أطلق عضو اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب تصريحات مفادها أن “جماعة ميري كريسماس صوتوا في الانتخابات الماضية لحركة حماس”، أثارت تلك التصريحات ردود فعل منددة من قِبل الأسرة المسيحية حيث استنكر رئيس أساقفة سبسطية للروم “الأرثوذكس” المطران عطا الله حنا، وحركة فتح في بيت لحم تلك التصريحات، كما أن المجتمع الفلسطيني رفضها وطالب الجميع جبريل الرجوب بالاعتذار.
سؤالي هنا حول مدنية حركة فتح في ضوء تكرار التصريحات التي تمس جوهر المدنية وهي المواطنة، وسؤالي الثاني لماذا صوت المسيحيون لحركة حماس في الانتخابات السابق؟
أحد أهم مقومات المدنية هي المواطنة، والمواطنة تعني الحقوق والواجبات دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو اللون أو الانتماء… إلخ.
حركة فتح تنظّر لتلك القيم ولكن هناك خلل واضح بين النظرية والتطبيق للأسف، فحركة تتبنى النهج العلماني في إدارتها للدولة لا بد أن تكون أكثر حرصًا على ترجمته كثقافة راسخة لدى كوادرها، فمن تصريحات جمال الطيراوي إلى تصريحات جبريل الرجوب وما بينهما من تصريحات هنا وهناك، كلها تناقض مبدأ المواطنة وتتعارض مع الديمقراطية، فمن حق المواطن أن ينتخب من يشاء دون تهديد أو وعيد ودون التأثير عليه، هذه هي المدنية التي ننشدها ونعمل على تعزيزها في الساحة الفلسطينية.
أما السؤال الثاني وهو الأهم: لماذا ينتخب بعض المسيحيين حركة حماس؟
سرد خالد أبو العمرين في كتابه حركة المقاومة الإسلامية حماس: جذورها، نشأتها، دورها السياسي، طبيعة وشكل العلاقات الإسلامية المسيحية حيث كانت ومازالت العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين علاقة متميزة، منذ أن فتح المسلمون بيت المقدس على يد الخليفة عمر بن الخطاب الذي عمل على تأمين ممتلكات الطائفة المسيحية وكنائسها، وعاشوا في أمان وسلام في كنف الدولة الإسلامية.
في تاريخنا المعاصر لم يغب مسيحيو فلسطين عن الهم الوطني، فكان انتماؤهم لفلسطين كبير، فشاركوا بالنضال الوطني ضد الاحتلال الإسرائيلي، وانتموا إلى الحركة الوطنية الفلسطينية، ابتداءً من حزب المفتي الحاج أمين الحسيني الذي كان له مساعدوه من نصارى فلسطين، فقد طغت خصوصية الحالة الفلسطينية التي تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي، وعداء أبناء الأقلية المسيحية لهذا الاحتلال، على سرعة اندماج المسيحيين مع المسلمين في دولة فلسطين.
لقد تقلد المسيحيون مناصب مهمة في الحركة الوطنية، فعلى سبيل المثال وصل جورج حبش إلى منصب أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ولا أحد ينكر نضالاته ووطنيته، وبما أن موضوع المقال عن حركة حماس فإن ميثاقها أشار في (مادة 31): “حركة المقاومة الإسلامية حركة إنسانية، ترعى الحقوق الإنسانية، وتلتزم بسماحة الإسلام في النظر إلى أتباع الديانات الأخرى، لا تعادي منهم إلا من ناصبها العداء، أو وقف في طريقها ليعيق تحركها أو يبدد جهودها، وفي ظل الإسلام يمكن أن يتعايش أتباع الديانات الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية، في أمن وأمان، ولا يتوافر الأمن والأمان إلا في ظل الإسلام، والتاريخ القريب والبعيد خير شاهد على ذلك”.
ولقد استثمر الاحتلال الاسرائيلي انطلاقة حركة حماس وميثاقها، لتبدأ حملة من الشائعات لضرب الوحدة الوطنية الفلسطينية، حيث أعلن عن “إنشاء حركة المقاومة المسيحية (حمام)، لتكون في مواجهة حركة حماس”، ولكن ألاعيب الاستخبارات الإسرائيلية سقطت أمام حالة الوعي الفلسطيني سواء كان إسلاميًا أو مسيحيًا.
