في الوقت الذي نفى فيه الناطق الرسمي باسم النيابة العمومية في تونس سفيان السليطي، إيداع ملف حل حزب التحرير الإسلامي الذي يدعو إلى إقامة دولة خلافة إسلامية، على أنظار المحكمة العسكرية، تؤكد مصادر من “القصبة”، طلب الحكومة التونسية من القضاء العسكري حظر هذا الحزب.
السبسي يدعو لحل الحزب
في 29 أغسطس الماضي ألغت محكمة تونس الابتدائية قرارًا كانت أصدرته في الـ 15 من الشهر نفسه ويقضي بتعليق نشاط حزب التحرير مدة ثلاثين يومًا، إثر طعن الحزب في هذا القرار.
وجاء قرار تعليق نشاط الحزب بناءً على طلب من الحكومة التي اتهمت حزب التحرير بمخالفة قانون الأحزاب الصادر سنة 2011.
واتهم حزب التحرير عبر بيان في 30 أغسطس الماضي، الشرطة بتمزيق لافتة تحمل شعاره كانت مثبتة فوق مقره الرئيسي في منطقة سكرة قرب العاصمة، معتبرًا ذلك “أعمال بلطجة وإجرام”.
وأورد الحزب في البيان: “ولتعلم الحكومة ومجرميها وأسيادها الإنجليز أن هناك رؤوس وأيادٍ ستقطع”، قبل أن يتراجع في بيان ثانٍ ويقول إن “الكلام أخرج من سياقه وأن الحزب لا يهدد أحدًا فذلك حرام شرعًا”.
دعا الرئيس التونسي أثناء انعقاد مجلس الأمن القومي لـ “وضع حد” لحزب التحرير
وقال عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير محمد ياسين صميدة في تصريح لـ “نون بوست” “إلى حد الآن لم يبلغنا أي شيء رسمي، والحديث عن تحقيق سواء من القضاء الابتدائي أو العسكري، يعني لا توجد إدانة للحزب ولن توجد باعتبار أن البيان الذي يشيرون إليه، تحدث عن عقوبة في ذمة دولة تتعلق بالمجرمين الذين تلطخت أياديهم بدماء الأبرياء وبيع البلاد وقد أصدرنا في ذلك توضيحات”.
وتعقيبًا على ما صدر من الرئيس التونسي في خصوص حل الحزب قال صميدة: “الواضح من خلال ما قاله الباجي خلال اجتماع مجلس الأمن القومي أنه يخوض صراعًا إيديولوجيًا حزبيًا مع الحزب ويستغل فيها أجهزة الدولة، طوع أجهزته أمنية بالاعتداء على المقرات دون موجب قانوني، أراد التشويش على القضاء أثناء الجلسة، صرح تصريحًا مشينا للقضاء (نهزوه للمحاكم باش القضاء يسامحوا!) و آخرها – إن صحت – إحالة حزب سياسي إلى قضاء عسكري”.
وقبل أيام، دعا الرئيس التونسي أثناء انعقاد مجلس الأمن القومي لـ “وضع حد” لحزب التحرير، وقال: “يجب إيجاد حل لأن التطاول على الدولة هو الذي يجعل الناس تستهين بالدولة، ما معنى أن يقول الحزب نقطع الأيادي والرؤوس؟ هؤلاء مسؤولون أم لا؟”.
وينص الفصل الخامس من المرسوم رقم 87 لسنة 2011، المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية في تونس، على أنّه “يحجر على السلطات العمومية عرقلة نشاط الأحزاب السياسية أو تعطيلها بصفة مباشرة أو غير مباشرة”.
وكانت الحكومة التونسية قد وجهت، في وقت سابق، تحذيرات للحزب تدعوه إلى تغيير قانونه الأساسي حتى يكون مطابقًا للدستور، كما هددت بالدعوة إلى حله أمام القضاء بعد أحداث سوسة الإرهابية في يونيو من العام الماضي، وتتهم الحكومة الحزب بالتسويق لأطروحات متشددة تتعارض مع النظام الجمهوري والدولة المدنية.
ومن أهم مبادئ الحزب الذي حصل على تأشيرة العمل السياسي في 17 يوليو/ تموز 2012، استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة.
والحزب فرع لـ”حزب التحرير” الذي تأسس سنة 1953 في القدس على يد القاضي تقي الدين النبهاني، وترتبط أفكاره في تونس بكافة فروع الحزب في العالم؛ حيث يدعو إلى “استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة”.
المرزوقي يدعو إلى التصدّي لأي مسّ بحق الرأي
من جهته دعا الرئيس التونسي السابق، محمد منصف المرزوقي، “الديمقراطيين التونسيين” إلى الاستفادة من الماضي القريب، قبل الثورة، في حكمهم على ملابسات قضية حزب التحرير، وقرار إحالة ملفه على القضاء العسكري، بهدف حله.
جاءت الثورة بالديمقراطية، وجاءت الديمقراطية بمن حاربوا الديمقراطية
ونبه المرزوقي إلى أن “ما يتردّد عن محاولة حلّه، وحديث البعض وإنكار البعض الآخر، وبخصوص إحالة ملفّه إلى القضاء العسكري، يشعل الأضواء الحمراء داخل وعيي، لأنه يذكرني ببداية التسعينات، عندما كانت النهضة هي الموجودة في فم المدفع، ويومها وظّف القضاء العسكري أيضًا ضدها، وكما هو الحال اليوم صمت الديمقراطيون، وقد غلب عندهم كره النهضة على حبّ العدالة والإنسانية والديمقراطية.
