في الذكرى الأربعين لوفاة ماو تسي تونغ: ديكتاتور الصين أم قائدها العظيم؟

3500

“لو كانت الصين بدون قيادة ماو تس تونغ، وإذا كنا تجاهلنا أفكاره، لما كان هناك الصين التي نراها الآن على الخريطة”، قال تلك الكلمات أستاذ في جامعة مينزو في الصين يدعى “زانغ”، وهو أحد “الماويين” نسبة إلى أتباع ماو تسي تونغ في تقرير لصحيفة الغارديان عن احتفاليات الصينين بالذكرى الأربعين لوفاة مؤسس الشيوعية في الصين.

يعتبر ماو تسي تونغ من أكثر الشخصيات البارزة في تاريخ الصين الحديث، كما كان أحد أهم الشخصيات المحورية بالنسبة لتاريخ القرن العشرين، حيث قاد تسي تونغ الثورة الشيوعية في الصين عام 1949، وهو ما كان حجر الأساس لخلق جمهورية الصين الجديدة في القرن الواحد والعشرين.

ينقسم الشعب الصيني تجاه ماو تسي تونغ الآن في الألفية الحديثة، فالبعض يراه قائد الصين العظيم، فهو من أعاد إحياء تلك البلد بعد عقود من الذل والخراب، والبعض الآخر يرى بأنه على الرغم من إنجازاته التي حققها، إلا أنه خلّف نتاجها معاناة إنسانية ضخمة للشعب الصيني.

لن ينسى الصينيون لماو تسي تونغ أنه لم يدع لأوروبا وأمريكا الشمالية الفرصة للسيطرة على الصين وسرقة الحضارة الصينية والتراث الثقافي أو التأثير على اللغة الصينية كما فعلوا مع أغلبية بلدان العالم، فاستطاع أن يجد حلاً وسطيًا يحافظ به على الحضارة الصينية العريقة، وما بين تطبيقه لمبادئ ثورية تدفع إلى التطور والتجدد، وهو الطريق الذي اتبعه قادة الصين من بعده في بنائهم لـ “الاشتراكية”، ولكن بمميزات وخصائص صينية.

قام ماو تسي تونغ بإصلاحات جذرية في المدن الصناعية، كما قام بتأميم العديد من المؤسسات التجارية في المدن الكبيرة مثل شنغهاي، كما قام بتطوير العديد من المناطق الريفية، فقام بنقل ملكية الأراضي الزراعية من أصحابها إلى المزارعين العاديين، لتتم نقل ملكية تلك الأراضي عقب إعدامات لأصحابها من قبل محاكم مؤقتة.

استطاع ماو تسي تونغ القيام بالعديد من الإصلاحات على المستوى المجتمعي كذلك، فاستطاع تعزيز دور المرأة في المجتمع الصيني بشكل أكثر فعالية، كما انخفض معدل الجريمة ومعدل إدمان المخدرات بالإضافة إلى ما كان منتشرًا من تجارة الدعارة في فترة حكمه للصين.

كان لتسي تونغ طموحات عالية، حيث أراد أن يحقق نموًا غير مسبوق للاقتصاد الصيني، كما أراد أن يحرر الصين من العلاقات مع الاتحاد السوفيتي سابقًا، ليحقق بذلك طفرة اقتصادية بالنسبة للصين، وهو ما لم ينجح فيه في البداية بسبب تعارض العديد من الأحزاب مع سياساته في الحكم، وهو السبب الذي قام ماو تسي تونغ بإقالة العديد من “مؤيدي الاتحاد السوفيتي” من مناصبهم في السلطة، وهو ما جعل أعضاء الحزب الشيوعي ينقلبون على إدارة الحزب من الداخل، بالإضافة إلى معارضة شرسة من بقية الأحزاب، أدى إلى طلب ماو تسي تونغ لتدخل القوات المسلحة لضبط النظام في البلاد من جديد.

تستعد العديد من المدن الصينية الآن للاحتفال بطرق مختلفة بذكرى وفاة ماو تسي تونغ، فمن أتباعه من ينوي أن يحج إلى ضريحه في ميدان تاينام، والذي تم السماح للعامة بزيارته عام 1977، بحسب تقرير في صحيفة بيجين الرسمية، كما تستعد المتاحف والمسارح لعرض الرقصات والأغاني الخاصة به للاحتفال غدًا بذكرى وفاته، بالإضافة إلى عرض اللوحات والتصاميم الخاصة به على جدران المتاحف في هذا اليوم، بالإضافة إلى الندوات الشعرية والعروض الراقصة.

يقول أحد أتباعه الماويين وهو في عمر السادسة والخمسين في تقرير لصحيفة “جلوبال تايمز” بأنه لا يريد أن يموت قبل أن يزور ضريح الرئيس ماو، ليتابع بتأثر بأن أبناء جيله لديهم رابطة خاصة مع ماو تسي تونغ، فهو من استطاع توحيد الصين من جديد، والنهوض بها وإعادتها لركب الحضارة، ومع ذلك حافظ على تراثها وثقافتها بدون التدخل الغربي.

تعد الصين أكبر جمهور إلكتروني في العالم لمواقع التواصل الاجتماعي بعدد يصل إلى 710 مليون ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الجمهور الذي يروج الآن للاحتفالية بإطلاق حملات في كل المدن الصينية للتجمع في الميادين من أجل إحياء ذكرى وفاته.

لا يؤيد المؤرخون أتباع ماو تسي تونغ إطلاقًا في احتفاليتهم بذكرى وفاته، فيرى أغلبهم أنه شخص لا يستحق الاحتفال به، ولا يجب أن يسعد الشعب الصيني كل تلك السعادة بتذكره، حيث ذكر أحد المؤرخين الهولنديين، وهو مؤلف ثلاثية من الكتب عن جرائم ماو تسي تونغ أثناء فترة حكمه للصين بأنه يعتبره أكثر الحكام ديكتاتورية في القرن العشرين، بل وأكثرهم إجرامية على الإطلاق، ولا يجد حرجًا أن يضعه فوق هتلر في ترتيب أكثر الحكام إجرامية في القرن الماضي.

يروي المؤرخون في كتبهم أن ماو تسي تونغ تسبب في مجاعة 45 مليون صيني أثناء نهوضه بالاقتصاد في البلاد بسبب طموحه في إحداث طفرة في الصناعة في نهاية الخمسينات من القرن الماضي، بالإضافة إلى وفاة مليوني شخص خلال الثورة الثقافية التي قام والتي انتهت بموته في سبتمبر عام 1976.

لن يتذكر العديد من المحتفلين غدًا شخصية ماو الإجرامية، والتي تسببت في انهيار الاقتصاد في نهاية الأمر وفقدان الملايين من الأرواح بسبب ذلك، بل سيتذكرون ماو البطل العظيم، الذي نهض بالبلاد التي يفخرون بالعيش فيها الآن، والتي لها كتلة وقوة اقتصادية ضخمة في مواجهة الرأسمالية الغربية.

على الجانب الآخر سيتذكر جيدًا من سيرفض الاحتفال غدًا من الشعب الصيني كم كان ماو تسي تونغ مجرمًا وديكتاتورًا، وكيف أحدث في البلاد جلبة وفوضى مقصودة، كان السبب فيها سياساته الديكتاتورية المغلوطة، وهو السبب الذي سيجعل بعضًا من المدن ترفض الاحتفال كليًا بذكرى وفاته.