“لا أريدها أن ترتدي تصاميمي”، “تصاميمي لن تبدو جميلة عليها، ولن تظهر بالطريقة التي أريدها أن تظهر عليها”، “أنا غير مهتم بالبدينة لكي أصنع لها ملابس خاصة”، “لن تناسب تصاميمي المحجبة”، كل ما سبق إجابات عشوائية من مصممي أزياء عالميين عند سؤالهم عن إصرارهم في تصاميم ملابس تناسب شديدات النحافة، ولا تناسب من يحبذن الملابس المحتشمة.
ما يفعله المصممون في عروض الأزياء هو إظهار مهارتهم الفنية وموهبتهم الإبداعية في كيفية إظهار أفضل ما يمكن أن تبدو المرأة عليه، إلا أنه من الواضح أنهم متحيزون بشدة أثناء أداء تلك المهمة، لتبدو أن المرأة التي تكتسب حق الظهور بمظهر لائق هي المرأة النحيفة فقط، بل وأحيانًا شديدة النحافة، والتي تتجنب الملابس المحتشمة أو المحافظة قليلًا في حياتها اليومية.
إذا كان المصممون يعملون بمهارة وإبداعية لجعل المرأة تظهر بمظهر لائق وجميل، فلماذا لا تكون المرأة البدينة أو المرأة المحتشمة أو المحجبة في الحُسبان، حيث تعاني الأخيرات من معاناة اختيار ملابس تناسبهن، ليحاولن في النهاية ايجاد حل وسطي بالنسبة لمظهرهن الخارجي لا يرضيهن ولا يظهرهن بشكل جميل ورائع كما تظهر نظيراتهن النحيفات أو الغير محجبات، إلا أنه يكون أنسب شيء لهن في نهاية الأمر ولأسلوب طريقتهن في اختيار الملابس.
يبدأ الآن أسبوع الأزياء في مدينة نيويورك، وهو ما يصفوه مصممي الأزياء بأسبوع أحدث الصيحات وحرب الموضة بين المصممين من الشركات المختلفة، إلا أنه على الرغم من الجهود المبذولة للبقاء بصورة قوية في المنافسة، إلا أنه لا يبدي أي من المصممين الرغبة في المخاطرة، وهي أن يصمم ملابس للبدينات، وبالأخص في الولايات المتحدة الأمريكية.
يبلغ عدد النساء المصابون بإفراط في الوزن إلى 100 مليون امرأة أمريكية بحسب تقارير بحثية من جامعة واشنطن الحكومية، كما أنهم ينفقون مبالغ مالية تفوق ما تنفقه نظيراتهن النحيفات في شراء الملابس، حيث بلغ مقدار شراء النساء البدينات للملابس 20.4 بليون دولار أمريكي، وهو ما يعني زيادة نسبة الشراء الآن من قِبل النساء البدينات بنسبة 17% من ما كانت عليه في عام 2013.
طبقًا للإحصائيات الأمريكية، فإن النساء الأمريكيات لا يستطعن إيجاد ملابس تناسب أحجامهن في أغلب المحلات التجارية المشهورة، حيث لا تقوم العديد من العلامات التجارية بتصنيع مقاسات معينة تناسب أغلب النساء البدينات، فلا تجد إلا الأحجام المناسبة للنحيفات أو متوسطات الامتلاء، إلا أنه لا يمكنك على الإطلاق أن تجد أي قطعة ذات حجم كبير، وكذلك تناسب الجسم البدين.
لا تتوقف تلك الأزمة عند محلات الملابس فقط، بل تنطبق على ملابس الرياضة، والمحلات التي تبيع الأحذية، حيث لا تستطيع المرأة البدينة أن تجد حذاء يناسب حجم قدمها، وهو ما يدفعها إلى شراء ما لا يريحها، كما لا تستطيع الاستمتاع بملابس رياضية مناسبة، فأغلب الملابس الرياضية تناسب الأجسام الرياضية وليس فقط الأجسام العادية، وهو ما يبدو متناقضًا، إلا أنه ما تقدمه بالفعل محلات الملابس الرياضية، وكذلك المحلات الخاصة بالملابس الداخلية أو ملابس السباحة.