وقال الرئيس التونسي السابق إن ما لاحظه في التعاطي مع هذه القضية، والكثير من المؤشرات السلبية الأخرى، تؤكد “أننا بصدد مزيد من تبلور المفارقة الكبرى لهذه المرحلة من تاريخنا: جاءت الثورة بالديمقراطية، وجاءت الديمقراطية بمن حاربوا الديمقراطية”، في إشارة إلى النظام القديم، مشيرًا إلى أن من أسماهم بـ “محاربي الديمقراطية” يحاولون الاعتداء عليها، و”هو ليس بالأمر المستغرب، لأن ما بالطبع لا يتغيّر، ومن شبّ على شيء شاب عليه، ومن شاب على شيء مات عليه (..) المستغرب ألا يتذكّر بعض الناس أخطاء التسعينات، وأنهم أُكلوا يوم أكل الثور الأبيض”.
ودعا المرزوقي كل القوى الديمقراطية إلى التصدّي لأي مسّ بحق الرأي والتنظم مهما كانت التجاوزات المرتكبة، وإحالة هذه التجاوزات على قضاء مدني مستقلّ، قولاً وفعلاً، والتخلص نهائيًا من فكرة إقحام المؤسسة العسكرية في الخلافات والتجاوزات السياسية، لأنه لا خيار لنا، والمعركة من أجل الديمقراطية لا زالت في بدايتها خلافا لتوقعاتنا، إلا أن نجعل شعارنا: إذا عادت الأفعى عدنا لها بالنعال”.
نشاط حزب التحرير في تونس
يمثل حزب التحرير التونسي فرعًا من حزب التحرير الأم، الذي أسسه الشيخ محمد تقي الدين النبهاني في سنة 1952 بالأردن، وتعد تونس من أوائل بلدان المغرب العربي التي وصل إليها حزب التحرير، إذ بدأ نشاطه فيها أوائل الثمانينات من القرن الماضي، على يد الداعية محمد فاضل شطارة الذي انتمى للحزب إبان دراسته في كولونيا بألمانيا الغربية، وعندما عاد إلى تونس، بدأ سلسلة اتصالات سرية مع بعض الشخصيات الإسلامية لضمها إلى الحزب، حتى عقد الاجتماع التأسيسي للجنة المحلية في يناير 1983، وانتخبت اللجنة محمد جربي، رئيسًا لها.
خلال النصف الثاني من عام 1983، شنت السلطات التونسية حملة مداهمات واعتقالات في مدن تونسية عدة استهدفت عناصر الحزب، نتج عنها اعتقال نحو 60 متهمًا.
في سبتمبر 2006 قضت محكمة الدرجة الأولى في تونس العاصمة بسجن 8 أشخاص أربع سنوات وأربعة أشهر بعد إدانتهم بالانتماء إلى منظمة محظورة
وتم تقديم عناصر حزب التحرير إلى المحكمة العسكرية التي حكمت بالسجن 8 سنوات على عدد من المتهمين العسكريين، و5 سنوات على 11 متهمًا مدنيًا، من بينهم محمد جربي زعيم حزب التحرير في تونس، وفي مارس 1990 تمّ تقديم مجموعة كبيرة من أعضاء الحزب ضمت 228 عضوًا إلى المحاكمة بتهمة توزيع منشورات في المساجد، كما اعتقلت السلطات في صيف 1991 حوالي 80 ناشطًا ومسؤولاً في الحزب، وأعقبها محاكمات أخرى سنوات 1994 و1996.
في سبتمبر 2006 قضت محكمة الدرجة الأولى في تونس العاصمة بسجن 8 أشخاص أربع سنوات وأربعة أشهر بعد إدانتهم بالانتماء إلى منظمة محظورة “حزب التحرير” وعقد اجتماعات دون الحصول على ترخيص.
وفي مارس 2007 تمت محاكمة 8 من أفراد الحزب، وشهد العام 2008 عددًا كبيرًا من المحاكمات بحق عشرات من أعضاء حزب التحرير بتهم المشاركة في إعادة تكوين جمعية لم يعترف بوجودها، وعقد اجتماعات غير مرخص بها، وإعداد محل بقصد عقد اجتماع غير مرخص، وحمل نشرة من شأنها تعكير صفو النظام العام، وفي أواخر مارس 2008 تم إلقاء القبض على مجموعة من 12 عضوًا بالحزب تتراوح أعمارهم بين 18 و56 وتم احتجازهم في حالة تحفظ بإدارة أمن الدولة بوزارة الداخلية دون إحالتهم إلى المحاكمة.
عقب ثورة يناير 2011، بدأ حزب التحرير يظهر بصورة علنية في تونس، وانتصر للثورة ودعمها
في يوليو 2009 قضت محكمة تونس الابتدائية بسجن 19 من أعضاء الحزب، تراوحت أعمارهم بين 30 و45 عامًا، لفترات بين 11 و14 شهرًا نافذة.
عقب ثورة يناير 2011، بدأ حزب التحرير يظهر بصورة علنية في تونس، وانتصر للثورة ودعمها، وطالب الناطق الرسمي باسم حزب التحرير، آنذاك، رضا بالحاج، الأوساط السياسية والإعلامية في تونس بعدم الالتفاف على ثورة الرابع عشر من يناير.
وقال بلحاج “إن لحزب التحرير مشروع دستور بديل للبلاد سيتم عرضه على المجلس الوطني التأسيسي لإبداء الرأي فيه”، ملاحظًا “أن الديمقراطية قضية مفتعلة لا يجوز الانشغال بها”.
وتشير إحصائيات غير رسمية إلى وجود عشرات الآلاف من المنتمين والمتعاطفين مع حزب التحرير في تونس، وينتشرون في مناطق مختلفة من البلاد.