لقد عبرت حماس عن موقفها بالقول والفعل في كتيب حمل عنوان: “حركة حماس بين آلام الواقع وآمال المستقبل”، وجاء فيه: “إن حماس جماهيرية الطرح، فهي حركة تستغرق كافة أبناء الشعب الفلسطيني نظرًا لأن أبناء هذا الشعب أغلبهم مسلمين، إما تدينًا أو حضارة، وينسحب هذا المفهوم على غير المسلمين كالنصارى الذين عاشوا على هذه الأرض جنبًا إلى جنب مع بقية أبناء الشعب المسلم، ونصارى فلسطين لا ينتمون إلى نصارى الغرب في تاريخهم وأطوار حياتهم، ومعالم حضارتهم، وإن كانوا يشتركون معهم في الدين والمعتقد، فقد تعرض نصارى فلسطين كما تعرض المسلمون إلى مؤامرات الغرب وغزواته”.
وفي بيانات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) كانت تؤكد على أنها حركة الجماهير الفلسطينية مسلمين ومسيحيين، ففي بيانها رقم 67 المؤرخ في 3/12/1990م، عبرت عن احترامها للمسيحيين وأعيادهم، فقد أعلنت بالبيان: “أيام عيد ميلاد المسيح عليه السلام أيامًا تتوافد فيه جموع المسلمين على بيوت المسيحيين مهنئين بالعيد مباركين وحدة أبناء شعبنا وتلاحمهم، وكان قد جسد ذلك مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين من الناحية العملية عندما قام برفقة قيادات الحركة الإسلامية لتقديم واجب العزاء لآل طرزي باستشهاد نجلهم على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي الشاب المسيحي خضر طرزي”، وفي بيان آخر ألغت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إضرابًا شاملاً كانت قد أعلنت عنه يوم 25/12/1989م في ذكرى استشهاد عبد الله عزام لأنه يصادف عيدًا لبعض الطوائف المسيحية.
وللموضوعية نقول إن الخطأ الوحيد الذي ينبغي أن تقر به حماس في تعاملها مع المسيحيين الفلسطينيين مسألة احتواء المسيحيين في صفوفها مستفيدين من تجربة الإمام حسن البنا، ومن مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني الذي وضع مساعدًا له في حزبه نصرانيًا.
لكن هذا الخطأ والتقصير أقرت به حماس على لسان خالد مشعل بعد عشر سنوات من تأسيسها بقوله: “هناك ناحية أخرى، لا زلت أجدها من جوانب القصور تتعلق بمدى استيعابنا للمسيحيين من أبناء شعبنا رغم تطور أدبياتنا في هذا المجال، لكن لا زلت أجد قصورًا من الناحية العملية في هذا السياق” .
ويحدد خالد الحروب المبادئ والمرتكزات الأساسية لعلاقات حماس مع المسيحيين ومنها:
أ. نصارى فلسطين جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني والأمة العربية وهويتها الحضارية.
ب. للنصارى من الحقوق المدنية ما لبقية أبناء الشعب الفلسطيني والأمة العربية.
ت. تذكيرهم بأهمية ارتباطهم بمقدساتهم وأرضهم من منطلقات دينية ووطنية.
ث. التأكيد على أهمية اشتراكهم في الحياة السياسية والكفاحية للشعب الفلسطيني في فترة الاحتلال وبعد التحرير، والعمل على استقطابهم في العمل والمؤسسات الوطنية.
رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل يقول: “نحن نتعامل مع الأخوة المسيحيين كمكون أساسي من مكونات الشعب والوطن، وكجزء فاعل في معركة النضال ضدّ الاحتلال، بعيدًا عن حسابات أن هذا مسلم وهذا مسيحي، نحن شركاء في الوطن، والجميع له حقوق وعليه واجبات” .
إن من أبرز مؤشرات تطور مفهوم المواطنة في فكر حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والذي يشكل ترجمة عملية للحديث السابق لخالد مشعل بدأ في ترشيح حسام الطويل على قوائم كتلة التغيير والإصلاح التابعة لحركة حماس في الانتخابات التشريعية التي جرت في 25/1/2006م، وإشراك وزراء مسيحيين في الحكومة العاشرة التي شكلتها حركة حماس، وحكومة الوحدة الوطنية.
من هنا نستطيع أن نفهم لماذا ينتخب بعض المسيحيين حركة حماس، ولماذا يكرر الأب إيمانويل مسلم شكره لحركة حماس في قطاع غزة على موقفها الرافض لأي مساس للأسرة المسيحية، حيث ينعم المسيحيون كما المسلمون بالأمن والأمان.