“لن تظهر البدينة أو المحجبة بالطريقة التي أريدها لها أن تظهر بها”
هنا تأتي الرغبة الدفينة لمصممي الأزياء للشركات العالمية في التحكم في طريقة ظهور المرأة في كل عام، ففي تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” عن أسبوع الأزياء تحدث العديد من المصممين عن رأيهم تجاه الملابس المحتشمة أو الملابس الواسعة التي تناسب المرأة البدينة، فمنهم من قال بأن “لا أحد يحب أن يرى المرأة بدهون متكتلة في مناطق مختلفة في جسدها”، ومنهم من قال بأنه لا يهتم من الأساس بنساء كهؤلاء، فكل ما يريده هو إظهار جمال المرأة، وهو لا يرى أي جمال في المرأة الممتلئة.
هل جربت من قبل أن تخرج للتسوق مع شخص بدين، حينها يمكن بالفعل إدراك حجم المشكلة، فهي تجربة ليست سعيدة على الإطلاق، فسيجد الشخص البدين أن أغلب أحجام الملابس التي أمامه لا تجعله يعشر بشي إلا أنه شديد البدانة، ربما أكثر مما هو عليه في الواقع، وذلك بسبب كونها شديدة الصغر بشكل لا يجب أن تكون عليه، كما لا يكون الوضع جيدًا إذا وجد الشخص ضالته في إيجاد قطعة تناسب حجمه، فسيجد أنها لا تلائم ذوقه، وذلك لندرة القطع المتاحة بهذا الحجم، فلا يكون أمام المشتري خيارات متنوعة، فإما تكون القطعة مطرزة تطريز طفولي أو تطريز يناسب كبار السن ولا يكون له أي علاقة بالذوق الشبابي الحالي.
تعاني المرأة المحجبة من إيجاد قطع ملابس مناسبة لها، وتقضي وقتًا في التسوق أكثر مما تقضيه نظيرتها الغير محجبة، فإما تضطر المحجبة أن تتجه مباشرة إلى المحلات ذات العلامات التجارية الإسلامية والتي لاعلاقة لها بالعلامات التجارية المشهورة، لتجد العباءات السوداء خيارًا وحيدًا لها، وهو الزي المنتشر في الخليج العربي بكثرة، وإما إذا أردات أن ترتدي ما يتوافق مع صيحات الموضة الحالية ولكن بطريقة أكثر التزامًا واحتشامًا، فستبدأ رحلة المعاناة في إيجاد ملابس ملائمة، فلا توفر العلامات التجارية الملابس الطويلة دائمًا، ولا القمصان ذات الأكمام الكاملة بكثرة، كما أصبح من الصعب الآن إيجاد بنطال جينز كاملًا بدون خروقات أو فتحات.
قامت العديد من العلامات التجارية المعروفة في مجال ملابس المرأة بتقديم عروض خاصة لملابس المرأة المسلمة، لتبدأ الحملة في رمضان الماضي، بعرض علامات تجارية مشهورة مثل زارا أو مانجو ملابس محتشمة، وهو ما لم يكن فقط من أجل معادلة وموازنة الكفة بين الملابس العادية التي يقومون بإنتاجها او بالملابس المحتشمة، إلا أنه كان من أجل عدم خسارة شريحة كبيرة من الزبائن في الشرق الاوسط، منهم نسبة كبيرة ينفقون أموال طائلة على التسوق، مثل قاطني دول الخليج العربي.
يعد تجاهل المرأة البدينة أو المرأة المحتشمة أمرًا يؤرق الزبائن أكثر من مصممي الأزياء، فعلى الرغم من أن الأخيرات يعتبرن سوق واسع بالنسبة لتلك الشركات، بل على العكس، من الممكن أن يكون استثمار جيد ودخل زائد، إلا أن الكثير من الشركات العالمية ترفض المخاطرة، وتمتنع عن الدخول في هذا المجال و تقديم عروض لتلك الشريحة، حتى وإن قدمت بعضًا من القطع القليلة، فلا تعرضها أبدًا في عروض الأزياء التي تتنافس فيها كل شركة بشراسة تجارية بحتة، تتجاهل فيها حق المرأة البدينة أو المحتشمة من أن تظهر بمظهر رائع مثل نظائرهن من النساء المتمتعات بخيارات مختلفة، في محلات عدة بين علامات تجارية لا تعد ولا تحصى المحلية منها والعالمية.