عدد من المستهلكين الإسرائيليين، ولكن التركيز الرئيسي لاستثمارات الشركة في السنوات القادمة ستكون في مصر والأردن، في الواقع، فإن الشركة لديها بالفعل اتفاق غير ملزم مع مجموعة” بي.جي” و”رويال داتش/ شال” لإرسال 7 مليار مترمكعب من الغاز الطبيعي سنويًا لمدة 15 عامًا، إلى منشأة للغاز الطبيعي المسال في إدكو، مصر، ولدى “نوبل إنرجي” عقد مماثل مع دولفينوس القابضة المصرية لتصدير 4 مليار مترمكعب سنويًا لمدة 10/ 15 عامًا، وتسعى “نوبل إنرجي” وشركاؤها وراء صفقات مماثلة في الأردن، على الرغم من أن بعض الصفقات تم الانتهاء منها، إلا أن البعض الآخر لا تزال ضحية التأخيرات التنظيمية.
وفي كلتا الحالتين، إيصال الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى مصر لا يزال مشكلة، وخط الأنابيب الذي تم بناؤه بين البلدين يمكن أن يكون بمثابة حل، ولكن المفاوضات حول استخدامه قد تعثرت، ففي سنة 2015، وعدت دولفينوس القابضة بعكس خط أنابيب بحيث يمكن نقل الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى مصر، ولكن وفقًا لمشغل خط الأنابيب، الشركة لم تتصل لمناقشة إمكانية القيام بذلك، في هذه الأثناء، ما زالت المحادثات جارية بشأن إنشاء خط أنابيب طوله 400 كيلومتر (249 ميلاً) من شأنه أن يرسل الغاز الطبيعي من تمار إلى مصر.
ومقارنة مع مشاريع الغاز الطبيعي لإسرائيل، مشاريع قبرص تعتبر أكثر بطأً، وذلك بسبب السوق المحلية الصغيرة، وعلاوة على ذلك، نقل الغاز الطبيعي من حقل أفروديت بقبرص إلى وجهته النهائية قد يكون تحديًا، لكن صفقة خط الأنابيب مؤخرًا مع مصر، وكذلك اكتساب شركة شال لـ 35% من حقل أفروديت، قد ضخ حياة جديدة في قطاع الغاز الطبيعي القبرصي.
المصدر: ستراتفور